توصية الرئيس وعودة العصر الذهبى للسينما المصرية
الخميس، 27 يوليو 2017 12:02 م
من الجوانب الإيجابية الكثيرة التى لفتت نظرى فى حوار الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الشباب خلال المؤتمر الوطنى للشباب بالإسكندرية توصية الرئيس بتقديم أعمال فنية تدعم ثقافة الولاء والانتماء لدى الشباب، وتقدم لهم القدوة والنموذج والمثل فى العطاء، بعد أن طرح المخرج الشاب أحمد الإكيابي، مقترحا لتطوير السينما المصرية، بعنوان "السينما الوطنية".
كلام الرئيس يجعلنى أطالب بتفعيل دور الدولة فى الأخذ بيد الفنون جميعها مرة أخرى، وفى مقدمتها السينما، التى شهدت مجدها وعصرها الذهبى فى ظل رعاية الدولة، وبدأت شمسها تغرب بعد أن تركتها فى رعاية تجار الخيش والباحثين عن الكسب السريع وغسيل الأموال.
ويمكن القول إن نشأة السينما المصرية كانت وطنية مائة فى المائة، وإن الاهتمام بهذه الصناعة كان-جزءا من الحراك السياسى والاجتماعى والاقتصادى الذى أعقب ثورة 1919، عندما أنشأ طلعت حرب " ستوديو مصر" وكان باكورة إنتاجه فيلم"وداد" 1936.
وبعد الثورة بدأ اهتمام الدولة بالسينما بدأ يأخذ شكلا جديا وملموسا بعد إنشاء «مصلحة الفنون» عام 1955 وأدركت الدولة أهمية السينما كأداة توجيه للرأى العام بعد نجاح السينما التسجيلية فى تغطية أحداث العدوان الثلاثى 1956وتأكيد تكاتف الجيش والشعب فى الصمود والمقاومة، وأوضحت للرأى العام العالمى وحشية المعتدين، ثم أنشأت الدولة «المؤسسة المصرية العامة للسينما»،عام 1958 وجعلت هدفها رفع المستوى الفنى والمهنى للسينما.و تشجيع عرض الأفلام العربية داخل وخارج البلاد و إقراض المشتغلين بالإنتاج السينمائى الهادف و بشؤون المشتغلين بصناعة السينماومنح جوائز للإنتاج السينمائى والمشتغلين به و إيفاد بعثات طويلة وقصيرة الأجل لدراسة فنون السينما،و الاشتراك فى مؤتمرات ومهرجانات السينما العالمية، إيفاد مبعوثين رسميين لدراسة أسواق الفيلم العربي، إقامة أسابيع للأفلام المصرية فى الخارج،إقامة أسابيع للأفلام الأجنبية فى مصر.
وقد بدأت المؤسسة عملها بدعم إنتاج فيلم الناصر صلاح الدين الذى أنتجته شركة «لوتس فيلم» التى كانت تملكها المنتجة آسيا بمبلغ 72 ألف جنيه ، كما مولت المؤسسة عددا من الأفلام التى ينظر إليها الآن بوصفها من كلاسيكيات السينما المصرية، ووصلت الواقعية فى الفيلم المصرى إلى ذروة نضجها، والأمثلة على ذلك كثيرة. هناك (القاهرة 30) لصلاح أبو سيف 1966 عن رواية لنجيب محفوظ تعبر عن مأساة الصعود فى المجتمع الطبقى،وهناك (القضية 68) لأبو سيف أيضا عام 1968 عن مسرحية للطفى الخولى تدعو إلى إعادة بناء الدولة والمجتمع بعد هزيمة 67، و (الأرض) ليوسف شاهين 1970 عن رواية لعبد الرحمن الشرقاوى تتناول الصراع الاجتماعى والسياسى فى مصر فى الثلاثينيات،و (الحرام) لهنرى بركات 1965 عن رواية ليوسف إدريس تعبر عن حياة عمال التراحيل فى الريف، و (سيد درويش) لأحمد بدرخان 1966 و(ثورة اليمن) لعاطف سالم 1966 والجزآن الأول والثانى من ثلاثية نجيب محفوظ: (بين القصرين) 1964 و(قصر الشوق) 1967 لحسن الإمام. وقد أتاح القطاع العام لكمال الشيخ أن يبدأ مرحلة جديدة فى حياته الفنية بإخراج (الرجل الذى فقد ظله) 1968 عن رواية فتحى غانم.
