في ذكرى ميلاد إمام المغنيين وشيخهم.. «لا نقدر ننساك ولا لينا غُنا»

الأحد، 02 يوليو 2017 04:32 م
في ذكرى ميلاد إمام المغنيين وشيخهم.. «لا نقدر ننساك ولا لينا غُنا»
الشيخ إمام
عبد العزيز السعدني

صوت رخيم ليس لخامته مثيل، وأب متشدد كان سببا في إقامة ابنه بحي الغورية وحرمه من تشييع جثمان والدته، وتفرغ لما هواه من سماع الموسيقى والتتلمذ على مشايخها، وصديق «جدع» بمثابة عينين للشيخ الكفيف بشكل مؤقت.. فعادةً ما يُعوض الله عبده، إذا حرمه من إحدى حواسه، بتوزيع قوتها على نظيراتها، إلا أن لكل قاعدة شواذ، فعوضها في صوته ومقدرته على الحفظ.

لساها يا شيخ إمام بتشم ريحتي فيك!

«أنا اتوب عن حبك أنا؟.. أنا لي ف بعدك هنا؟.. دا أنا بترجاك.. الله يجازيك.. يا شاغلني معاك.. وشاغلني عليك..وإن غبت سنة.. أنا برضه أنا.. لا أقدر أنساك.. ولا ليَ غنا.. ولا أتوب عن حبك أنا».. كلمات الراحل أحمد فؤاد نجم. 

12301603_1019070951493970_4807279194234400432_n

إمام محمد أحمد عيسى، المولود في 2 يوليو 1918 لأسرة فقيرة في قرية أبو النمرس في الجيزة، وتدني مستوى الخدمات في الأرياف كانت سببا في ضياع نظره في عامه الأول، وُلد لأب قاسٍ متشدد كان بمثابة عنق الزجاجة في حياته، الذي كان حلم حياته أن يرى ابنه حافظًا للقرآن الكريم في الجمعية الشرعية بالقرية، إلا أن فقدان بصر الطفل لم يفقده بصيرته وعزيمته على أن يكون مغنيًا محبًا لجلسات النساء لسماع الأغاني في الأفراح. 

ولم تكن الجمعية أرحم عليه من والده، فقررت فصله بسبب سماعه للإذاعة باعتبارها- من وجهة نظر ومبادئ الجمعية- بدعة حتى لو كان استماعًا للقرآن الكريم، ولم يرضخ الطفل- من وجهة نظره- لهذه البدع وفضّل صوت الشيخ محمد رفعت عن الاستمرار في الجمعية. 

ترك الطفل بلدته خوفًا من بطش والده، وأصبح مقيمًا في القاهرة طوال اليوم؛ نهارًا في الحسين، وليلاً نائمًا في الأزهر، إلا أن والده بحث عنه ليحذره في رسالة شديدة اللهجة «لا تعد إلى القرية مرة أخرى مهما حدث بسبب الجرم الذي فعلته وهو الفصل من الجمعية».

free-d_153311960548696100

مهما حدث.. هكذا نفذ الطفل وصية والده بحذافيرها، لم يلتفت إلى قريته حتى في وفاة والدته حزنًا على ما حدث له، ولم يشيع جثمانها، ويقول القريبون من «إمام» أنه عاد إلى قريته بعد وفاة والده فقط.

شاب يشدو بآيات من القرآن الكريم في حفلات الإنشاد، يلتفت له الشيخ درويش الحريري، أحد كبار معلمي الموسيقى، بسبب صوته الرخيم ويسأل عنه فيُجاب «ده إمام من الجيزة وقاعد هنا في حي الغورية»، فقرر الشيخ أن يتولى مهمة تعليمه الموسيقى.

جلسة إنشاد واحدة تلو الأخرى، كل على حدة وتزيد معرفة الشاب بكبار المطربين والمقرئين، وظل كذلك إلى أن التقى بالشيخ زكريا أحمد، الذي حفظ على يده الألجان الجديدة، إلا أن العلاقة لم تدم بينهما بسبب تسريب بعض الألحان لأم كلثوم قبل غنائها، ما جعل الشيخ يقرر الاستغناء فيها عن إمام.

تحدٍ آخر يواجهه إمام، فيبتعد عن قراءة القرآن وخلع زيه الأزهري، وتعلم العود على يد كامل الحمصاني، وبدأ تأليف الأغاني.

