هل تساهم الدراما التليفزيونية في معالجة قضايا الإرهاب؟
الثلاثاء، 27 يونيو 2017 10:17 م
انتشرت ظاهرة معالجة قضية الإرهاب في الدراما العربية منذ عشرات السنوات، في ظل الحضور الدائم لهذه القضية في المنطقة العربية، وهو ما توازي مع تصاعد أهمية الدور الذي يمارسه الإعلام في رفع درجة الوعي لدى المجتمعات، حيث كانت الدراما إحدى أدوات الإعلام الفاعلة في هذا الإطار، نظرًا لشعبيتها الكبيرة بالمقارنة بالمواد الإعلامية الأخرى.
وعلى ضوء ذلك، اتسع نطاق الجدل حول مدى قدرة هذا الكم الهائل من الأعمال الدرامية العربية التي تنتج حاليًا بشكل مستمر وتعالج قضية الإرهاب، سواء بشكل عابر أو أساسي، على مواجهة هذه الظاهرة ومعالجة أسباب تفاقمها في العديد من المجتمعات العربية، لا سيما بعد أن بدأت اتجاهات عديدة في توجيه انتقادات لبعض الأعمال الدرامية، بسبب الإشكاليات التي باتت تواجهها وتؤثر على ما يمكن أن تمارسه من أدوار في هذا السياق.
اهتمام ملحوظ
تبدي العديد من الشركات العربية المنتجة للأعمال الدرامية منذ سنوات اهتمامًا بإنتاج أعمال درامية تتناول ظاهرة الإرهاب في بعض دول المنطقة، كما تتسابق القنوات الفضائية على عرض هذه الأعمال بشكل حصري. وخلال هذا العام شهدت الدراما الرمضانية اهتمامًا واضحًا بقضية الإرهاب، فيما كان تنظيم «داعش» حاضرًا في أغلب هذه الأعمال، حيث يتناول مسلسل «غرابيب سود» تفاصيل الحياة اليومية داخل التنظيم في كل من العراق وسوريا.
كما يعالج مسلسل «قصر العشاق» سبل وآليات التجنيد للتنظيم، ويركز «حدائق الشيطان 2» على وسائل تهريب المطلوبين للعدالة إلى مناطق سيطرة التنظيم في العراق وسوريا.
فضلا عن ذلك، اهتمت أعمال درامية أخرى بتناول أنماط الأعمال الإرهابية المختلفة بعيدًا عن التنظيمات الإرهابية الكبرى، مثل حوادث اختطاف الطائرات في مسلسل «أرض جو»، ومحاولة تفجير مستشفى واحتجاز روادها في مسلسل «وضع أمني».
سلبيات عديدة
لكن رغم هذا الاهتمام الملحوظ، اتسمت معالجة الدراما، في بعض الأحيان، للقضية الأكثر إلحاحًا في المجتمعات العربية خلال الفترة الحالية بعدد من السلبيات، التي يتمثل أبرزها في:
- اعتياد مشاهد العنف: يتعرض المتلقي للأعمال الدرامية التي تتناول الإرهاب لمشاهد عنيفة طول وقت عرض هذه المسلسلات، وهو ما دفع الهيئة الوطنية المصرية للإعلام، على سبيل المثال، إلى وضع تنويهات على المسلسلات التي تحتوي على مشاهد عنف. ويرى العديد من الخبراء النفسيين أن هذا الأمر يسهم في اعتياد المتلقي على مثل هذه المشاهد وبالتالي عدم التأثر بها تدريجيًا، كما يكرس العنف المبالغ فيه.
ولعل استجابة الأفراد، في أحيان متعددة، لما يقع أمامهم من حوادث وإقدامهم على تصوريها بدلا من مساعدة ضحاياها بات أمرًا لافتًا ويستدعي التوقف أمام اعتيادهم على العنف وضحاياه، فيما يعزي ذلك، في جزء منه، إلى التعرض بكثرة للأعمال الفنية العنيفة حسب رأى بعض الخبراء.
