تفتيت الدولة.. والعلاج النفسي للمعارضين
الأربعاء، 26 يوليو 2017 01:30 م
«سياستنا هي تثبيت دعائم الدولة ومعالجة جميع الأسباب التي تؤدي إلى إسقاطها، من خلال الدخول في أركانها تحت دعوى الإصلاح».. كلمات تضمنها حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال جلسة «صناعة الدولة الفاشلة وآليات المواجهة»، بمؤتمر الشباب الرابع بالأسكندرية.
«فوبيا إسقاط الدولة».. بات السؤال الأكثر جدلًا على الساحة «هل حقًا هناك محاولات لإسقاط الدولة المصرية»، الإجابة «نعم»، غير أن الكثير من معارضي النظام الحاكم ينكرون ذلك ويرون أنها مجرد فزاعة لكسب شعبية من قوى الشعب المختلفة.
الإجابة لديهم «لا»، لكن هناك سؤال أود له إجابة: هل طبع الله على قلوبكم؟، أم أنكم بحاجة إلى جلسات تأهيل علاجية من ضعف وطنيتكم التي تتشدقون بها، وترون أن مجرد «حللة» أجهزة الدولة، هو الطريق للإصلاح الجذري.
أيها الرافضون للاعتراف بما ترونه بأم أعينكم عيانًا جهارًا، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، فمنذ بداية الألفية الثالثة، كثر الحديث عن «شرق أوسط جديد» تعيد تشكيله ورسمه الولايات الأمريكية والقوى العالمية الكبرى والتي اعتمدت لتفعيله حزمة من السياسات، تراوحت بين المواجهة المباشرة واستخدام أطراف بعينها في سلسلة حروب بالوكالة، لاستنزاف دول المنطقة وإعادة تقسيمها وتفتيت جيوشها، وما صنفته مراكز الأبحاث المهتمة بالشرق «الفوضى الخلاقة».
الاستراتيجية الأمريكية والتي كشفت عنها كوندليزا رايس، وزير الخارجية الولايات المتحدة السابقة في 2005، تدور حول، كيفية انتقال الدول العربية والإسلامية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، معلنة أنّ الولايات المتحدة ستلجأ إلى نشر الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط، في سبيل إشاعة الديمقراطية.
(1)
المخطط بدأ في عام 2011، بداية مع ثورات الربيع العربي. حقق نجاحًا لاسيما في ليبيا والعراق واليمن، لكنه واجه مقاومة عنيفة في سوريا، وتصدى له الجيش المصري، فمنع محاولات إحداث فراغ استراتيجي داخل الدولة.
كانت هناك محاولات مضنية لمحو هوية المجتمع بأكمله، في الفترة بعد ثورة 25 يناير 2011، والتي انحاز فيها الجيش إلى قوى الشعب العاملة، للحفاظ على مكتسبات ثورتهم، من اختطافها من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية وحركة 6 أبريل وغيرها من الشخصيات، التي ارتدت «حلة» الوطنية، وصعدوا إلى خشبة المسرح في قلب الميدان يتحدثون عن تفريغ أركان الدولة بحجة التطهير.
الأمر تزامن مع أحداث عنف، تستهدف هيئات حكومية، على رأسها مجلس الوزراء، والتي عرفت إعلاميًا «أحداث مجلس الوزراء»، قالت المحكمة في حكمها الصادر في الأيام الماضية في وصف من ثبتت إدانتهم «امتدت أيديهم النجسة، وأقدمت على فعلة شنعاء، تمثلت في إحراق تاريخ بلدهم، ذلك التاريخ الذي حفظته أيدٍ أمينة على مدار مئات السنين، وحتى فترة المستعمر بالبلاد لم يجرؤ على الاقتراب من تاريخ مصر».
الفراغ الاستراتيجي داخل مصر كان مدروسًا، بدأ باستهداف المنشئات والأجهزة الإدارية واستهداف المقرات السيادية لأجهزة الأمن، وذلك لأنها كانت تحمل في أروقتها أوراق تثبت كافة المحاولات الدنيئة لتفتيت الوطن، استمرت تلك المحاولات واتخذت طور النمو، بدأت في الفترة التي تلت ثورة يناير، خاصة في الفترة التي تولى فيها المجلس العسكري مقاليد الإدارة، لحين تسليم البلاد لسلطة منتخبة.
(2)
إحداث الفراغ الاستراتيجي، كان يتطلب جر مصر إلى صراعات عسكرية في المنطقة، وهو ما كان يدعمه الرئيس المعزول محمد مرسي، رئيس جماعة الإخوان الإرهابية، والذي أعلن الانحياز التام للجماعات والميليشيات الإرهابية التي سرقت مقدرات الثورة السورية، غير أن الجيش تصدى لذلك وكان يعلن دائمًا أن موقف الحياد التام من أي أزمة في المنطقة السمة الرسمية للتعامل المصري مع الأزمات.
فشلت محاولات جر الدولة المصرية لصراع مسلح في سوريا، كان سينتهي بإضعاف أقوى الجيوش في المنطقة، أظن أن هذا سبب كافي لتدميره، من وجهة نظر المتربصين بالدولة، غير أنه أحبط مخطط «حللة» الدولة وتفريغها من كافة مؤسساتها.
كذلك كانت هناك محاولات لجر الجيش لتدخل عسكري في ليبيا في الفترة من 2011 حتى 2015، لكن المؤسسة العسكرية فطنت إلى تلك المخططات واكتفت بالموقف الدفاعي والسيطرة على الحدود الغربية للبلاد، وبدأت أولى ضرباتها العسكرية بعد حادثة ذبح 21 مصري مسيحي، وعاودت الضربات خلال العام الجاري.
اكتفت المؤسسة العسكرية بضربات جوية فقط، فأي تدخل بري غير مضمون في ظل المحاولات المستميتة لجر البلاد إلى حرب عسكرية.
(3)
صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، سبق وكشفت عن وجود مخطط يقضي بتفتيت الدول العربية قبل عام 2015، وأن مخطط تقسيم الشرق الأوسط قائم وسارٍ، وإن تغيرت خططه وأدواته على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي وسواء كان يتم بتدخل أمريكي عسكري مباشر أو بحروب الوكالة أو بتأجيج صراعات وإدارتها عن بعد حيث تكشف دراسة خطيرة مخطط أمريكيا لتقسيم الدول العربية والتي سربت من أوراق البنتاجون.
وشملت الدراسة المسربة عددًا من المقترحات، والسيناريوهات المفترض تطبيقها على مراحل، لتحقيق الهدف، والخطط الأمريكية فيها تقضي بتقسيم خمس دول عربية إلى ( 14 ) دويلة منها تقسيم سوريا إلى ثلاث دول على خلفية الصراع المذهبي والديني، واحدة للطائفة العلوية، ودولة للأكراد، وانضمام سنة سوريا إلى المحافظات السنية في العراق، لتشكيل دولة «سنستان»، أما مصر يتطلب العمل على تفتيت الجيش المصري بافتعال إدخاله في مواجهات مع شعبه والهدف تفتيته وإضعافه، وفي العراق استغلال النعرات الطائفية التي غذاها الغزو الأمريكي.
(4)
تبقى مصر كما قال عنها الحجاج بن يوسف الثقفي في وصيته لطارق بن عمرو، صخرة في جبل كبرياء الله تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله.