- خبراء القانون يكشفون عوار بنود مشروع قانون التصالح فى قضايا القتل.. ومصالحات التعدى على الرقعة الزراعية مخالفة للدستور
- النائب علاء والى رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب: «التصالح فى مخالفات البناء» على رأس أجندة النواب ولم يتبق سوى الاتفاق على صياغته النهائية
«دولتنا دولة قانون.. ولا أحد فوق القانون.. حتى رئيس الدولة»، كلمات قليلة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى قبل شهر، فى معرض تصريحاته لإذاعة شبكة «إيه آر دى» الألمانية الإعلامية، وكانت هذه التصريحات للتأكيد على حرص الدولة على إعلاء سيادة القانون، وتطبيقه على الجميع دون استثناءات، لكن مع ظهور قوانين «التصالح»، التى كان آخرها مشروع قانون التصالح فى جرائم القتل العمد من غير سبق إصرار وترصد، وبدا أن هناك من يغرد وحيدا خارج السرب، ويسير فى طريق فتح الأبواب الخلفية، لإسقاط هيبة الدولة، وإهدار دولة القانون عبر استخدام القانون نفسه.
ورغم أن الدستور يجرم التعدى على الرقعة الزراعية، ويلزم الدولة بالحفاظ عليها، أصبح قانون التصالح فى مخالفات البناء قاب قوسين أو أدنى من التطبيق، بما يعنى أن التعدى على الرقعة الزراعية سيكون بالقانون، وفيما تحارب الدولة الإرهاب والأفكار الدينية المتشدة، وترفع راية «الدولة المدنية»، قدم النائب صلاح حسب الله مشروع قانون للتصالح فى جرائم القتل العمد، مستشهدا بالآيات القرآنية ومذاهب الأئمة، ما يفتح الباب على مصراعيه لأصحاب الأموال، لارتكاب الجرائم، وتصبح أرواح المصريين سلعة فى مزاد القتل المقنن.
التصالح فى جرائم القتل
النائب صلاح حسب الله، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، قال إنه تقدم إلى اللجنة بمشروع للتصالح فى جرائم القتل العمد، من خلال تقديم تعويض لأولياء الدم «الدية»، مشيرا إلى أن اللجنة ستناقش مشروع القانون خلال دور الانعقاد الثالث.
وأضاف حسب الله، فى تصريحات صحفية له، أن التشريع الجديد يتيح التصالح بجرائم القتل، كما نصت عليه الشريعة الإسلامية، ولكن العقوبة لا تسقط بشكل كلى، وإنما تخفف فقط، باعتبار أن هذا حق المجتمع، موضحا أن مشروع القانون سيستثنى من التصالح الجرائم العنصرية والطائفية، فضلا عن الجرائم الإرهابية.
وأوضح أن الأصل فى العقوبات الناشئة عن جرائم القصاص، إنما تتناول شفاء غليل ولى الدم أو المجنى عليه، فيما دون النفس، والجريمة قد تكون عمدية، وفى هذه الحالة يجب القصاص أو الدية، وإذا وقعت بغير عمد، وهى القتل والجرح الخطأ، فتجب الدية فقط، مستشهدا بقوله تعالى: «ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا».
وأوضح «حسب الله»، أنه فى حالة القتل العمد، يسقط القصاص بالعفو، إذ يعتبر القصاص من حق العبد، والعفو معروف بإسقاط بلا مقابل، أما الصلح يتم دوما بمقابل، ويعتبر الصلح فى جرائم القصاص محل اتفاق الفقه، مشيرا إلى أن ولى الدم له الخيار بين أمرين، أن يقتص عينا من الجانى أو يأخذ الدية، ويجوز له العفو عن القصاص أو العفو عن القصاص والدية معا.
وأشار عضو اللجنة التشريعية، إلى أن كل الدول تتجه لتقنين أحكام الصلح فى جرائم القتل والجرح العمدية، لا سيما أن الصلح فى القصاص يقود لتهدئة النفوس وإزالة أسباب الاضطراب بين أطراف النزاع، وحسمه وسقوط العقوبة بإجراءات ميسرة دون حاجة لنفقات، ويقود إلى تحقيق أهداف العقوبة المتمثلة فى الردع العام والخاص، كما يؤدى لتحقيق غرض العدالة من خلال إعطاء حق الصلح للمتضرر شخصيا للتنازل عن حقه بإرادته الحرة.
