الماسونية.. حقيقة مرعبة أم خدعة الألفية الثانية؟
الأحد، 09 يوليو 2017 08:16 م
تعتبر الحركة الماسونية اليوم جزءاً أساسي من نظريات المؤامرة في العالم أجمع، والرواية المتداولة عن الماسونية أنها حركة سرية منذ العصور القديمة، تتحكم في السياسة والاقتصاد ورأس حربتها من اليهود، وتنسب إليها أعمال ومتغيرات سياسية كبرى حول العالم، وتضمن محافلها عضوية أغلب مشاهير العالم.
ولكن ماذا لو كان هنالك نقد لكل هذه التفاصيل، وأن الحركة الماسونية ليست بهذا العمق التاريخي أو ذات التأثير الرهيب على مجرى التاريخ؟
حول هزيمة الماسونية، على ضوء تشبع الحزب الديموقراطي الأمريكي بشعارات ماسونية رددها أركان الحزب علنا في القرن الثامن عشر، نشأ حزب مناهضة الماسونية الأمريكي عام 1828، الذي تحول عام 1838 إلى حزب اليمين، ثم أصبح عام 1854 الحزب الجمهوري الذي نعرفه اليوم.
النسخة الأولى والثانية من الحزب كان برنامجها السياسي الأول هو مناوئة الماسونية في العمل السياسي الأمريكي، ثم تراجع هذا الخطاب في النسخة الثالثة لصالح قضايا العبودية بعد أن حققت النسختين نجاحا كبيرا في ملف الماسونية.
في هذا الزمن كانت المواجهة بين المرشح الماسوني والمناوئ للماسونية علنية وصريحة، بشعارات وأقوال وبرامج سياسية لا لبس فيها، وتحولت انتخابات الكونجرس والرئاسة وحكام الولايات والمدن إلى مواجهة مكشوفة، وقد استطاع الحزب المناهض للماسونية إيصال أربع مرشحين للرئاسة الأمريكية وهزيمة مرشحى الماسونية، وهم الرؤساء ويليم هنري هاريسون وجون تايلور وزكارى تايلور وميلارد فيلمور، بالإضافة إلى عدد كبير من مقاعد مجلس النواب.
حزب مناهضة الماسونية تحديدا أعاد هيكلة الوسط السياسي الأمريكي إلى شكله الحالي المتعارف عليه، إذ أن المؤتمرات الانتخابية وانتخابات داخل كل حزب لانتقاء المرشحين كانت أفكار زعماء الحزب التي لم تكن موجودة في أمريكا قبل ذلك وأصبحت اليوم طقساً سياسياً ديموقراطياً حول العالم.
إن أهمية هذا الحزب ليس في هزيمته للماسونية في أهم معاقلها فحسب، ولكنه ضم عددا من المنشقين عن الماسونية الذين نظموا مؤتمرات شعبية وصحفية بطول وعرض الولايات الأمريكية لشرح أكاذيب وحقيقة الماسونية.
أما عن حقيقة نشأة الماسونية، تنص الدساتير الماسونية، أن التنظيم نشأ منذ بدء الخليقة وهبوط آدم من الجنة، مرورا ببني إسرائيل وموسى، كما وجد الحاضنة الكبرى بين نبلاء الحضارة المصرية القديمة، قبل أن يستمر مع نشأة مملكة إسرائيل في فلسطين، وتستمر التفاصيل إلى العصور الحالية.
«الماسون» يدعون أن تنظيمهم بدأ مع الأنسان الأول، إلا أن التنظيم لم يظهر للوجود للمرة الأولى إلا مع «مخطوطات هاليويل، أو قصيدة ريجيوس»، التي يرجع تاريخها إلى ما بين 1390 و1425.
وبعيداً عن عدم منطقية أن يتواجد تنظيم سري منذ بدء الخليقة دون أن يكشف عن نفسه أو يكشفه أحد حتى لو منشق واحد إلا منذ 600 عام فحسب، وبعيدا عن عدم وجود أسباب لأن يقوم تنظيم حافظ على سريته آلاف السنين بالظهور فجأة طالما أن الهدف الذي يسعى إليه لم يكتمل بعد، إلا أن مخطوطات هاليويل التي تعد أول وثيقة تتحدث عن تاريخ الماسونية منذ بدء الخليقة حتى وقت كتابتها، التي تعد المصدر الأصلي لـ «حدوتة» الماسونية، لا تتضمن دليل من أي نوع سوى أن كاتبها أواخر القرن الرابع عشر كتب هذه القصيدة عن تنظيم سري منذ فجر التاريخ حتى اليوم فحسب.