واللوالي بابتسامتك يحكوا أسرار المحار.. 

«كل عين تعشق حليوة.. و إنتي حلوة في كل عين .. يا حبيبتي أنا قلبي عاشق.. واسمحيلي بكلمتين.. كلمتين يا مصر يمكن.. هما آخر كلمتين.. حد ضامن يمشي آمن.. أو مِـآمن يمشي فين».. كلمات أحمد فؤاد نجم- 1973.

free-d_207357410893969216

«كنت عينيه وهو كان صوتي».. وصف موجز للراحل أحمد فؤاد نجم، في أحد حواراته عن الشيخ إمام، قائلا: «إمام زاملني بشرف وعظمة لغاية ما كبر.. الأعمى فاقد الأمان.. كنت بحميه وبخاف عليه أوي.. وطول ما إحنا ماشيين في الشارع بوصف له كل حاجة.. أنا كنت عينيه.. وكنا مرة في القلعة كان فيه ضابط عاوز يضرب إمام على وشه بالعصاية.. رحت وقفت بسرعة قدامه وأخدت الضربة مكانه، وما رضيتش أقول آه عشان إمام ما يخافش.. ولحد دلوقتي ما يعرفش».

يا ساير يا دايــر يا أبــو المفهومــــية.. الصداقة لا تدوم

«إذا الشمس غرقت في بحر الغمام.. ومدت على الدنيا موجة ظلام.. ومات البصر في العيون والبصاير.. وغاب الطريق في الخطوط والدواير.. يا ساير يا داير يا أبو المفهومية.. ما فيش لك دليل غير عيون الكلام».

نجم ظل بالفعل «عيني» الشيخ بداية من لقائهما في 1962إلى منتصف الثمانينات حتى نشبت خلافات بين الثنائي، أرجعها «نجم» إلى «ولاد الحرام»، وقال: «ضاقت حلقة الحصار حولينا واستحكمت وتحول الموضوع إلى شبه مطاردة بوليسية مهمتها تفتيت الكيان المزعج، الذي استعصى على الترغيب ودهب المعز ولقيت نفسي لوحدي»، وتفرق الكيان وكثر القيل والقال، بين نجم والشيخ إمام، انتهت رحلة وصفها بعض المعارضين بالمزعجة.

free-1542015509219478004

البعض يظن أن الشيخ إمام لم يغن أو يلحن سوى لـ«نجم»، ولكن غنت فرقته لشعراء أمثال «فؤاد قاعود، سيد حجاب، نجيب سرور، توفيق زياد، نجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحي، وفرغلي العربي».

 7 يونيو 1995.. ترك «إمام» عوده لتراب حجرته، ترك فنًا صالحًا لكل عصر وأوان، لا يستهان به.. ترك صاحبه «المؤقت»، ورحل في صمت، واعتقد البعض أنه أحس بالنهاية فالتزم حجرته في حي الغورية قبل موته بأسبوع.

ما يهمنيش من عزالي يا حلوة لو مرسالي وصل..

البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أتدلع أملا القُلل.. البحر غضبان ما بيضحكش.. أصل الحكاية ما تضحكش.. البحر جرحه ما بيدبلش.. جرحنا ولا عمره دبل.. مساكين بنضحك م البلوة.. زي الديوك والروح حلوة.. سرقاها م السكين حموة.. ولسه جوا القلب أمل».. كلمات نجيب سرور.

free-d_600007848942260853

وبعد وفاة الشيخ إمام بـ 8 سنوات (2003)، تلقى نجم مداخلة هاتفية بشأن ذكرى الشيخ ليقول «تبقى الفن.. فنه عظيم، الله يرحمك يا إمام.. هو دلوقتي في دار الحق وإحنا في دار الباطل، كنت دايما أقول له يا إمام لن يتبقى مني ومنك غير الفن اللي بنقدمه للناس ده لأنه أصبح ملك الناس.. وهما (الناس) عملوا عليه حصار وأسوار عالية.. مش ممكن أي حد يحتكر فن الشيخ إمام أو يشوهه.. إحنا كنا بنحط بذرة في أرض صالحة.. الشيخ إمام روحه تطمئن إن فنه انتشر أكتر  من وهو عايش».  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة