علاقات دمشق مع طهران ليست «عمياء».. وضغوط لفك الارتباط معها
الأربعاء، 26 يوليو 2017 01:20 م
صراع روسي إيراني، بدأت تتضح معالمُه، هكذا ذكرت صحيفة «واشنطن تايمز»، وتأكيدها أن طهران تسعى للسيطرة في سوريا لتؤمن لها ممراً عسكريا إلى «حزب الله اللبناني»، مع رفض روسي أي هيمنة إيرانية على سوريا على غرار ما جرى ويجري في العراق.
الصراع قديم برغم مرور سنوات عديدة على العلاقات السورية الإيرانية الأشد دفئا، ولم تتعرض تلك العلاقات على مدى تاريخها لأية تجازبات بين الجانبين سواء على المستويين السياسي أو الإعلامي، بل ظلت تتوغل في صمت حتى في ظل اشتداد الأوضاع الإقليمية في المنطقة والمتزامنة مع الحرب العراقية الإيرانية، والتي استمرت ثماني سنوات في أعقاب الثورة الإيرانية بقيادة «أية الله الخوميني»، وسعيه لتصدير فكرة الثورة إلى المنطقة العربية، ودول الخليج العربي.
فيما يرى المراقبون أن استدعاء الرئيس بشار الأسد، في مرحلة صعبة ودقيقة للغاية من مراحل الصراع الإقليمي والدولي على سوريا، جاء تخوفا من استيلاء القوى المتطرفة والإرهابية من مختلف العناصر المسلحة، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، وما ينضوي تحتها من فيالق إرهابية، وتنظيم «داعش»، الذي توغل على نحو غير مسبوق داخل الأراضي السورية وتمكنه من الاستيلاء على مدينة «تدمر» التي تبعد عن العاصمة دمشق قرابة 150 كم «لمرتين»، في ظل عدم قدرة القوات الحكومية، التي أنهكت على مدار الأزمة السورية من فرض سيطرتها على تلك المناطق، الأمر الذي أدى استدعاء دمشق للتدخل العسكري الروسي بشكل رسمي، وتحت مظلة حكومية لمواجهه المد الإرهابي من مختلف العناصر المسلحة، علاوة على أن وجود الروس في سوريا جاء كبديل مستقبلي للوجود العسكري الإيراني وميليشيات «حزب الله»، التي تمارس سيطرتها على المناطق الواقعة تحت ولاياتها دون تنسيق مع القوات الحكومية السورية، الأمر الذي أحدث الكثير من المشاكل لغياب التنسيق بينهما.
ويبدو أن التخوف السوري من توغل الجانب الإيراني في الداخل، والتأثير على القرار، بات واقعا حقيقيًا في سواء في الشارع السوري، أو لدى العديد من الدوائر السياسية متخذين من العراق الجناح الثاني لـ«حزب البعث»، نموزجا لحجم وسيطرة طهران على دولة العراق في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، ومحاولتها ابتلاع العراق عبر إحداث «الفتنة»، وهو الأمر الذي استدعى قلق دمشق ومدى مخاطرة على مستقبل الدولة السورية، في محاولة للتخفيف من وطأة النظام الإيراني، وفك الارتباط بها حرصا على كيان الدولة السورية.
وبرغم الاختلاف الأيدولوجي بين طهران «الدولة الدينية»، وسوريا «الدولة العلمانية»، ظلت سوريا حافظ الأسد محافظة على علاقاتها مع طهران، ومع استمرار دمشق في خلافاتها مع العراق على مدار الأزمة العراقية الإيرانية، ضاربة بحزب البعث العراقي عرض الحائط بوصفه الجناح الثاني لـ«حزب البعث السوري»، في محاولة لإقصاء صدام حسين عن الحكم، وبالرغم من العلاقات الدافئة بين دمشق وطهران، إلا أن الرئيس حافظ الأسد لم يقم بزيارة طهران خلال فترة حكمة، وبعث بوزير خارجيته آنذاك «عبد الحليم خدام» في أغسطس 1979 بزيارة طهران تلبية لدعوة من نظيرة الإيراني «إبراهيم يزدي»، علمان بأن حافظ الأسد سبق ووجّه دعوة للخميني للإقامة في سوريا بعد مغادرتة العراق، إلا أن الأخير فضّل الذهاب إلى فرنسا، وظلت العلاقات بين البلدين تحكمها المصالح المشتركة في المنطقة.
ومع تطور العلاقات السورية الإيرانية، وتحولها إلى تحالف «إيران الخميني» مع «سوريا الأسد»، واستمرارها برغم المتغيرات الإقليمية والدولية، فقد لعبت إيران وبشكل جيد على جملة التناقضات في «سوريا والعراق واليمن»، الأمر الذي أصبح فيه القرار العراقي مرهونا إيرانيا، كما القرار اللبناني أصبح أيضا مرهونا بحزب الله، ويسير في ذات الاتجاه في سوريا، خاصة بعد إدراج طهران ضمن قائمة دول «محور الشر» عام 2002 إبان حكم الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن، الذي ضم العراق وكوريا الشمالية، ليستمر تحالف إيران مع الرئيس بشار الأسد الذي حكم بعد وفاة والده عام 2000، ذلك وفقا لجملة من العلاقات بين البلدين الحاكم فيها مجموعة من الدوافع لدى كل منهما يسعى لتحقيقها من وراء ذلك التحالف والمستمر حتى اليوم، وربما أصبح أكثر عمقا وتغلغلا في الشأن السوري.
