«عدد خاص» من صوت الأمة الورقى بمناسبة عيد الفطر المبارك
عطر النبى فى مصر.. «السيد البدوى» شيخ العرب جلّاب الأسرى
الثلاثاء، 27 يونيو 2017 01:00 مطلال رسلان
هناك كثيرون أيضاً شككوا فى حقيقته وحقيقة دوره، إذ يرون أن الرجل وحوادثه لم تكن سوى خطة من خطط إعادة إحياء الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية من جديد
على بعد نحو مائة كيلومتر من العاصمة المصرية القاهرة، تحديدا فى المدخل الغربى لمدينة طنطا محافظة الغربية، يقع واحد من أشهر المساجد بالمحافظة على الإطلاق، يتوسط المدينة، تأتيه أفواج من المريدين فى ذكرى مولده كل عام.
إنه مسجد العارف بالله أحمد بن على بن يحيى فاس 596 هـ/1199 م - طنطا 675 هـ/1276 م» إمام صوفى سنى عربى الشهير «أحمد البدوى، ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفيين، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء. لُقب بالبدوى لأنه كان دائم تغطية وجهه باللثام مثل أهل البادية، وله الكثير من الألقاب، أشهرها شيخ العرب والسطوحى.
ينتهى نسبه من جهة أبيه إلى الحسين بن على بن أبى طالب. وولد البدوى بمدينة فاس المغربية، وهاجر إلى مكة مع عائلته فى سن سبع سنوات، واستغرقت الرحلة أربع سنوات، منها ثلاث سنوات أقاموها بمصر. وعندما بلغ الثمانية والثلاثين من عمره، سافر إلى العراق مع شقيقه الأكبر حسن، ورجع بعد عام واحد إلى مكة، ثم قرر فى نفس عام رجوعه، الهجرة إلى مصر، وتحديداً إلى مدينة طنطا، لتكون موطن انتشار طريقته.
ينسب إلى البدوى العديد من الكرامات، أشهرها ما يتداوله العامة أنه كان ينقذ الأسرى المصريين الذين تم أسرهم فى الحروب الصليبية، ولذلك انتشرت مقولة فى التراث الشعبى المصرى هى الله الله يا بدوى جاب اليسرى، أى أن البدوى «جاء بالأسرى».
فى داخل المسجد ستجد أشعارا وكتابات نسبت للبدوى، غير أن المؤرخين لم يتأكدوا من هذه الكتابات، وأشهرها:
أنا صاحب الناقوس سلطان الهوى أنا فارس الأنجاد حامى مكة
أنا أحمد البدوى غوث لا خفا أنا كل شبان البلاد رعيتى
ثم الصلاة على النبى وآله والصحب ثم التابعين وعترتى
وكذا السلام مضاعفاً عد الحصى والرمل ما سار الحجيج لطيبةِ
فى مدينة طنطا كل عام يقام لأحمد البدوى احتفالان، أحدهما فى شهر أبريل يُسمى بالمولد الرجبى، والثانى فى أكتوبر وهو الاحتفال بمولده الذى يُعد أكبر الاحتفالات الدينية فى مصر على الإطلاق، حيث يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من 2 مليون زائر فى المتوسط خلال أسبوع.
يعتبر الاحتفال بمولد البدوى من أكبر الاحتفالات الدينية فى مصر، حيث تحتفل به 67 طريقة صوفية. ويقام فى منتصف أكتوبر من كل عام بمدينة طنطا الكائن فيها ضريحه بمسجده الشهير، ويقام لمدة أسبوع وسط إجراءات أمنية مشددة. ويتبعه الاحتفال بمولد إبراهيم الدسوقى بمدينة دسوق فى الأسبوع الذى يلى الاحتفال بالبدوى مباشرةً. وقد ساعد إقامة مولد البدوى كل عام فى ربط الشمال المصرى بجنوبه، حيث أن كثير من أهل الصعيد لا يزورون الوجه البحرى إلا فى موعد إقامة مولد البدوى، وعندما ينتهى فى طنطا يذهبون إلى دسوق للاحتفال بمولد الدسوقى.