وقال إن المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، التى تقدم بها مع أكثر من 60 نائبا آخرين، وأحالها رئيس مجلس النواب للجنة الشئون الدستورية والتشريعية، كشفت تفاصيل القانون الذى من المفترض أن يصاحبه تعديل بعض نصوص قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، لافتا أن المشروع يتضمن مادتين، الأولى تعديل المادة 234 من قانون العقوبات، لتنص فى صيغتها الجديدة على أن: «من قتل نفسا من غير سبق إصرار ولا ترصد، يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، ومع ذلك يُحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمها أو اقترن بها أو تلتها جناية أخرى، أما إذا كان القصد منها التأهب أو مساعدة شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة، فيُحكم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة».
أشار إلى أن المذكرة الإيضاحية، بررت ودافعت عن القانون، وساقت عدة دلائل وشواهد على تطبيق الصلح المسقط للقصاص، إذ أشارت إلى أن الصلح المسقط للقصاص، نصت على مشروعيته عدد من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وأجمع عليه علماء المسلمين، شريطة ألا يكون إلا بعد ثبوت الحق فى القصاص للمجنى عليه أو ورثته، لأنهم هم أصحاب الحق فيه، وهم من يملكون القصاص والصلح، لافتا أن الكثير من التشريعات الوضعية الحديثة، التى عرفت نظام الصلح بوجه عام فى الجرائم البسيطة، وحصرت نطاقه فى جرائم محدودة بعينها، أما الصلح المسقط للقصاص، فلم تعرفه كونها لم تأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية فى هذه الجرائم، إلا أن هناك قلة من التشريعات أجازت الصلح المسقط للقصاص، مثل التشريعات السعودية والليبية والسودانية واليمنية وقوانين الإمارات العربية المتحدة، اتباعا وتطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
الدكتور صلاح فوزى، الفقيه الدستورى، وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، قال إن القانون رغم أهميته فإنه سيفتح الباب لارتكاب جرائم القتل باسم القانون، وطالب مجلس النواب برفض القانون والإبقاء على الحق العام فى «جرائم النفس»، باعتباره ضابطًا وحاكمًا لعلاقات المجتمع بعضه البعض، على عكس؛ ما إذا تم إقحام المال والصلح فيها، مشيرا إلى أن التعديل المقترح، يفتقر إلى الملاءمة القانونية لعدة أسباب، منها تناقض النصوص المقترحة على قانونى العقوبات والإجراءات الجنائية مع بعضها البعض، مؤكدا أن «هذا الحل، لن يستطيع إليه؛ إلا أصحاب المال فقط، باعتبارهم الفئة القادرة على تقديم التعويض أو الدية المطلوبة لإتمام الصلح».
التصالح فى مخالفات البناء
ورغم أن المادة 29 من الدستور، كانت واضحة وملزمة للدولة بحماية الرقعة الزراعية، حتى أنها جرمت الاعتداء عليها، فاجأ النائب علاء والى، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، الجميع، وأعلن إقرار قانون التصالح فى مخالفات البناء خلال دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب، الذى سيبدأ فى أكتوبر المقبل.
«والى» قال إن قانون التصالح فى مخالفات البناء، من القوانين المهمة التى تمس ملايين المواطنين، ويترقبون إقراره لتقنين أوضاعهم المخالفة، مؤكدا أنه ضمن أولويات لجنة الإسكان، وعلى رأس أجندتها التشريعية خلال دور الانعقاد القادم.
وأضاف والى، فى بيان صحفى سابق له، أن اللجنة انتهت من المناقشات، واستمعت إلى كل الآراء ولجان الاستماع والمعنيين وجميع الجهات الحكومية والخبراء بشأن مشروع القانون، ولم يتبق سوى الاتفاق على الصياغة النهائية لقانون التصالح، ووضع الخطوط العريضة عليه بالتنسيق مع وزارة الإسكان، ليتم إعداد تقرير اللجنة بشأنه ليعرض بعد ذلك على الجلسة العامة للمجلس، خلال دور الانعقاد الثالث، لإقراره والموافقة عليه.