- التركيز على الممارسات بدلا من الأهداف: ففي إطار محاولات كشف الأشكال والأساليب التي تتبعها التنظيمات الإرهابية لتجنيد مزيد من العناصر الإرهابية، بهدف التحذير منها والتنفير من وحشية العمليات الإرهابية وما تخلفه من ضحايا ودمار، فإن ثمة إغفالا للأهداف الرئيسية التي تسعى تلك التنظيمات إلى تحقيقها، فضلا عن مصادر تمويلها، وعلاقاتها بالفاعلين من الدول وغير الدول.
- إغفال الواقع: تركز كثير من المعالجات الدرامية على الأسباب التقليدية التي تدفع بعض الشباب للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، على غرار الفوارق الاجتماعية والتهميش الاقتصادي والفقر والبطالة، دون أن تتطرق إلى الظواهر الجديدة التي بدأت تتضح ملامحها في هذا السياق. فرغم أهمية هذه الأسباب، إلا أنها لا تنفي أن ثمة تغيرًا كبيرًا في أنماط المنتمين للتنظيمات الإرهابية خلال الفترة الماضية، حيث بدأت تظهر فئات من الشباب الذي تلقى تعليمًا أجنبيًا ويحظى بوضع اجتماعي مرموق. كما أن تلك الأسباب لم تعد تستطيع تفسير ظاهرة انضمام العناصر الأجنبية لتلك التنظيمات، والتي بدأت تثير قلقًا بالغًا من جانب الدول الأوروبية، على سبيل المثال، خاصة بعد أن تعرض بعضها لعمليات إرهابية في الفترة الماضية.
- غياب استراتيجيات إعلامية لمواجهة الإرهاب بصوره كافة: تأتي الأعمال الدرامية التي تواجه انتشار ظاهرة الإرهاب، على الأرجح، ضمن مبادرات فردية لمنتجيها، وليست نابعة من استراتيجيات إعلامية واضحة تتبني هذا الهدف، على الرغم من الدعوات المتكررة في المحافل الإعلامية العربية إلى ضرورة وضع مثل هذه الاستراتيجيات لمواجهة خطر الإرهاب إعلاميًا. ففي الوقت الذي سعت فيه العديد من الدول إلي إنتاج أعمال درامية لمواجهة هذه الظاهرة، أو إعداد برامج دينية للغرض ذاته، ينتشر، على سبيل المثال، نمط التخويف في العديد من البرامج الترفيهية التي تعد بندًا ثابتًا علي خريطة البرامج الرمضانية في بعض التليفزيونات العربية، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه سنويًا لمثل هذه البرامج التي عادة ما تنتج بمبالغ طائلة، فإنها مازالت مستمرة على النهج ذاته من تعريض الضيوف لضغط الخوف على حياتهم.
وفي هذا السياق، تعرض برنامج «رانا حكمناك»، وهو أحد البرامج الترفيهية الجزائرية على قناة «النهار» لحملة انتقادات قوية، بعد ما اتهم بممارسة «الإرهاب الفكري» تجاه أحد أبرز الكتاب العلمانيين الجزائريين، حينما أجبر فريق عمل البرنامج الكاتب رشيد بوجدرة على نطق الشهادتين تحت تهديد السلاح والاعتقال من قبل أفراد أمن مزيفين والتحقيق معه أمام الشاشة بشأن أفكاره الشيوعية المعروفة عنه، الأمر الذي أثار موجة من الغضب في أوساط الكتاب والمثقفين الجزائريين، الذين قاموا بوقفات احتجاجية أمام مقر سلطة الضبط السمعي والبصري تعبيرًا عن استيائهم من الإرهاب الفكري الذي تعرض له الكاتب بسبب أفكاره.
وفي النهاية، يمكن القول إن الاهتمام الكمي في حد ذاته لا يخدم هدف مواجهة ظاهرة الإرهاب من خلال الأعمال الدرامية، إذا لم يقترن هذا الاهتمام بوضع استراتيجيات إعلامية واضحة تتكامل أركانها لخدمة هدف المواجهة الفكرية أولا، دون الوقوع في إشكاليات قد تفرض تداعيات عكسية في النهاية على غرار الترويج للأفكار المتطرفة.