وصف الشعرانى أحمد البدوى، فقال أنه كان غليظ الساقين، طويل الذراعين، كبير الوجه، أكحل العينين، طويل القامة، قمحى اللون، وكان فى وجهه ثلاث نقط من أثر مرض الجدري؛ فى خده الأيمن واحدة وفى الأيسر اثنتان. وكان أقنى الأنف، وعلى أنفه شامتان فى كل ناحية شامة سوداء أصغر من العدسة، وكان بين عينيه جرح، فقد جرحه ابن أخيه الحسين حين كان بمكة.
فى سنة 603 هـ/1206 م، عندما كان عمر أحمد البدوى سبع سنوات، هاجرت أسرته من فاس إلى مكة فى رحلة استغرقت حوالى أربع سنوات، وقد مروا بمصر فى طريقهم، وعاشوا فيها فترة تقدر بحوالى ثلاث سنوات.
وهناك بعض القصص الصوفية تقول إن على والد البدوى جاءه هاتف فى المنام أن: يا على، ارحل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة، فإن لنا فى ذلك شأناً. وقد توفى والده سنة 627 هـ/1229 م، وبعدها بأربع سنوات توفى محمد شقيق البدوى، فلم يبقَ من إخوته الذكور أحد سوى شقيقه الأكبر حسن، وهو الذى تولى رعايته.
وبحسب مصادر الصوفية، فإن البدوى قد لزم منذ صباه العكوف على العبادة، وتعود الذهاب إلى مغارة فى جبل أبى قبيس قرب مكة ليتعبد فيها وحده. وبقى هكذا حتى بلغ ثمانية وثلاثين سنة من عمره، حينها قرر الرحيل إلى العراق مع أخيه حسن سنة 634 هـ/1227 م.
طاف البدوى شمال العراق وجنوبه، وزار أم عبيدة بلدة أحمد بن على الرفاعى ومركز الطريقة الرفاعية، كما زار مقام عبدالقادر الجيلانى. حتى اشتاق أخوه حسن لرؤية زوجته وأولاده، فاستأذن أخاه أحمد فأذن له.
وهناك عدة أقوال فى سبب ترك البدوى لمكة ورحيله إلى العراق، فقد أكد الإمام الأكبر عبدالحليم محمود شيخ الأزهر السابق أنه لم يتصرف من تلقاء نفسه كعادة غيره من الأولياء، وأنه رأى رؤيا تأمره بالرحيل إلى العراق. كما ذكر آخرون أن أحمد البدوى أدرك أن مكة مع عظيم مكانتها أضيق من أن تتسع لطموحاته وآماله، ففكر فى الهجرة إلى بلد واسع الإمكانيات البشرية والمادية، فهاجر إلى العراق، خصوصاً أنه قد عاش على أرضها العديد من الأولياء، وقطبين من أقطاب الولاية هما أحمد الرفاعى وعبدالقادر الجيلانى.
واتجه أحمد البدوى بعد رحيل أخيه إلى شمال العراق، لزيارة ضريح عدى بن مسافر الهكارى صاحب الطريقة العدوية، والذى يقدسه أتباع الديانة اليزيدية ويعتبرونه إلهاً. وعندما كان بقرب الموصل حدث صراع بينه وبين امرأة اسمها فاطمة بنت برى. وبحسب روايات الصوفية، فإن المرأة كانت غنية وجميلة، ولكنها مغرمة بإيقاع الرجال فى شباك حبها. فحاولت أن تفعل ذلك بالبدوى لكنها لم تستطع، ثم حاولت أن تجرّه إلى الزواج بها، لكن فى نهاية الأمر يروى بعض المتصوفة أنها تابت على يديه، وعاهدته أن لا تتعرض لأحد بعد ذلك.
قرر البدوى الرحيل إلى مصر، وبالتحديد إلى مدينة طنطا، وقال عدد من الصوفية منهم عبدالوهاب الشعرانى أنه لم يرجع إلى مكة، ولكنه سافر إلى مصر مباشرةً لهاتف منامى قال له: قم يا هُمام وسر إلى طندتا. كذلك يتفق معه المناوى، ولكنه قال إن الهاتف المنامى قد قال للبدوى: قُم «ثلاثاُ» وأطلب مطلع الشمس، فإذا وصلته فأطلب مغربها، وسر إلى طندتا فيها مقامك أيها الفتى. وذكر المناوى أنه عندما وصل إلى مصر، استقبله الظاهر بيبرس البندقدارى بعسكره وأكرمه وعظمه، وكان ذلك سنة 634 هـ وهذا غير صحيح، لأن الظاهر بيبرس لم يتول حكم مصر إلا سنة 668 هـ، وكان يحكم مصر وقتها الملك الكامل محمد بن العادل.