كما أنتج القطاع العام أحد أفضل أفلام المخرج حلمى حليم (حكاية من بلدنا) 1969 ومجموعة أفلام فطين عبد الوهاب وهى (الزوجة 13) 1963 و(مراتى مدير عام) 1966 و(أرض النفاق) 1968. وأنتج القطاع العام أهم ثلاثة أفلام لتوفيق صالح: (المتمردون) 1967 عن رواية للكاتب الصحفى صلاح حافظ و(يوميات نائب فى الأرياف) 1968عن رواية لتوفيق الحكيم و(السيد البلطى) 1969 عن رواية لصالح مرسى، وفى هذه الأفلام عبر توفيق صالح عن قضايا التمرد والثورة، والقانون والعدل، وصراع القديم والجديد.
كما أنتج (جفت الأمطار) لسيد عيسى 1966 عن رواية لعبد الله الطوخى، وهى تجربة فنية جديدة تتناول ارتباط الفلاح المصرى بأرضه. وشهدت هذه الفترة لأول مرة أفلاما يصل انتقادها لثورة يوليو إلى حد الهجوم أحيانا مثل (ميرامار) لكمال الشيخ و(شىء من الخوف) لحسين كمال، ومع ذلك لم تصادر هذه الأفلام ولم تمنع من العرض.
كما فتحت المؤسسة المجال أمام عدد من المخرجين الجدد المثقفين ليقدموا من خلالها تجاربهم الأولى مثل حسين كمال («المستحيل» - 1965 عن رواية لمصطفى محمود، و«البوسطجى» - 1968 عن رواية ليحيى حقى، و«شىء من الخوف» - 1969 عن رواية لثروت أباظة)، وخليل شوقى (الجبل) عن رواية لفتحى غانم مستوحاة من تجربة المهندس حسن فتحى فى قرية «القرنة» فى صعيد مصر، وفاروق عجرمة (العنب المر) ونور الدمرداش ( ثمن الحرية) وجلال الشرقاوى (أرملة وثلاث بنات) وعبد الرحمن الخميسى (الجزاء).، إضافة إلى أفلام فنية أخرى مثل «مومياء» شادى عبد السلام (1969) الذى يعبر عن بحث الإنسان المصرى عن هويته فى القرن التاسع عشر، والذى حقق نجاحا عالميا لم يسبق له مثيل بالنسبة لأى فيلم مصرى حتى الآن.
و هكذا تأتى توصية الرئيس السيسى لتعيد الريادة إلى السينما المصرية من خلال رعاية الدولة لها ، ولابد أن تكون هناك خطة تقدم من خلالها الدولة مصدراً جديداً للدخل القومي وتنتج أفلاماً تستطيع توثيق تاريخ وبطولات شعبنا وضرب المثل المشرف للشباب، وما أغنى تاريخنا بالبطولة والبطولات، وما أثرى حياتنا بالنماذج المشرفة والناجحة ومنهم الشاب ياسين الزغبى الذى كرمه الرئيس فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية، وحتى تستعيد السينما المصرية بريقها لابد أن نبعد عنها المنتفعين والمصلحجية، ويتولى أمرها من يؤمن حقيقة بأهمية دورها، وضرورة استعادة عصر السينما المصرية الذهبى، ويعلم أن السينما ليست للترفيه أو التسلية فقط، وإنما لتوجيه الرأى العام نحو البناء والتنمية ، وتوعية المواطنين وفى مقدمتهم الشباب بقضايا وطنهم وتأكيد مشاركتهم الفاعلة فى كل ما يتعلق بالوطن، سينما تعلى روح الولاء والانتماء، سينما ترتقى بالذوق العام، ولا تهدم قيم المجتمع.