إن بعض منشورات وسائل التواصل الاجتماعي تحمل مصدقية عن أن نعتمد على قصيدة لشاعر قوطى باعتبارها مرجعا تاريخيا علما بأنها تعتبر أم الدساتير الماسونية، فلم تقدم المحافل الماسونية منذ نشأة المحفل الأول عام 1598 الى اليوم، سواء للرأي العام، او لأي ماسوني سأل عن ذلك، أي دليل حقيقي على انه تنظيم عابر للتاريخ، باستثناء ان بعض طقوسه تحمل أسماء او رسوم مصرية قديمة، علماً بأن علم الآثار وقتذاك كان قد كشف عن هذه الأسماء والاثار.
كأن يظهر فجأة شعب في القطب الشمالي يدعى انه من أصول مصرية او اشورية او فينقيه، ولما تطالب بالدليل فأنه يشهر لك نقش مصري أو عراقي- معروف سلفا- دليلا على أنه ينتمي إلى هذا العصر!
أما المرتكز الثاني بعد المرتكز التاريخي في التاريخ الماسوني هو اليهود باعتبارهم محرك للأحداث التاريخية من خلف الستار، وهو ادعاء يطرب له المثقف العربي بكل أسف لأنه يزكي العدو الخارق الذي يظنه في كيان هزيل يدعى إسرائيل، لولا دعم الغرب له لما كان له وجود، ويزكي رثاء النفس الذي نشعر له جميعا باستمرار هذا الكيان وسطنا، بينما ذهب مناهضو الماسونية الأمريكان في القرن التاسع عشر إلى الحقيقة التي نقرأها في كافة الكتب التاريخية.
كيف يكون اليهود قوة ضاربة عبر التاريخ وهم هزموا وتشتتوا عبر التاريخ نفسه؟ تارة من مصر وتارة من فلسطين، من الهزيمة أمام الآشوريين ثم السبي البابلي ثم الهزيمة أمام الإمبراطورية المقدسة عام 70 وبيعهم كعبيد في أسواق روما.
ولما استقروا في بعض أزقة أوروبا القديمة، قام الأوروبيين بحملات صليبية على اليهود تزامنا بالحملات الصليبية على المسلمين، وجرت في المانيا وفرنسا والمجر وانجلترا مجازر ضد يهود أوروبا، أطلق عليها في كتب التاريخ الحملة الصليبية الألمانية عام 1096، German Crusade of 1096 وفي بعض الكتب الأخرى مصطلح مجازر راينلاند Rhineland massacres، وكانت حجة قادة هذه الحملة هو لماذا نسافر آلاف الأميال لمحاربة الكفار بينما هناك بالفعل من هم أقرب إلى الوطن.
وقد جرى ذبح الرجال والأطفال والنساء اليهود، ونهب بيوتهم ومعابدهم على يد نبلاء فرنسا وألمانيا والسوقة والغوغاء، كما أن حملة الفقراء بقيادة بطرس الناسك شاركت في المذابح.
وراح اليهود ينتحرون قبل مجيء الجيوش الأوروبية الصليبية، وكان الجندي الأوروبي يطلب من اليهودي، أن يتحول إلى الدين الكاثوليكي المسيحي ويتم تعميده في مياه نهر الراين أو التايمز إذا ما أراد تجنب القتل، ورفض المئات من اليهود التحول للمسيحية وفضلوا الذبح على أيدي الصليبيين.
وحينما دخل الأوروبيين القدس، بجانب قتلهم للمسلمين والمسيحيين الأرثوذكس وباقي أتابع الكنائس الشرقية، قاموا بحرق المعابد اليهودية بمن فيها، أما ما تبقى من يهود القدس فقد تم سحبهم في سفن من أجل إرسالهم إلى جنوب إيطاليا كأسرى حرب، ولكن أغلب يهود فلسطين لم يصلوا إلى إيطاليا بل تسلى الجنود الأوروبيين طيلة الرحلة بإلقائهم في مياه البحر المتوسط أو قطع رؤوسهم، كما نجح بعضهم في الفرار إلى مدينة الإسكندرية المصرية حيث عطف عليهم المصريين بالرحمة والمسكن والمأكل.
لم تكن الحملة الصليبية الألمانية عام 1096 هي آخر مذابح الصليبين بحق اليهود، فقد صادر الغرب أموال بعض يهود أوروبا لتمويل الحملة الصليبية الثانية، أما الحملة الصليبية الثالثة فقد كانت حجة العاهل الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد لكي يصدر قرارا بطرد اليهود من إنجلترا.
