الحب في التراث العربي.. من عشق فظفر فعف فمات.. مات شهيداً
الإثنين، 03 يوليو 2017 10:21 ص
من عشق فظفر فعف فمات.. مات شهيداً
أعد الملف السيد عبد الفتاح
أخبرنى المظفر بن يحيى قال: قال بعض الفلاسفة: لم أر حقًّا أشبه بباطل، ولا باطلاً أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عطب
لم نعلم بحقيقة ما وصف، مجونًا منا: ماتوا! فقال: أقسمت عليكم! ماتوا؟ فقلنا، لننظر ما يصنع: نعم! ماتوا
لزم الاجتهاد الشديد، ولبس الشعر وتوحد، فكان لا يدخل منزله إلا من ليل إلى ليل
بكت حتى غشى عليها، فلما أفاقت قلت: من أنت، بالله؟ قالت: أنا ليلى المشؤومة عليه، غير المساعدة له
المأمون يسأل ما هو العشق؟
أخبرنا أبوعلى محمد بن الحسين الجازرى بقراءتى عليه، قال: حدثنا أبوالفرج المعافى بن زكرياء الجريرى قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقرى قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثنا أبوالعالية الشامى قال: سأل أمير المؤمنين المأمون يحيى بن أكثم عن العشق ما هو؟ فقال: هو سوانح تسنح للمرء، فيهتم بها قلبه، وتؤثرها نفسه.
قال: فقال له ثمامة: اسكت يا يحيى! إنما عليك أن تجيب فى مسألة طلاق أو محرم صاد ظبيا أو قتل نملة، فأما هذه فمسائلنا نحن.
فقال له المأمون: قل يا ثمامة، ما العشق؟ فقال ثمامة: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائزة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها وأعطى عنان طاعتها، وقود تصرفها، توارى عن الأبصار مدخله وعمى فى القلوب مسلكه.
فقال له المأمون: أحسنت والله يا ثمامة! وأمر له بألف دينار.
العشق داء أهل الظرف
أخبرنا أبوطاهر محمد بن على العلاف بقراءتى عليه، قال: حدثنا أبوحفص عمر بن أحمد بن عثمان المروروذى قال: حدثنا جعفر بن محمد الخالدى قال: حدثنا أحمد بن محمد الطوسى قال: حدثنى على بن عبدالله القمى قال: قال لى عبد الله بن جعفر المدينى قلت لأبى زهير المدينى: ما العشق؟ قال: الجنون والذل، وهو داء أهل الظرف.
العشق أوله لعب وآخره عطب
أنبأنا أبو بكر أحمد على بن الحافظ إن لم يكن حدثنا قال: أخبرنى أبوالحسن على بن أيوب القمى الكاتب بقراءتى عليه قال: أخبرنا أبوعبيد الله محمد بن عمران قال: أخبرنى المظفر بن يحيى قال: قال بعض الفلاسفة: لم أر حقًّا أشبه بباطل، ولا باطلاً أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عطب.
ذنوب اضطرار
أخبرنا أبو بكر أحمد بن على الحافظ بالشام، قال: حدثنا رضوان بن عمر الدينورى، قال: سمعت معروف بن محمد بن الصوفى بالرى يقول: سمعت أبا بكر الصينى يقول: سمعت إبراهيم بن الفضل يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لو كان إلى من الأمر شىء ما عذبت العشاق، لأن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار.
المجنون الشاعر
أخبرنا أبوالقاسم على بن المحسن التنوخى، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، قال: أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثنى أبوعلى الحسن بن صالح، قال: قال مساور الوراق: قلت لمجنون كان عندنا، وكان شاعرا، ويقال إن عقله ذهب لفقد ابنة عم كانت له، فقلت له يوما: أجز هذا البيت:
وَما الحُبُّ إلاّ شُعلةٌ قَدحَتْ بها ... عيونُ المَها باللَّحظِ بينَ الجوانِحِ
قال فقال على المكان:
ونارُ الهوى تَخفَى، وفى القلبِ فِعلُها ... كفعل الذى جادَت به كفُّ قادحِ
الجنة لمن عشق وعف
أخبرنا أبوبكر أحمد بن على بدمشق قال: حدثنا أبوالحسن على بن أيوب بن الحسين بن أيوب القمى إملاء، قال: حدثنا أبوعبيد الله المرزبانى وأبوعمرو بن حيويه وأبوبكر بن شاذان، قالوا: حدثنا أبوعبدالله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوى الملقب بنفطويه، قال: دخلت على محمد بن داود الأصبهانى فى مرضه الذى مات فيه، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: حبُّ من تعلم أورثنى ما ترى.
