العبثيـَّة الترامبيــَّة واندلاع الثورة الأمريكيَّة (4)
الخميس، 03 أغسطس 2017 01:59 م
زَرَعَ... حَصَدَ... استئناسًا بما شبِبنا عليه من عمق معنى لهاتين الكلمتين، ومن ترسُّخهما في وجدان جيلنا، لدرجة أنهما ما زالتا تقرعان أذناي إلى يومنا هذا ؛ فمن يزرع يحصد، وبالمثل : عَبَثَ خُلِعَ، حَنَثَ عُزِلَ، بمكنتنا القول بأنّ من يَعبث يُخلع ومن يَحنث يُعزل، ومن لم يتعلم من أخطائه فلا يلومنّ إِلَّا نفسه. ومن يتخبَّط من خمر الغرور ويترنَّح من شراب الكِبر ويتأرجح من كأس الصبيانية ؛ فلا بدّ من إفاقته، لأنه أصبح خطرًا على حياة الآخرين وبات قضًّا لمضاجعهم، وأضحي تهديدًا لأمنهم لذلك كان التطبيق الأمين للقانون، بالحفاظ على أرواح المجتمع وحمايتهم من المراهق النزق، بل وحمايته هو من شرور نفسه، وسوء فعله.
تتوالى الأحداث وتتسارع وتيرتها، وتتلاحق تفاصيلها، وتتداخل معانيها بأكثر مما كنّا نظنّ ! صفعة جديدة على وجه صلف الترامبيّة المراهقة، أراد ترامب أن يمحو ما قام به سلفه أوباما من تلبية لرغبة ملايين الأمريكيين ؛ فكان الرد حاسمًا مؤلمًا، إذ أراد ترامب أن يلغي برنامج أوباما كير، فكان أن صوّت مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي ضد إلغاء برنامج أوباما كير، الغريب في الأمر أن هناك من الجمهوريين من وقف ضد هذا الالغاء. أراد الافتئات على إرادة الشعب ؛ فكان الرد مؤلمًا من الممثلين الحقيقيين والشرعيين للشعب الأمريكي، تتجلى مزية أن يكون أعضاء المجلس التشريعي وبحق نواب عن الشعب ؛ يعيشون أمله، تواقون لمشرق غده، شاعرين بألمه، عالمين بمواطن توجعُّه ؛ فالنيابة هي وكالة عن المنوب عنه لرعاية مصالحه، والسهر على خدمته، وبذل الجهد لرفاهيته، وقضاء متطلباته وتلبية حوائجه.
ظلّ الشعب الأمريكي لعقود طويلة متعطشًا للحماية الصحيَّة على غرار الدول الأوروبية، واستجاب أوباما وإدارته للمطلب الشرعي لشعبه ؛ ليأتي غرور وعنت ترامب ويمحو أمنية من أمنيات الشعب الأمريكي، وحق مكتسب بعد جولات طويلة من المطالبات والشدّ والجذب. لم يعِ المراهق السياسي أنّ إدارة دولة إنما تختلف عن إدارة شركة حتى وإن تضخم حجمها وترامت حدودها ؛ فالدولة مبناها الديمقراطية، الرئيس ما هو إلا خادم لشعبه، يتقاضى راتبه منه، يسهر على راحته، فهو من الشعب ويجب أن يكون معبرًا عن إرادة الشعب ؛ فالمواطن هو السيد الآمر الناهي والرئيس هو المنفذ الأمين لأوامر صاحب السيادة الشعب ؛ فلا يحيد عن هدف الأخير ولا يستطيع أن يلتف على إرادته وإلّا لأسقطه الشعب. أما صاحب الشركة، فهو الآمر الناهي فيها، أي يكون له صلاحيات المواطن في إدارة الدولة، وأما عن موظف الشركة فهو عنصر من عناصر تنفيذ إرادة صاحب الشركة أي أن الموظف في الشركة يقوم بدور رئيس الدولة في الدولة من حيث الانصياع لإرادة رب العمل.
من هنا تأتي خطورة دمج النظامين أو عدم وضع الحدود الفاصلة بينهما ؛ فرئيس الشركة لا يصلح لأن يكون رئيس دولة، والموظف في الشركة لا يصلح أن يكون مواطنًا في الدولة، وبالقطع نتحدث هنا عن فلسفة العمل. وهنا حماية للشعب وللديمقراطية ؛ فالمشهد الأمريكي برهان ساطع على لزوميَّة الديمقراطيَّة وتوجبها ؛ بل وإعمال مقتضياتها من سلطات مستقلة، يراقب بعضها بعضًا منعًا من الشتت والانحراف والعبث بمقدرات الشعوب. لنا أن نتخيَّل لو كان أعضاء الكونجرس من الآكلين على كل الموائد ومن حملة المباخر ومن أعضاء نادي قارعي الطبل والأنانية الشخصيّٓة ؛ لضاعت مصلحة الشعب، ولازدادت الترامبيَّة الشرسة سعارًا ولعلى صوت نباحها. نرفع القبعة للديمقراطية الأمريكية التي حمت شعبها.
لا أريد أن أقحم نفسي في تحليل الخلاف القائم بين ترامب ووزير عدله، لأنه ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير أيضًا فهذا أضحى ممارسة يوميَّة لترامب مع آحاد مسؤوليه ! لكن ما يدعو للضحك ويجلب السخرية هو إقالة ترامب لأنطوني سكاراموتشي، مدير الاتصالات في البيت الأبيض بعيّد أيام من تعيينه !! وثبت يقينًا صحة ما اعتنقناه من تحليل على مدار سلسلة المقالات السابقة ببدء العد التنازلي للترامبيّة الأمريكيَّة.
في نظري أن الكونجرس لم يكشّر بعد عن أنيابه ؛ بل اِكتفى لحينه برفع الكارت الأصفر ! علّه يعود لجادّة صوابه ! علّه يرتدع !
وعلى ما يبدو أن الدائرة ستدور على الترامبيّة الأمريكيَّة قريبًا، ولن يجد له من الحلفاء وليَّا ولا نصيرًا. قريبًا سيشرب الأمريكيين نخب عزل ترامب، وسيثبت الشعب الأمريكي أنه لن يسمح لأحد أن يمس حقوقه ومكتسباته.
يُتبع...