صخب الموت

الأحد، 09 يوليو 2017 09:00 ص
صخب الموت
مقبرة
شادى أصلان

فى فترات المراهقة وقبل انتقالى من منزلنا القديم كانت هناك طريقة معروفة للإعلان عن حالات الوفاة فى المنطقة، وأعتقد أن نفس الطريقة تستخدم فى معظم المناطق التى يغلب عليها الطابع الريفى، فقد كانت الإعلانات تنطلق من مكبرات الأصوات الموجودة فى المساجد، فبعد ما ينتهى المؤذن من الأذان يبدأ فى الإعلان عن حالة الوفاة ذاكرًا اسم المتوفى ولقبه والذى يكون معروفًا لدى الجميع فى معظم الأحوال، وطوال الوقت كنت اسأل نفسى هل يعرف الجميع الألقاب لأن كل العائلات معروفة؟ أم أن تلك الإعلانات كان يٌسمح بها فى المسجد فقط للعائلات الكبيرة ذات الشهرة الواسعة؟ ولكن المؤكد أن إعلان الوفاة فى أحد المساجد كان كافيًا لإحداث ضجة كبيرة فى معظم حوارى المنطقة.
 
أشهر تلك المساجد فى منطقتنا كان مسجد الخولى، وهو الاسم الذى كان يسبب لنا حالة من الضحك! كان مسجدًا كبيرًا إلى حد ما، وتقريبًا بشكل يومى كانت مكبرات الصوت به تعلو بصوت الخادم وهو يصيح « بسم الله، يا أهالى المنطقة الكرام، توفى إلى رحمة الله تعالى، الحاج/الحاجة فلان والجنازة بعد صلاة –غالبًا- الظهر» يكررها ثلاث مرات حتى يؤكد أن الحضور واجب على الجميع.
وبغض النظر عن التعود على تلك الطريقة فى الإعلان عن موت أحدهم إلا أننى كنت أنهزم أمامها، فكان خوفى من فقدان أحد أفراد أسرتى يتجدد بشكل يومى أو فى اليوم أكثر من مرة، على حسب عدد الوفيات، وكنت حريصا على تجاهلها وأحاول ألا أسمعها ودائمًا أهرب من أى صلاة للجنازة، ولو صادف وجودى فى المسجد موعد الصلاة على أحدهم كنت أخرج بمجرد دخول النعش، وكأنى أشعر أن المنادى عندما يعلن عن حالة وفاة فإن ملك الموت يسمع صوته ويأتى ليحضر تلك الصلاة فيختار شخصًا جديدًا من الموجودين ليأخذ منه أحد أحبائه.
 
بعد مرور عدة سنوات أدركت طبعًا أن الموت لا يحتاج أن يذهب بنفسه إلى مسجد أو كنيسة لكى يختار أحدهم، وأدركت أيضًا أن الموت غالبًا يصاحبه صخب شديد، ولكنى عرفت أن هذا الصخب يختلف من مكان إلى آخر، فأنا عشت فى أماكن أخرى لا يحدث فيها الموت أى أصوات، ورغم إدراكى للدوافع النبيلة التى كانت وراء إعلان الوفاة فى المساجد، وأن هذا كان يحدث لكى يشعر أصحاب المصيبة بالمشاركة والمواساة من جيرانهم، إلا إننى فضلت وبشدة أن يكون الموت صامتًا، وتأكدت أنه لا داعى على الإطلاق أن تتسع دائرة الخوف واعتياد الفقد، فبالتأكيد مع كل صوت يطلقه الموت يذهب معه جزء من أرواحنا ولا يعود أبدًا.
محاسب

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق