أزمة الأمة العربية والإسلامية المعاصرة
الأربعاء، 02 أغسطس 2017 08:30 ص
منذ أكثر من سنة، كتبت مقالا أناقش فيه أهم جوانب أزمة الأمة العربية والإسلامية، قلت فى هذا المقال: إن العالم المتقدم تقنيا، يتجنب تلك الأزمة اليوم، أى أنه ( يفكر) وهو ليس بمسلم، ونحن للأسف الشديد لا نفعله، لا نعرف كيف نفكر، وإن فعلناه كان اسما وشكلا، أو أن من يعمل فى هذا المجال ليس أهلا له، وطبعا لا يكون أهلا للتفكر فى خلق السماوات والأرض، مهما حمل من شهادات أو كان على بطاقته من ألقاب أو علّق على صدره من نياشين وأوسمة، أو حصد من جوائز الدولة.
قس على ذلك كثيرا من أوجه العلاج التى تتخذ للخروج من المأزق الذى يشعر به الحاكم والمحكوم فى الأمة، إذ أن الصراع الصريح والمستتر بينهما، يصرف كل الجهد أو معظمه للحفاظ على المواقع دون تغيير، حتى يأتى ملك الموت.
لقد كان هذا التفكر فى خلق السماوات والأرض أحد أسباب التفوق الغربى عموما، والتميز والتقدم السوفياتى سابقا ثم الأمريكى على وجه الخصوص. كان التميز السوفياتى عندما أرسلوا الكلبة «لايكا» إلى الفضاء فى الخمسينيات من القرن العشرين، وكثير منا ومن أهل العلم منكرون، إذ وقف الخيال والعلم لدى البشر فى العالم الثالث عن استيعاب ذلك، رغم القراءة المتكررة للآية الكريمة «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»، فمن يعرف اليوم عدد السنين والحساب حسب ما جاء فى القرآن الكريم؟ ربما كانت كل الأمم غير العربية والإسلامية هى التى تعرف عدد السنين والحساب قبل الأمة، بل وأحسن منها.
أنظر إلى هذا الأمر وإلى قضايا الأمة وأزماتها، فأرى قضايا كثيرة متشابكة معقدة، أخطرها قضية فلسطين، التى هانت فى أعين الحكام والشعوب، فلا يقدم كثير من الحكام وبعض الشعوب لمجاهديها ولا للقضية ما تستحق حتى من الدعاء، ويقف فيها أهل فلسطين رجالا ونساء وأطفالا موقف الجهاد الحقيقى، دفاعا عن أرضهم وبلادهم وكرامتهم، بل وكرامة الأمة أمام هذا الاستيطان الصهيونى الغاشم. إذ أن كثرة القضايا المعقدة يشكل أزمة لضعف القدرة على حملها.
«الأزمة الكبيرة فى الأمة، تتمثل فى نقص التفكير الصحيح وأدواته ومؤسساته، كما ذكرنا من قبل، مما يتسبب فى كثير من أوجه العجز القائم لدى الأمة، ويبرز فى معالجة قضاياها»، فتقوم الأزمات التى تترتب على بعضها، وتكثر القضايا التى تحتاج إلى حل، وتحدق بالأمة الأخطار، فى حين يكون التحرك الفكرى- رغم كثرة الوفود والندوات والمؤتمرات واللقاءات- ضعيفا وروتينيا.
قامت مشكلة القاعدة فى الثمانينيات، ثم طالبان فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، واستمرت حتى أسفرت عن عاصفة شديدة هاجت فى بدايتها الأمة ثم سكنت، كما فعلت من قبل فى فلسطين والبوسنة وغيرهما، وتجرعت الأمة هزيمة مريرة، لا تنسب إلى طالبان وحدها، ولا إلى القاعدة وحدها، ولا تقتصر على أفغانستان فحسب، بل تمتد إلى كل بيت فى الأمة، وإلى كل حضارة فى الدول المتخلفة غير حضارة الغرب والأمريكان المختلفة على وجه الخصوص.
كنت أنظر على مدى سنوات عديدة إلى قضية أفغانستان، لعلها تكون منطلقا جديدا للأمة، ومرتكزا لها فى بناء مستقبل أفضل، وكانت كل الظروف مهيأة لذلك، ولكن سوء فهم القضية وعلاجها حدا بالآخرين -وخصوصا الأمريكان- للاستفادة من دماء الأفغان والمجاهدين عموما، إذ خرج الأمريكان من هذه الحرب، وقد أعدوا العدة لقيادة العالم. لقد شارك العرب والمسلمون مشاركة ملموسة فى هدم النظام العالمى القديم، ولكنهم كانوا أعجز عن بناء أى نظام محلى أو إقليمى، فضلا عن النظام العالمى الجديد، وهم مكلفون بإقامته على العدل والإحسان، لتكريم كل بنى آدم ورفع الظلم عنهم.
«كان تفكير كثير من المجاهدين والمحسنين فى أفغانستان، أن الدبابة قبل المدرسة، وأن المدفع قبل المستشفى، وأن الصاروخ قبل مركز الأبحاث والدراسات، فأحسنوا القتل والتضحية، وتخلفوا فى جنى الثمار، حتى سبقهم إليها غيرهم من أهل الرصد والفهم».
وهناك من لا يزال يفكر بالمنطق نفسه نحو قضايا الأمة والأزمات الحالية التى تعيشها الأمة، إذ يفسر الحرب القائمة ضد ما يسمى بالإرهاب، بالحرب ضد الإسلام والمسلمين، وكأنى بأولئك النفر يستعجلون بتلك النظرة حربا لا ضرورة لها بين الإسلام والغرب ولا موقع لها من ذلك، وقد يطلق عليها حرب المصلحة والسيادة الأمريكية، رغم أنها ضد بلاد المسلمين.
لقد حاربت أمريكا اليابان ودمرتها فى الحرب العالمية الثانية، واستخدمت ضدها أسلحة لم تستخدم حتى اليوم فى غير اليابان. واليابان ليست دولة مسلمة، ولم يكن فيها طالبان، ولم تكن فيها معسكرات للقاعدة ولا للجماعات الإسلامية، ولا لجماعات الجهاد ولا لغيرها من الجماعات والحركات الإسلامية العنيفة، ولا حتى داعش اليوم، الصراع للتقدم والريادة.
وحاربت أمريكا ألمانيا النازية وشاركت فى تقسيمها بل واحتلالها وإذلال الألمان لمدة نصف قرن من الزمان تقريبا لصالح الهيمنة الأمريكية والمصالح الأمريكية الواسعة، التى تمتد بامتداد العالم ولصالح الرفاهية الأمريكية، التى يتوقعها كل مواطن أمريكى، ويقف من وراء قيادته لتحقيق تلك الرفاهية. غير أن أمريكا قبل أن تفعل ذلك، فكرت جيدا للوصول إلى هذه المكانة، وأنشأت المؤسسات والنظم اللازمة لذلك، ونجحت ولكنها أخطأت الوسائل وداست على القيم والمبادئ.. فهل يمكن تصحيح هذا الوضع؟.
إن بناء المستقبل ليس حكراً على أحد، والفهم أهم وسائل ذلك، والعمل يتممه، وسبحان الله القائل «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ». وهذا هو الفرق بين الحضارتين الإسلامية وغير الإسلامية، والعمل بوسائله بين المنهجين الإسلامى وغير الإسلامى.
ستغرق الأمة فى تعريف الأزمة، وتعريف القضية، وبعضنا يخلط بين الاثنين خلطا شديدا وهذا متوقع. هناك قضايا قديمة منها، فلسطين، وهناك قضايا جديدة منها سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال، ومن قبلها قضية أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان. أرى أن الأزمات أكبر من القضايا ولها شق مادى ولها شق قيمى أو أخلاقى أو معنوى، وتحتاج إلى علاج فى ضوء أولويات واضحة. ومن الأزمات - على سبيل المثال لا الحصر- نقص التفكير الصحيح، ونقص مؤسساته، وتحميل الأمة أكثر مما تطيق فتعجز أو تبدو عاجزة أمام تلك القضايا المطلوب لها حلول ناجحة. ومن الأزمات اليوم، الإرهاب فى الأمة خصوصا وكيفيه علاجه للقضاء عليه أو محاصرته بدلا من أن يحاصرنا، ومن الأزمات التخلف، ونقص الفاعلية فى المجتمع ومن الأزمات التعصب المذهبى أو الطائفى، ومن الأزمات كثرة الاستيراد والاعتماد على الغرب، حتى استوردنا الديمقراطية واعتمدناها فى حياتنا، بدلا من الشورى. ومن الأزمات، السلوك الذى لا يتفق مع الإسلام وقيم الإسلام ولا الأسوة الحسنة التى تتمثل فى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه. ومن الأزمات إهمال الحوار ووسائله الصحيحة، ومن الأزمات القبول بالقواعد الأمريكية فى بلادنا ناهيك عن الاستعانة بهم ضد بعضنا البعض وقبول الهيمنة ( وهى التى يسميها مالك بن نبى رحمه الله تعالى بالقابلية للاستعمار)، ومن الأزمات السعى من جانب بعضنا للتغيير ولو إلى الأسوأ، ومن الأزمات إهدار ثروات الأمة، وضعف الاستفادة منها فى التقدم. ومن الأزمات تولى بعض الجهلة القيادة فى الأمة، وقس على ذلك. ومع كل هذا علينا السعى للخروج من كل تلك الأزمات وأن نعالج تلك القضايا، فهذا قدرنا.
واليوم وبعد سنة من هذا المقال أو بعد عدة سنوات على ثورتى يناير ويونيو، أو بعد عدة عقود، على خروج الاستعمار من بلادنا، والعالم العربى والإسلامى – إلا قليلا – لايزال يغط فى ثبات عميق. الدنيا فى معظمها تتغير ليلا أو نهارا، ولانزال نحن حكاما وشعوبا نحارب فى أمراض عديدة أخطرها الثلاثى الرهيب: الإرهاب والفساد والتخلف، ولاتزال دول كثيرة فى الأمة تسعى إلى التقرب من أمريكا على حساب شعوبها وثرواتها وتقدمها واستقلالها. ولولا هذا ما نجح ترامب فى صفقة المليارات فى السعودية.. والله المستعان.