فولكس فاجن بيتل.. قصة نجاح لن تتكرر

لو بحثنا عن أشهر سيارات العالم فلن نجد أفضل من فولكس فاجن بيتل للفوز بهذا اللقب خاصة و أن ما تحقق لها من شهرة لم يتحقق لأي موديل أخر على الإطلاق. فتلك السيارة الصغيرة التي كانت يوما ما أحد رموز النازية و فيما بعد رمزا لمحبي السلام أنتجت في أربع دول و بيعت في أكثر من  140 دولة على مدار 70 عاما تقريبا حيث بدأ إنتاجها قبيل الحرب العالمية الثانية و أستمر حتلى عام 2003.

يعود تاريخ البيتل الشهيرة إلى أوائل الثلاثينات حينما فكر أدولف هتلر فور توليه منصب مستشار ألمانيا في إنتاج سيارة شعبية يمكن لكافة الألمان من محدودي الدخل إمتلاكها خاصة و أن هتلر كان معجبا للغاية بهنري فورد و موديل T  الذي كان أشهر سيارات تلك الفترة. و لهذا الغرض كلف هتلر شركة فيردناند بورش الإستشارية بتصميم سيارة معقولة السعر لأبناء الطبقة المتوسطة . و حدد هتلر بعض مواصفات تلك السيارة و منها أن تكون ذات إستهلاك منخفض للوقود و أن تكون من الجودة بحيث تستطيع السير بسرعة 100 كم / ساعة على الطرق الألمانية السريعة. و رغم أن هتلر أراد إطلاق إسم KdF على الموديل المقترح إختصارا لجملة "القوة من خلال المتعة" و أطلق الإسم بالفعل على النسخ الأولى للموديل إلا أنه صار يعرف فيما بعد بإسم "سيارة الشعب" أو فولكس فاجن.

اعتمد بورش في مشروعه على تصميم سيارة كانت شركته وضعت تصميمها لحساب شركة NSU الألمانية التي تراجعت عن المشروع في مراحله الأولى و جاءت القوة من محرك ذي 4 سلندرات يعمل بتبريد الهواء تم تثبيته خلف المحور الأمامي على أن تصل القوة للعجلات الخلفية من خلال نظام نقل يدوي لأربع سرعات. أما نظام التعليق فكان مستقلا على العجلات الأربعة من خلال قضبان إلتوائية بسيطة الشكل.

بحلول خريف عام 1936 إنتهى بورش من تصنيع ثلاثة نماذج تجريبية من الموديل المقترح لتقييمه و قام بورش بإنتاج تلك الموديلات التجريبية في جاراج منزله بشتوتجارت. أتمت تلك السيارات الثلاث مسافة 50 ألف كيلومترا من التجارب و رغم ظهور بعض المشكلات غير أن الإنطباع العام عن السيارة كان إيجابيا. و في عام 1937 تم تصنيع 30 سيارة أخرى للمزيد من التجارب و قطعت تلك السيارات مسافة 2،4 مليون كيلومتر خلال التجارب و تم تصنيع 30 سيارة أخرى في نفس العام لأغراض دعائية.

لم تتحمس الشركات الألمانية لمشروع هتلر و هو ما دفعه لإنشاء مصنع بتمويل حكومي لإنتاج الموديل الصغير و أنشئ مصنعا عملاقا في فولفسبرج بشمال ألمانيا لهذا الغرض حيث وضع حجر الأساس في مايو 1938 و تم الإنتهاء من المصنع في ربيع عام 1939.

لم ينتج المصنع سوى عدد قليل من السيارات قبيل إندلاع الحرب العالمية الثانية و بعدها تحول للإنتاج الحربي الذي شمل السيارة الدلو أو كوبل فاجن علاوة على سيارة برمائية عرفت باسم شفيم فاجن.

كان إنتاج المصنع محدودا و لكن ذلك لم يمنع حكومة هتلر من طرح خطة تقضي بدفع الراغبين في شراء السيارة لقيمتها مقدما من خلال شراء طوابع إدخارية و لم يحصل هؤلاء في واقع الأمر على سياراتهم بعد إنتهاء الحرب و كان ذلك سببا لنزاع قضائي استمر لمدة 11 عاما و لم يتم تسويته قبل عام 1963.

بعد إنتهاء الحرب قامت قةات اللحلفاء بإدارة المصنع الذي أصيب ثلثيه بالدمار خلال الحرب، و تلقت الكثير من الشركات عروضا لشراء الشركة و منها فورد و رووتس البريطانية و لكنها رفضت ذلك لأنها لم تر في الأمر سوى سيارة صغيرة قبيحة مزعجة الصوت و مصنعا لا جدوى منهم.  و فات تلك الشركات النظر إلى التصميم الهندسي الرائع للبيتل و أثبتت الأيام أن ما إرتكبته تلك الشركات كان خطأ فادحا بكل المقاييس.

سيطر البريطانيون على المصنع و أستخدموه في البداية لإصلاح الشاحنات . و لكن سرعان ما عاد العمال و النازحين الألمان إلى مصنعهم و قاموا بتركيب آلات الإنتاج التي تم إخفاؤها خلال فترة الحرب. لقى هؤلاء العمال تشجيعا من البريطانيين و على رأسهم الميجور إيفان هيرست من سلاح المهندسين الملكي و هو صاحب الفضل الأكبر في إعادة تشغيل المصنع مرة أخرى عام 1945.

وعاد المصنع للإنتاج بكميات قليلة حيث أنتج خلال العام الأول 1785 سيارة فقط ثم 10020 سيارة في عام 1946 وانخفض الإنتاج في العام التالي إلى 8987 سيارة  و إقتصر استخدام تلك السياراتت على قوات الإحتلال و خدمات البريد.

تسارعت وتيرة الإنتاج في عام 1948 عندما تولى مهندس ألماني إسمه هانز نوردهوف عمل في السابق بشركة أوبل مسئولية المصنع، كان  نوردهوف خبيرا و ساهم بجهوده في رفع الروح المعنوية للعمال و تذليل العقبات التي واجهت عملية الإنتاج و دفع بحجم الإنتاج من أقل من 20 ألف سيارة عند توليه المسئولية إلى نصف مليون سيارة بحلول يوليه 1953 زادت إلى مليون سيارة بحلول أغسطس عام 1955و تضاعف الإنتاج إلى 5 ملايين سيارة في ديسمبر 1961.

تجدر الإشارة إلى أن مبيعات فولكس فاجن في أمريكا الشمالية بدأت عام 1949 بسيارتين فقط في ذلك العام و سرعان ما زاد العدد لتصبح السوق الأمريكية أحد أهم أسواق هذا الموديل.

لم يتغير الشكل الأساسي للموديل على مدار السنين و لكن خضعت الأجزاء الميكانيكية في السيارة للكثير من التحسينات بمرور الوقت و هو ما ساعد بيتل على الحفاظ على شعبيتها لعقود طويلة.

صارت بيتل أكثر موديلات العالم شعبية عندما بلغ حجم إنتاجها أكثر من 15 مليون سيارة في 15 فبراير عام 1972 و تخطت بذلك حجم إنتاج فورد موديل T الأسطوري، وعندما تزقف إنتاج السيارة في المكسيك عام 2003 ، زاد إجمالي ما أنتج منها عن 22 مليون سيارة.