ولعل من دوافع طهران في ترسيخ علاقاتها مع دمشق، جرى فق مبدأ «التقية» بسعيها في أن يكون لها موضع قدم، ومنطقة عبور لتأسيس ذراع جديدة لها في المنطقة متمثلا في «حزب الله اللبناني»، وبما يؤمن لطهران «دعم المنهج الفكري –الخميني» عبر تمويله بـ«السلاح والمال»، عبر الأراضي السورية، ومنصة للانطلاق في توسيع نفوذها في المنطقة العربية تحت مسميات كثيرة ترددت خلال تلك الفترة الماضية، كان أخرها إنشاء ما يسمى بـ«الهلال الشيعي»، عبر دمشق التي أتاحت لطهران الطريق ممهدا للوصول إلى لبنان.
وبالرغم من أن المشروع الإيراني في المنطقة العربية، مشروعا «فارسيا»، وليس «شيعيا»، إلا أنها تسعى وبكل السبل لموضع قدم لها بالمنطقة، وهو ما تمثل للعيان في المشهد الذي سيظل محفورا في الذاكرة اللبنانية والعربية، بزيارة أول رئيس إيراني «أحمدي نجاد» إلى بيروت في مشهد احتفالي إيراني خالص عكس حجم سيطرة «حزب الله»، على الدولة اللبنانية ومقدراتها، وهو ذاته المشهد الذي سعت إلية طهران إبان حكم «جماعة الإخوان الإرهابية» بالترحيب بزيارة «أحمدي نجاد» إلى القاهرة، ووصوله إلى جامع الأزهر، وإعلانه من المسجد بـ«إشارة النصر» بتمكنه من الوصول إلى قلب «الدولة الفاطمية»، وهو الأمر الذي رفضه الشعب المصري جملة وتفصيلا ممثلا في الأزهر الشريف.
والمؤكد أن التحالف السوري الإيراني، جاء في ظل أوضاع عربية غاية في التدهور، والانقسام في مواقفها ساهمت في تخريب إمارة قطر باستغلالها الدعم المادي في تخريب العديد من القضايا الملحة، بل والمتاجرة بالقضية المركزية للعرب ممثلة في القضية الفلسطينية.
وأرادت طهران في إطار المزايدة على الموقف العربي والإسلامي، اتخاذها الصراع العربي الإسرائيلي منصة جديدة، بإعلانها عن افتتاح «سفارة فلسطينية»، في طهران بديلا للسفارة الإسرائيلية، كمقدمة للدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني، وظل الموقف الإيراني، وبعد مرور أكثر 30 عاما على حاله، حققت خلالها ما قاله «الخوميني» بطريقة مختلفة تماما لتمتد أذرعها في المنطقة العربية، وفلسطين لم تتحرر بعد حتى اليوم، وتبين أن «حماس»، إحدى الأذرع الإيرانية، هي أكثر ما يعمق الأزمة الفلسطينية، ويجعلها عصية علي الحل، ليبدأ دورها في تفتيت القضية الفلسطينية، باحتوائها عددا من الفصائل الفلسطينية منها حركة الجهاد الإسلامي ورعايتها وتمويلها ماديا ولوجستيا، وتبنى تلك الفصائل في المقابل مواقف طهران المناهضة سواء «لعملية السلام في الشرق»، أو لمسألة «المصالحة الفلسطينية» والمتعثرة إلى يومنا هذا.
وبالرغم من أن البعض يرى أن البعد الديني المذهبي، بمثابة الرابطة المذهبية في فهم تحالف إيران وسوريا، وهو أمر مبالغ فيه ومخالف للحقيقة، رغم وجوده باعتباره أحد حوافز التقارب بين الجانبين، وأن تلك الرابطة المذهبية برغم أن الطائفة العلوية جزء من الشيعة، إلا أن توظيف الأسد لهذا التحالف جاء للحفاظ على النظام، برغم التمدد الشيعي الحاصل في العديد من المناطق «السنية»، سواء في دمشق أو الرقة أوالحسكة بإنشاء «الحسينيات»، التي كانت تتعرض للحرق دوما من قبل المواطنين من خلال عمليات التشييع التي استمرت قرابة 15 عاما متصلة، صرفت خلالها الملايين من الدولارات في تسعينيات القرن الماضي عبر السفارة الإيرانية في دمشق.
ويبدو أن دمشق كانت تعي جيدا أبعاد علاقاتها مع طهران، وهو ما أكده نائب الرئيس السوري فاروق الشرع خلال تصريحات صحفيه له، بأن علاقات دمشق مع طهران ليست «عمياء»، في إشارة إلى أن دمشق تعي جيدا وتدرك أبعاد التحرك الإيراني سواء في الداخل السوري أو في المنطقة العربية، وكما يبدو أن التمدد الإيراني في لبنان لم يكن خطأ في التقدير السياسي، وإنما كان «تعاميا متعمدا»عن حقيقة الواقع.
والمؤكد أن الخطر المحدق بسوريا في المرحلة الراهنة يتمثل في أنها أصبحت ساحة تتقاسم فيها إيران وميليشيات حزب الله النفوذ، والسلطة مع النظام السوري، كما أنها طوال علاقاتها مع دمشق، وعبر «التقية السياسية» تسعى للتخطيط لوضع «أسس وقواعد لنفوذها مثلما فعلت في لبنان»، وهو ما يمثل الوجه الحقيقي للسياسة الإيرانية الراهنة في المنطقة العربية.
ويرى المراقبون أنه مع تعقد الوضع الإيراني في سوريا، والذي أصبح يشكل عبئا على النظام للتخلص منه، وهو أمر يكاد يشكل صعوبة بالغة في المرحلة الراهنة في ظل ما يتردد عن ضغوط روسية للتخلي عن إيران وحزب الله.