فقلت: ما منعك عن الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين، أحدهما النظر المباح، والثانى اللذة المحظورة، فأما النظر المباح فأورثنى ما ترى، وأما اللذة المحظورة فإنه منعنى منها ما حدثنى أبى قال: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا على بن مسهر عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة، ثم أنشدنا لنفسه:
انظُرْ إلى السّحرِ يجرى فى لَوَاحظِه... وانظر إلى دَعَجٍ فى طرفِهِ الساجى
وانظر إلى شَعَراتٍ فوقَ عارِضِه... كأنّهُنّ نِمالٌ دَبّ فى عاجِ
وأنشدنا لنفسه:
ما لَهُم أنكرُوا سواداً بخدّيـ... ـــــهِ، ولا يُنْكِرُونَ وَرْدَ الغُصُونِ
إنْ يَكُنْ عَيْبُ خدّه بُدَدَ الشَّعْـــــ ... رِ، فَعَيْبُ العيونِ شعرُ الجُفونِ
فقلت له: نفيت القياس فى الفقه، وأثبته فى الشعر، فقال: غلبة الهوى، وملكة النفوس دعتا إليه.
قال: ومات فى ليلته أو فى اليوم الثانى.
العاشق الشهيد
أخبرنا أبوبكر أحمد بن على الحافظ قال: حدثنا أبوالحسن على بن أيوب القمى قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثنى محمد بن مخزوم قال: حدثنى الحسن بن على الأشنانى وأحمد بن محمد بن مسروق قالا: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا على بن مسهر عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من عشق فظفر فعف فمات مات شهيدا.
العاشق التقى
أخبرنا الشيخ الصالح أبوطالب محمد بن على بن الفتح العشارى بقراءتى عليه، قال: أخبرنا أبوالحسين محمد بن عبد الله القطيعى إجازة، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخالدى قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا سويد بن سعيد أبومحمد قال: سمعت على بن عاصم يقول: قال لى رجل من أهل الكوفة من بعض إخوانى: ألا أريك فتىً عاشقًا؟ قال: بلى، والله، فإنى أسمع الناس ينكرون العشق وذهاب العقل فيه، وإنى لأحب رؤيته، فعدنى يوما أجئ معك فيه.
قال: فوعدته يوما فمضينا فأنشأ صاحبى يحدثنى عن نسكه وعبادته، وما كان فيه من الاجتهاد، قلت: وبمن هو متعلق؟ قال: بجاريةٍ لبعض أهله كان يختلف إليهم، فوقعت فى نفسه، فسألهم أن يبيعوها منه، فأبوا، وبذل لهم جميع ماله، وهو سبعمائة دينار، فأبوا عليه ضرارا وحسدا أن يكون مثلها فى ملكه، فلما أبوا عليه، بعثت إليه الجارية، وكانت تحبه حبا شديدا: مرنى بأمرك، فوالله لأطيعنك ولأنتهين إلى أمرك فى كل ما أمرتنى به. فأرسل إليها: عليك بطاعة الله، عز وجل، فإن عليها المعول والسكون إليها، وبطاعة من يملك رقك، فإنها مضمومة إلى طاعة ربك، عز وجل، ودعى الفكر فى أمرى لعل الله، عز وجل، أن يجعل لنا فَرَجًا يومًا من الدهر، فوالله ما كنت بالذى تطيب نفسى بنيل شىءأحبه أبداً فى ملكى، فأمنعه، أمد يدى إليه حراما بغير ثمن، ولكن أستعين بالله على أمرى، فليكن هذا آخر مرسلك إلى، ولا تعودى فإنى أكره والله أن يرانى الله تعالى، وأنا فى قبضته، ملتمساً أمرا يكرهه منى، فعليك بتقوى الله، فإنها عصمة لأهل طاعته، وفيها سلو عن معصيته.
قال: ثم لزم الاجتهاد الشديد، ولبس الشعر وتوحد، فكان لا يدخل منزله إلا من ليل إلى ليل، وهو مع ذلك مشغول القلب بذكرها ما يكاد يفارقه، فوالله مازال الأمر به حتى قطعه، فهو الآن ذاهب العقل واله فى منزله.
قال: ثم صرنا إلى الباب واستأذنا فأذن لنا. قال على: فدخلت إلى دار قوراء سرية، وإذا أنا بشاب فى وسط الدار على حصير متزر بإزار ومرتد بآخر. قال: فسلمنا عليه، فلم يرد علينا السلام، فجلسنا إلى جنبه، وإذا هو من أجمل من رأيت وجها، وهو مطرق ينكت فى الأرض، ثم ينظر إلى ساعده، ثم يتنفس الصعداء، حتى أقول قد خرجت نفسه، وهو مع ذلك كالخلال من شدة الضر الذى به.
قال: فالتفت، فإذا أنا بوردة حمراء مشدودة فى عضده، قال: فقلت لصاحبى: ما هذه؟ فوالله ما رأيت العام ورداً قبل هذه! فقال: أظن فلانة، وسماها، بعثت بها إليه، فلما سماها رفع رأسه فنظر إلينا ثم قال:
جَعَلتُ من ورْدتِها ... تميمَةً فى عَضُدى
أشُمّهَا مِن حبّهَا ... إذا عَلانى كمَدى
فمَن رَأى مثلى فتىً ... بالحزنِ أضحى مرتدى
أسقمَه الحبُّ، فَقَد ... صَارَ حليفَ الأوَدِ
وَصَارَ سَهْواً دهرُه ... مُقارِناً للْكَمَدِ.
قال: ثم أطرق، فقلت: الساعة، والله، يموت. قال على بن عاصم: وورد على من أمره ما لم أتمالك، وقمت أجر ردائى، فوالله ما بلغت الباب حتى سمعت الصراخ فقلت: ما هذا؟ فقالوا: مات والله! قال على: فقلت: والله لا أبرح حتى أشهده. قال: وتسامع الناس فجاؤوا بطبيب فقال خذوا فى أمر صاحبكم، فقد مضى لسبيله، فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرف الناس.
فقال لى صاحبى: امض بنا! فقلت: امض أنت فإنى أريد الجلوس ههنا ساعة، فمضى، فمازلت أبكى وأعتبر به، وأذكر أهل محبة الله، عز وجل، وما هم فيه، قال: فبينا أنا على ذلك، إذا أنا بجارية قد أقبلت كأنها مهاة، وهى تكثر الالتفات، فقالت لى: يا هذا! أين دفن هذا الفتى؟ قال على: فرأيت وجها ما رأيت قبله مثله، فأومأت إلى قبره؟ قال: فذهبت إليه، فوالله ما تركت على القبر كثير تراب إلا ألقته على رأسها، وجعلت تتمرغ فيه، حتى ظننت أنها ستموت، فما كان بأسرع من أن طلع قوم يسعون حتى جاؤوا إليها، فأخذوها، وجعلوا يضربونها، فقمت إليهم فقلت: رفقًا بها، يرحمكم الله! فقالت: دعهم أيها الرجل يبلغوا همتهم، فوالله لأن تفعلوا بى بعده أيام حياتى، فليصنعوا بى ما شاؤوا.
قال على: فإذا هى التى كان يحبها الفتى، فانصرفت وتركتها.
