جدول شيتات
الخميس، 13 يوليو 2017 05:37 م
كطالبة في كلية الصيدلة في عامي الأول الإعدادي، اجتماعية منفتحة.. بالطبع انجذبت وباقي أصدقائي لاتحاد الطلاب.. الحماس والرغبة في التغيير كعادة أي شباب صغير..
كان التنظيم لحفلة التخرج، من ضمن مهام الاتحاد ومن يعاونه من الطلبة.. كانت حفلة مبهجة أحياها الفنان محمد محيى.. أما الأمن المركزي فعُهِد إليه مسئولية التأمين..
تزاحم الجميع (من يملك تذكرة للحفل مع من لا يملك) أمام بوابة المجمع الطبي الذي يحوي كليات الصيدلة والطب وطب الأسنان والعلوم، الذي بداخله تم الإعداد لحفل الخريجين السنوي.. أدى التزاحم لأن يفضه الأمن المركزي بالقوة.. ضرب بالعصا هنا وهناك.. تصادف وجود بعض أهالي الطلبة الخرجيين.. ضُرب الأهالي مع المتجمهرين..
ساد المشهد حالة من الهرج والمرج خارج أبواب الحفل.. أدت لاستياء شديد بين صفوف كل الطلبة وبالأخص اتحاد الطلاب.. مرت الحفلة ذاتها بسلام، لكن إصابة بعض الأهالي كبار السن لم تدع المشهد كله يمر بنفس ذات السلام..
في اليوم الثاني تجمهر اتحاد الطلاب مقررين الاعتصام داخل رواق كلية الصيدلة كلينيكال..
«هنعتصم هنا لحد ما نجيب حق الأهالي اللي انضربت».. كان هذا قرار اتحاد الطلاب.. وكنت بالطبع أوافقهم وأراهم «قادة».. وفجأة نزل لنا «جدول شيتات» ولم يكن أبدا ميعاده..
ذكرت تحديدا «كلينيكال» لأن تلك الكلية كانت شديدة الصعوبة في موادها وكثافة امتحاناتها المستمرة طول العام سواءا العملي أو النظري.. فيما يعرف بالـ «شيتات» أو «شيتس» بصحيح لغتها الإنجليزية..
كان الجدول شديد الصعوبة.. تتلاحق أيامه دون أي مراعاة لمن سيستذكر كل هذا الكم من المواد.. تساءل من في الاعتصام عنه.. وبالطبع دار الحوار وامتص الغضب قائد الحرس في نفس الوقت.. وانفض الاعتصام (قبل أن يبدأ) دون أي حق سوى كلمات للطبطبة.. والتفات لكل فرد يبحث عن كيف سينجو بنفسه من مرارة السقوط التي تفوح رائحتها بالفعل أرجاء هذه الكلية فيما يعرف «بالدبلرة»..
من شهور انزل للسوبر ماركت قبل التعويم.. أسأل البائع لما ارتفعت أسعار الألبان أو اللحوم أو أي سلعة؟!.. الدولار حضرتك.. وإحنا بنستورد كل حاجة..
أخذتها عهدا علي نفسي.. أينما وليت أسأل عن تكوين السلعة وهل موادها الخام تُصنّع في مصر أم مستوردة.. الإجابة كانت إن لم يكن كل فأغلب المنتجات موادها الخام مستوردة..
بالمنطق مع التعويم وارتفاع أسعار الطاقة بمختلف أنواعها.. فأنت أيها المصري قد نزل لك «جدول شيتاتك».. إذا لم تلفتت له بكامل تركيزك وطاقتك، ستضيع وأسرتك.. لن أتحدث في هذا المقال عن نقدي لما أراه «من أرضية سياسية».. فعهدي دوما أن أرضية حديثي هي نحن «المجتمع والناس»..
نحن قوة.. فلنتعلم كيف نستثمر تلك القوة؟ وكيف نبني مجتمع صحيحة وجهته؟ مُسلِمة لربها بمسيحيها ومسلميها دون تصنيف او إساءة ظن.. أن نكون كتلة قوية متماسكة.. وتسألني و ما حاجتنا لذلك؟
لنتعلم سويا كيف «نتشارك».. الكلمة والضحكة والبسمة والوجع.. وأخيرا وليس آخرا.. الكهرباء والطاقة يوما ما.. ونبني مجتمعنا الذي منه نكسب قوتنا.. بل ونبيع للدولة ما يفيض عنّا..
هل هذا هذيان؟ لا.. هذا مفهوم جديد بدأ تطبيقه بالفعل في الاتحاد الأوروبي فيما يعرف بـ «الاقتصاد التشاركي».. وفي انتظار تعميمه في خلال الاربعين سنة القادمة..
استنوني في مقال قادم عن هذا المفهوم- تفصيليا- لكن يكفي الآن معرفة الجزء الخاص بالكهرباء.. يقول الاقتصادي «جيرمي ريفيكين»: إن من المفترض تحويل كل أبنية المكاتب والمنازل والمصانع إلى «مولدات للطاقة الشمسية».. تُولِد لكل مجموعة أفراد احتياجاتهم من الطاقة.. وما يفيض تقوم بتخزينه في صورة مياه، تُولِد كهرباء أيضا عند غياب الشمس..
المجتمع سينتج طاقته ويتشاركها سويا من خلال شبكة الإنترنت.. وستكون وظيفة شركات الكهرباء القديمة هي فقط خاصة بالأمور اللوجستية.. بمعنى آخر سيقتصر عمل الشركات الكبيرة على تنظيم احتياجات الطاقة من خلال الإنترنت..
تخيل أيها المصري ذاتك وأنت تنتج كهرباء خاصة بك وتبيع فائضك للدولة بالتشارك مع باقي المصريين! تخيل درجة الوعي والتحول في الفكر المطلوب أن تكون عليه خلال السنوات المقبلة..
تخيل مدى احتياجنا جميعا كمصريين أن نعيّ أولا: أنفسنا، ومن ثَم مدي أهمية مفهوم «المشاركة» بدلا من «المنافسة»!
تخيل مقدار التحول المطلوب في بناء شخوص أبناء المستقبل القريب.. ومدى احتياجهم للتدريب والتطوير!
عزيزي المواطن المصري.. أحتاجك وتحتاجني.. والحقيقة على لسان الاقتصادي المعروف جيرمي ريفيكن:
- نو بلان بي
لا خيار أمامك وأمامي سوي ما خلقنا الله لأجله
بسم الله الرحمن الرحيم
«وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»
صدق الله العظيم
ترى هل سنبدأ في دراسة «جدول شيتاتنا» أم سنظل نلعن الظلام دون أن نضيء ولو شمعة تنير لنا ولأولادنا المستقبل؟
هل سندرك أهمية اتحادنا على اختلافنا وتوحيد وجهتنا أم سنظل جزر منعزلة كل جزيرة مشغولة بما يخصها وفقط تحت شعار «وأنا مالي.. خليني في حالي»؟
الإجابة متروكة لنا جميعا