حفلات الصمت
الإثنين، 07 أغسطس 2017 12:38 صعايدة السمنودى
يجلسان معا على طاولة واحدة فى حديقة أحد الأندية، لا تتلاقى نظراتهما إلا عرضا، ينظر كل منهما فى اتجاه معاكس لنظرات الآخر، كل منهما جزيرة منعزلة مهجورة، بين وقت طويل وآخر يتبادلان كلمة أو كلمتين بالأكثر، ويعود كل منهما للتقوقع داخل ذاته عند النظر إليهما من بعيد يدهشك التشابه العجيب بينهما، وجه العجب ليس فى التشابه الظاهرى بل فى التشابه الكيانى كله ورغم ذلك صامتان تماما، تحار فى تفسير هذا الصمت هل وصلا لمرحلة الفهم التام حتى لم يعودا فى حاجة لكلمات تشرح لأحدهما ما يفكر فيه الآخر وما يحتاجه؟ أم أن هذا الصمت يأس تعمق وطغى ورسخ تعبيرا عن اللا جدوى والاستسلام التام للمنفى النفسى الاختيارى والركون إليه طلبا للسلام؟
أم ربما فرغا من كل الكلمات والحكايات التى حاولا كثيرا أن تكون أرضية مشتركة للقاء روحى وفكرى فضاعت سدى وبقى الخواء؟.
فى المقابل هناك فى منزل ريفى بسيط زوجان فى المرحلة العمرية ذاتها لا تستطيع أن تخمن متى يكفان عن الكلام حتى تتمكن من إخبارهما بما تريد تمضى إلى حال سبيلك على الجهة ذاتها أيضا وفى إحدى عشوائيات أطراف المدينة تتصاعد من المساكن الضيقة المتهالكة أصوات ثنائية لأزواج وزوجات ف مراحل عمرية مختلفة لا يكفون عن الثرثرة والشجار بالكلمات وربما بالأيدى، وتتعالى الصرخات التى تفصح عن حياه بائسة تقترب من البوهيمية لكنها حية عفية نابضة وربما سعيدة فلمَ لا مادام استطاعا أن يتناولا وجبة عشاء شهية من بضع شطائر من الكفتة مجهولة الهوية؟ تراهم أيضا سعداء بالأعياد فى ملابسهم المزركشة يستقلون تريسكل بثلاث عجلات يصحبون معهم أغانيهم الصاخبة وطعامهم ويفترشون أى بقعة خضراء بالشارع ويضحكون فى سعادة، ويتكلمون ويتكلمون ويتكلمون، بينما يمر بهم زوجان أنيقان صامتان فى سيارتهما يلقون عليهم نظرة ربما مزدرية، هنا يثور السؤال عن الوعى هل هو نعمة أم نقمة؟
هل المدنية بما تتضمنه من تعليم وثقافة واحتياجات مادية ونفسية وتطلعات طبقية منحت للإنسان سعادة أم تعاسة؟
محامية