وفي عام 1320 اندلعت ثورة شعبية ضد الملكية الفرنسية وتم قتل المئات من اليهود في فرنسا واسبانيا على يد الغوغاء. ثم راحت الفرمانات الملكية الواحدة تلو الأخرى تطرد اليهود من أوروبا، وكلما عادوا يتم طردهم، ممالك وولايات ألمانيا طردت اليهود سبع مرات أعوام 1276 و1348 و1442 و1473 و1499 و1519 و1551، سويسرا عام 1392، وإسبانيا عام 1492 والبرتغال عام 1497.
ومن ممالك وولايات إيطاليا ثمانية مرات أعوام 1288و1293 و1491 و1495 و1510 و1547 و1593 و1597، وخمس مرات في فرنسا على يد فيليب اوغسطس عام 1182 ولويس التاسع عام 1254 وتشارلز الرابع عام 1322 وتشارلز الخامس عام 1359 وتشارلز السادس عام 1394، ومن إنجلترا في زمن ادوارد الأول عام 1290.
ولم يكن الطرد بريئا، بل كانت الشعوب تطارد اليهود داخل بيوتهم، وتقوم بذبحهم وتقوم السلطات بمصادرة الأراضي والأموال، وفى بعض الأحيان كان تجار العبيد في انتظارهم لسرقة أطفالهم ونسائهم والزج بهم في أسواق العبيد.
يشير مايكل بيرست ويش Michael Prestwich في كتابه إدوارد الأول Edward I، أن الملك اعتقل كافة يهود إنجلترا بلا استثناء في 17 نوفمبر 1276، وداهم جميع منازلهم لمصادرة الأموال والممتلكات، ثم إعدام 300 يهودي عام 1279، وعقب قرار الطرد هاجم الغوغاء بيوت اليهود وتم ذبح 350 يهودي في يورك وحدها، كما قام جنود الملك بإغراق سفينة واحدة على الأقل لليهود الهاربين في نهر التايمز.
وفى أوروبا الشرقية جرت مذابح أوكرانيا حيال يهودها ما بين عامي 1648 و1654، ثم مذابح قياصرة روسيا حيال يهود روسيا وآسيا الوسطي وأوروبا الشرقية ما بين عامي 1881 و1914، وما تلاها من مصادرة للمال والممتلكات اليهود وفقاً للمؤرخ جون كيلر في كتابه «ديالوج العنف» dialogue of violence عن مذابح قياصرة روسيا.
ويرد المتحمسين للماسونية أو اليهودية السياسية أن كافة تلك المذابح مرتب لها حتى يكون منطقياً أن يدشن الغرب كيان إسرائيل في قلب العالم الإسلامي، ورغم سذاجة الطرح، إلا أن العالم الإسلامي الذي شهدت دولته العباسية والأيوبية والعثمانية بالإضافة إلى الأندلس عصوراً ذهبية لليهود، قد وافق سلطانه بالفعل على توطين كافة اليهود الهاربين من جحيم أوروبا، المؤرخ سيسل روث Cecil Roth في كتابه آل ناسي House of Nasi، يوضح أن السلطان سليمان القانوني أصدر فرمانا عام 1561 ينص على اقتطاع طبرية وسبع قرى حولها لتوطين اليهود وقد حرص سليمان على أن يوقع الفرمان معه أبنائه مراد وسليم حتى يظل ساريا ً حال وفاته.
وكان مهندس هذا الفرمان السياسي البرتغالي اليهودي يوسف ناسي الذي أصبح من حاشية سليمان ثم ابنه سليم الثاني وكان يوقع مراسلاته الدولية بلقب لورد طبرية Lord of Tiberias على ضوء الفرمان العثماني، ولكن من الذى وقف ضد هذا المشروع؟ إنهم القوى الدولية المسيحية على رأسها كنيسة روما التي كلفت تنظيم فرسان مالطة بمهاجمة سفن اليهود وإسراها أو إغراقها في البحر المتوسط فلم يصل إلى سواحل فلسطين إلا قلة قليلة.
وبعيدا عن مناهضي الماسونية الأمريكان، قيل نفس الشيء حيال مذابح هتلر حيال اليهود، وأنها كانت بتنسيق مع الماسونية والصهيونية واليهودية السياسية لتبرير قيام دولة إسرائيل أمام شعوب الشرق الأوسط، وهنا يأتي السؤال، هل كان العرب في النصف الأول من القرن العشرين قوى عظمي حتى تحتاج المنظمات السرية إشعال الحرب العالمية الثانية، وقتل 6 ملايين يهودي على الأقل خنقاً وحرقاً وتدمير الأمة الألمانية والإيطالية، بل أن هنالك 200 ألف منتسب للماسونية ماتوا في معتقلات هتلر غير اليهود، كل ذلك من أجل تبرير إسرائيل أمام من؟ ما هي القوة الإسلامية الخارقة التي كانت موجودة وقتذاك حتى يتآمر العالم عليها بتدمير أوروبا والاسطول الأمريكي كاملاَ!