وقد تعددت الآراء حول قرار البدوى الهجرة إلى مصر، والاستقرار تحديداً بمدينة طنطا، فقد قيل أنه قد يكون للبدوى فكرة عن موقع طنطا المتوسط بين مدينتى القاهرة والإسكندرية بوسط دلتا النيل، فاستقر بها لنشر طريقته بسهولة. وحسب مصادر الصوفية، عندما استقر البدوى بطنطا؛ أقام فى دار تاجر اسمه «ابن شحيط» ويُعرف أيضاً باسم «ركن الدين»، وسكن فوق سطح داره. وكانت داره قريبة من مسجد البوصة، الذى يُعرف الآن بمسجد البهى.
امتلأت كتب الصوفية بالعديد من الكرامات المنسوبة لأحمد البدوى، ويرى بعض الصوفية كالإمام الأكبر عبدالحليم محمود أن أكبر كرامة للبدوى هى أنه قد ربّى رجالاً، وكوّن أبطالاً مجاهدين. كذلك يرى البعض أن أكبر الكرامات هى أن يأخذ العهد على مريده بالتوبة والرجوع إلى الله وسنّة النبى محمد.
ومن أشهر الكرامات المنسوبة للبدوى، أنه كان ينقذ الأسرى المسلمين من أيدى الصليبيين أيام الحملات الصليبية على مصر، وظل اعتقادا شائعا بين الناس أن البدوى ظل ينقذ الأسرى بعد مماته إلى عصر متأخر، حتى أنه انتشرت مقولة بين العامة -ومازل الناس يتداولونها حتى الآن- هى: الله الله يا بدوى، جاب اليسرى، أى أن البدوى جلاب الأسرى، وأنه لم يكف عن ذلك إلا بطلب من «محمد سعد الدين باشا» الذى كان مديراً لمديرية الغربية فى أواخر عهد الدولة العثمانية.
ويقول بعض الصوفية، إن مسألة الأسرى تلك ترجع إلى واقعة تاريخية مشهورة، ذلك أن وزارة الأوقاف المصرية قد أرسلت بالسيوف والدروع التى غنمها الجيش المصرى من جيش لويس التاسع، الذى أُسر فى دار ابن لقمان بالمنصورة، لتخزن فى مخزن المسجد الأحمدى، فكان الدراويش وأتباع الطريقة البدوية يتقلدون هذه الدروع والسيوف فى مواكب الأحمدية، ويزعمون للناس أنهم الأسرى الذى جاء بهم البدوى من أوروبا، فلما تقدمت الأيام، قالوا إنهم سلائل أولئك الأسرى، [41] وكان من الغريب أن تترك الحكومة المصرية هذه الدروع والسيوف التاريخية نهباً للضياع فى يد العامة.
وينقد البعض أيضاً الكرامات المنسوبة للبدوى، لأن معظمها دُوِّن فى الفترات المتأخرة للعصر العثمانى، ويوصف أواخر هذا العصر فى مصر بالجمود والتأخر وانتشار الجهل، فقد أصبح التصوف وقتها أداة لكسب العيش، لأن من أهون الطرق استغلال جهل العامة والتلاعب بعقول الناس ومشاعرهم.
وكما أن هناك تشكيكا فى نسب البدوى وكراماته، فإن هناك كثيرين أيضاً شككوا فى حقيقته وحقيقة دوره، إذ يرون أن الرجل وحوادثه لم تكن سوى خطة من خطط إعادة إحياء الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية من جديد، فهى مؤامرة بلباس أهل البيت، ولكن عن طريق التصوف.
حسب الروايات الصوفية، كان لأحمد البدوى ميول نحو الزهد منذ صغره، حتى لقبه قومه فى طفولته بالزاهد. وقد لبس خرقة التصوف فى فاس على يد الشيخ عبدالجليل النيسابورى، وكان شقيق البدوى الأكبر حسن قد أخذ خرقة التصوف عن نفس الشيخ، فأخذ أخاه الصغير أحمد إليه ليلبسه هو الآخر الخرقة.