وأوضح والى، أن الفترة القادمة تتطلب تعاون الحكومة مع مجلس النواب، لإقرار هذا القانون، لأنه سيعالج مشاكل المخالفات التى تلاصقت مع الحيز العمرانى، وفى نفس الوقت، يدر للدولة إيرادات مالية كثيرة نتيجة التصالح والحفاظ على الثروة العقارية فى ظل وجود ملايين المخالفات، التى نفذها الأهالى منذ سنوات فى غفلة من الزمن، وتركتهم الحكومة حتى أصبحت هذه المبانى، التى أنشئت بالمخالفة مقننة وآمنة، بالنسبة لأصحابها، ويقطنون فيها، ويعيشون إعاشة كاملة، لأنها تلاصقت بالحيز العمرانى، وتم توصيل كل المرافق الحكومية لها، وبذلك لا ىوجد أمام الدولة أى بدائل أو خيارات سوى التصالح فى مثل هذا النوع من المخالفات، حفاظا على الأموال التى أنفقت فى هذه الثروة العقارية.
أوضح المستشار أحمد أبو العزم، رئيس مجلس الدولة، أن مشروع التصالح على بعض مخالفات البناء يقع فى 13 مادة، ويعدد الحالات التى يمتنع معها التصالح على أعمال البناء المخالفة، ومن بينها أن تكون هذه الأعمال مخلة بالسلامة الإنشائية للعقار أو أن تكون متعدية على خطوط التنظيم المعتمدة، أو أن تتعلق بأماكن إيواء السيارات، أو أن تتعلق بالمبانى ذات الطراز المعمارى المتميز، أو أن يكون البناء قد تم على أراض مملوكة للدولة أو أراض زراعية.
وألزم مشروع القانون راغبى التصالح، أن يتقدموا فى خلال مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون إلى الجهة الإدارية المختصة بطلب التصالح، على أن يتم البت فى هذا الطلب بعد معاينة ميدانية للأعمال المخالفة، وأن تنتهى هذه اللجنة من عملها خلال 4 أشهر من تاريخ تقديم الطلب إليها، وتحدد قيمة مقابل التصالح على الأعمال المخالفة بحساب عدد الأمتار المخالفة وضربها فى حاصل جمع سعر المتر مسطح المبانى ،المحدد بقرار وزير الإسكان رقم 415 لسنة 2009.
وكيل إسكان النواب، النائب يسرى المغازى، كان قد دافع عن القانون، مشددا على أنه لا يتعارض مع الدستور، مشيرا إلى أن اللجنة حرصت عند مناقشتها لمشروع قانون التصالح فى مخالفات البناء على عدم تعارضه مع المادة 29 الخاصة بالحفاظ على الرقعة الزراعية، التى تجرم التعدى على الأراضى الزراعية، ومن ثم فإن التصالح فى البناء على الرقعة الزراعية يتعارض مع نص المادة.
«وأوضح أن التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية، سيكون وفق شروط معينة وصارمة، على رأسها التأكد من أن هذه الأرض أصبحت غير صالحة للزراعة، من خلال الوقوف على طبيعة التربة، مع النظر لعدد المحاضر والأحكام، التى حصل عليها المتعدى، ما يثبت أن هذه الأرض أصبحت غير صالحة للزراعة، ومن ثم فإن التصالح لن يكون على أرض زراعية بحكم المحكمة.
التصالح فى جرائم المال العام
كانت فكرة التصالح فى جرائم المال العام، تدور حول استرداد الأموال المهربة من أفراد نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، من أجل تحقيق المصلحة العليا للبلاد، دون وضع الأسماء فى الاعتبار، ورغم أن القانون تغاضى عن الجرائم والفساد اللذين ارتكبا، نظير إعادة الأموال إلى خزانة الدولة، فإنه مع ذلك بدأ عدد من رموز نظام الرئيس الأسبق، يهربون من التصالح فى قضايا الكسب غير المشروع، وذلك بعد التقدم بطلبات تصالح إلى الجهاز .
مصادر قضائية، كشفت فى تصريحات صحفية، السبب وراء الهروب من الكسب إلى لجنة استرداد الأموال، مشيرين إلى أن الخلاف على مبالغ التصالح المطلوبة من جهاز الكسب أو المعروضة من رموز النظام الأسبق هو السبب، كما يعترض رجال الأعمال على تقارير الجهاز ، التى قيمت ثرواتهم، وحددت ماحصلوا عليه بطرق غير مشروعة، وتقديم ما يثبت عكس ذلك، ما يؤكد أن من خالف القانون فى أول الأمر، لن يحترمه مجددا.