مجنون دير هرقل
أخبرنا أبوبكر محمد بن أحمد الأردستانى بقراءتى عليه بمكة فى المسجد الحرام، بباب الندوة، فى سنة ست وأربعين وأربعمائة قال: أخبرنا أبوالقاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال: حدثنا أبوالفضل جعفر بن محمد بن الصديق بنسف، قال: حدثنا أبويعلى محمد بن مالك الرقى قال: حدثنا عبدالله بن عبد العزيز السامرى، قال: مررت بدير هرقل أنا وصديق لى، فقال لى: هل لك أن تدخل فترى من فيه من ملاح المجانين؟ قلت: ذاك إليك. فدخلنا فإذا بشاب حسن الوجه، مرجل الشعر، مكحول العين، أزج الحواجب، كأن شعر أجفانه قوادم النسور، وعليه طلاوة تعلوها حلاوة، مشدود بسلسلة إلى جدار، فلما بصر بنا قال: مرحبا بالوفد، قرب الله ما نأى منكما، بأبى أنتما. قلنا: وأنت، فأمتع الله الخاصة والعامة بقربك، وآنس جماعة ذوى المروءة بشخصك، وجعلنا وسائر من يحبك فداءك.
فقال: أحسن الله عن جميل القول جزاءكما، وتولى عنى مكافأتكما.
قلنا: وما تصنع فى هذا المكان الذى أنت لغيره أهل؟ فقال:
اللهُ يعلمُ أنّنى كَمِدُ... لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِدُ
نَفسانِ لى: نفسٌ تضَمّنَها... بَلَدٌ، وأُخرَى حازَها بَلَدُ
أمّا المُقيمةُ ليس ينفعُها... صَبرٌ، وليس بقربها جلَدُ
وأظنّ غائبَتى كشاهِدَتى... بِمكانِها تجِدُ الذى أجِدُ
ثم التفت إلينا فقال: أحسنت؟ قلنا: نعم!، ثم ولينا فقال: بأبى أنتم ما أسرع مللكم! بالله أعيرونى أفهامكم وأذهانكم. قلنا: هات! فقال:
لمّا أناخوا، قُبَيْل الصُّبْحِ، عيسَهُمُ... وَرَحّلوها، فسارت بالهوى الإبلُ
وَقَلّبتْ، من خِلالِ السِّجفِ، ناظرَها... ترْنو إلىّ وَدَمعُ العينِ مُنْهمِلُ
فَوَدّعَتْ بِبَنانٍ عَقدُها عَنَمٌ... نادَيتُ لا حَمَلَتْ رِجلاكَ يا جَمَلُ
ويلى مِن البَينِ! ماذا حلّ بى وبِها؟... يا نازِحَ الدّارِ حلّ البينُ وارْتحلوا
يا رَاحِلَ العِيسِ عَرّجْ كى أُوَدّعَها... يا رَاحلَ العِيس فى تَرْحالكَ الأجَلُ
إنّى على العَهدِ لم أنقض موَدَتكم... فليتَ شعرى، وطالَ العهدُ، ما فعلوا؟
فقلنا، ولم نعلم بحقيقة ما وصف، مجونًا منا: ماتوا! فقال: أقسمت عليكم! ماتوا؟ فقلنا، لننظر ما يصنع: نعم! ماتوا. قال: إنى والله ميت فى أثرهم، ثم جذب نفسه فى السلسلة جذبةً دلع منها لسانه، وندرت لها عيناه، وانبعثت شفتاه بالدماء، فتلبط ساعة، ثم مات. فلا أنسى ندامتنا على ما صنعنا.