إذن، لو افترضنا أن اليهود بهذه القوة الخارقة التي تبثها الدعاية الصهيونية على مدار الساعة، والماسونية ليست منظمة قديمة بل يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر فحسب، وأنه سوف هزيمتهم تارة في الحرب وتارة عبر صناديق الاقتراع، فما هي الرواية الحقيقية التي يسوقها مناهضو الماسونية في أمريكا خلال القرن الثامن عشر؟
نعود إلى مرحلة الحملات الصليبية على المشرق الإسلامي، حيث تأسست طوائف عسكرية مسيحية، مثل فرسان مالطا وفرسان الهيكل وغيرها، لم تكن هذه المنظمات مجرد ميلشيات فحسب، بل سمحت الكنيسة بأن تجمع أموال من العالم باسم محاربة الكفار واسترداد القدس، وتأسس تنظيم فرسان الهيكل تحديداً عام 1119 وأصبح أقوى تنظيم عسكري مسيحي، وعبر الأموال التبرعات، أصبح قوة اقتصادية ضاربة في أوروبا، بل وينظر الى التنظيم باعتباره من مبتكري نظام المصارف (البنوك) الحديث بنشره بيوت مالية في عموما العالم المسيحي.
ولما كثرت ديون حكومة وملك فرنسا حيال التنظيم بعد ان تحول الى اخطبوط اقتصادي، بدأ الملك فيليب الرابع في تلفيق تهم الهرطقة لهم، ثم نجح في اقناع بابا روما كليمنت الخامس بحل التنظيم عام 1312 ما سمح للجيوش الفرنسية بمطاردة فرسان الهيكل وقتل المئات منهم بالمحرقة، القرار حل التنظيم ونقل ممتلكاتهم واموالهم في تنظيم فرسان الاسبتارية بينما في واقع الامر سقطت الديون وتم نهب الأموال.
جرى ذلك في بداية القرن الرابع عشر، وهو نفس القرن الذي شهدت نهاية ظهور ما يسمي بالماسونية، والحاصل أن فرسان الهيكل لم يتم تصفيتهم بالكامل، بل قام بعضهم بالهروب و الاختفاء، وبعد عدة سنوات عادوا تحت غطاء تنظيم الماسونية، وتم نسج الحكاية التاريخية لمزيد من الغموض والتخفي، أن كافة الطقوس والرتب الماسونية كانت ممارسات في فرسان الهيكل، ما جعل البضع يرد بأن فرسان الهيكل كان تنظيما ماسونياً بينما العكس هو الصحيح.
يقوم تنظيم الماسونية اليوم بنفس ما كان يفعله تنظيم فرسان الهيكل، من جمع التبرعات من أجل أهداف النظام الدولي، وإدارة بعض شبكات الفساد الدولي من دعارة ومخدرات وغسيل أموال لتمويل أهداف القوي العظمي، وفي هذا الإطار يتم عمل تجمعات وخلايا باسم المحافل، تستقطب نجوم المجتمع القادرين على تمويل المحفل وبالتالي التنظيم الأم أو القادرين على خدمة أجندة القوى العظمى، و في حالات كثيرة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين كانت السمعة السيئة للماسونية لم تكن قد انتشرت في الدول العربية لذا كانت حفلات التبرع للماسونية باعتبارها جمعية خيرية تدشن علناً وكان أغلب نجوم المجتمع الفني والرياضي والصحفي يشارك في هذه الحفلات ظناً أنه يدعم مجهود خيري.
وهذا يفسر أن نرى قوائم هائلة من المبدعين عبر التاريخ منسبين للماسونية بينما في واقع الأمر الموضوع لم يتدعى حضورهم حفل أو اثنين لجمعية خيرية لا يعرفون حقيقة تاريخها.
بلغة العصر، إن الماسونية مثل الصهيونية واليهودية السياسية والمحافظين الجدد وغيرهم ليسوا صناع أنظمة دولة او يديرون العالم من خلف الستار ولكنهم أدوات للقوى العظمى لصناعة الأنظمة الدولية والحفاظ عليها، هذه القوى العظمى تشكل شبكة مصالح غربية قوية فيما بينهم، ويتم استغلال السمعة الأسطورية خاصة في ملف الماسونية لإدارة العديد من الملفات الهامة لشبكات المصالح الغربية.