المجنون الشاعر
أخبرنا أبوعلى الحسن بن محمد بن عيسى بقراءتى أو قراءة عليه بمصر قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق قال: أخبرنا إبراهيم بن على بن إبراهيم البغدادى قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: حدثنى المبرد قال: خرجت أنا وجماعة من أصحابى مع المأمون، فلما قربنا من نحو الرقة فإذا نحن بدير كبير، فأقبل إلى بعض أصحابى فقال: مل بنا إلى هذا الدير لننظر من فيه، ونحمد الله، سبحانه، على ما رزقنا من السلامة. فلما دخلنا إلى الدير رأينا مجانين مغلولين، وهم فى نهاية القذارة، فإذا منهم شابٌ عليه بقية ثياب ناعمة، فلما بصر بنا قال: من أين أنتم يا فتيان، حياكم الله؟
فقلنا: نحن من العراق. فقال: يا بأبى العراق وأهلها! بالله أنشدونى أو أنشدكم؟ فقال المبرد: والله إن الشعر من هذا لطريف. فقلنا: أنشدنا! فأنشأ يقول:
الله يعلمُ أنّنى كَمِدُ... لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِدُ
روحانِ لى: رُوحٌ تضَمّنَها... بلَدٌ، وأُخرَى حازَها بلَدُ
وَأرَى المُقيمَةَ ليس ينفعُها... صبرٌ، ولا يقوَى بها جَلَدُ
وأظُنّ غائبَتى، كَشاهِدَتى... بِمكانها تجِدُ الذى أجِدُ
قال المبرد: إن هذا لطريف، والله زدنا! فأنشأ يقول:
لمّا أناخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيسَهُمُ ... وَرَحّلوها، فسارت بالهوَى الإبلُ
وَأبرَزَتْ من خِلالِ السِّجْفِ ناظِرَها... ترنو إلىّ وَدمعُ العينِ مُنْهَمِلُ
وَوَدّعَتْ بِبَنانٍ عَقدُها عَنَمٌ... ناديتُ لا حَمَلَت رجلاك يا جَمَلُ!
ويلى من البَينِ! ماذا حلّ بى وبِها... من نازِلِ البينِ حانَ الحَينُ وارْتَحَلوا
يا رَاحلَ العِيس عَجّل كيْ نُوَدّعَها... يا رَاحلَ العِيس فى ترْحالكَ الأجلُ!
إنّى على العَهدِ لم أنقض مَودّتَهم... فليتَ شعرى لطولِ العهد ما فعلوا؟
فقال رجل من البغضاء الذين معى: ماتوا! قال: إذاً فأموت. فقال له: إن شئت. قال: فتمطى واستند إلى السارية التى كان مشدودا فيها فما برحنا حتى دفناه.
ليلى العامرية ومجنونها
أخبرنا أبومحمد الحسن بن على الجوهرى قراءة عليه قال: أخبرنا أبوعمر محمد بن العباس ابن حيويه الخزاز قراءة عليه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنى قاسم بن الحسن عن العمرى قال: قال الهيثم بن عدى: حدثنا عثمان بن عمارة عن أشياخهم من بنى مرة قال: رحل رجل منا إلى ناحية الشام مما يلى تيماء والشراة فى طلب بغية له، فإذا هو بخيمة قد رفعت له، وقد أصابه مطر، فعدل إليها، فتنحنح، فإذا امرأة قد كلمته، فقالت له: انزل، فنزل وراحت إبلهم وغنمهم، فإذا أمر عظيم، وإذا رعاء كثير، فقالت لبعض العبيد سلوا هذا الرجل من أين أقبل؟ فقلت: من ناحية اليمامة ونجد. فقالت: أى بلاد نجد وطئت؟ قلت: كلها. قالت: بمن نزلت هنا؟ قلت: ببنى عامرٍ، فتنفست الصعداء، وقالت: بأى بنى عامر؟ فقلت: ببنى الحريش. فاستعبرت، ثم قالت: هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس ويلقب بالمجنون؟ فقلت، إى والله، ونزلت بأبيه، وأتيته حتى نظرت إليه، يهيم فى تلك الفيافى، ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له ليلى فيبكى، وينشد أشعارا يقولها فيها.
قال: فرفعت الستر بينى وبينها، فإذا شقة قمرٍ لم تر عينى مثلها، فبكت وانتحبت حتى ظننت، والله، أن قبلها قد انصدع، فقلت لها: أيتها المرأة! اتقى الله، فوالله ما قلت بأساً، فمكثت طويلاً على تلك الحال من البكى والنحيب ثم قالت:
ألا لَيْتَ شِعرِى، وَالخُطوبُ كثيرَةٌ... متى رَحلُ قيسٍ مُستَقِلٌّ فرَاجِعُ
بنفسى مَن لا يَستَقِلّ برَحلِه... ومَن هو، إن لم يحفظ اللهُ، ضائعُ
ثم بكت حتى غشى عليها، فلما أفاقت قلت: من أنت، بالله؟ قالت: أنا ليلى المشؤومة عليه، غير المساعدة له. فما رأيت مثل حزنها ووجدها، فمضيت وتركتها.