قطر من «سلفية» المنشأ إلى «إخوانية» العقيدة (دراسة)
الإثنين، 19 يونيو 2017 09:17 م
«قطر اليوم إخوانية التوجه، وجامعة بين المتناقضات، ولكنها رغم تخلَّيها عن السلفية في الداخل، إلا أنها توظف تعاملها التاريخي معها لتحدث من خلالها مشكلات في الدول الأخرى، وهي بذلك تستفيد في سياستها المكلفة من السَّلفيّة ومن الإخوان معًا».. كلمات اشتملت عليها دراسة للدكتور خالد عمر بن ققه الكاتب الصحفي الجزائري، بعنوان «صدام التوجهات: قطر الراهنة بين ميراث السلفيّة وأخونة الدولة».
الدراسة عرضها مركز المستقبل للدراسات المتقدمة، تقول إن المشهد الراهن في قطر في بُعًدَيه الديني والسياسي ليس حالة عابرة، كما يتصور بعض الباحثين والمراقبين، ذلك لأنه مُؤسَّس على رؤى ذات صلة بنشوء الدولة القطرية، حيث كان التوجه العام في الماضي يدفع إلى تطويع السياسية لصالح الدين، أي تديين السياسة، وهذا على عكس الحاضر، حيث تظهر جملة من التجليَّات والمواقف تُبرهن على تسْيِيس الدين، وأكثرها وضوحًا هو الوجود الإخواني في قطر، الذي تجاوز التعاطف إلى تبنّي المواقف، لدرجة أصبحت السلطات القطرية تراهن على موقفها هذا، ويبدو أنها غير مستعدة للتنازل عنه أو تغييره، بما يعني أنها تقضي على ميراثها الذي تأسست عليه، وهو السلفية.
الباحث طرح سؤالًا: هل قطر اليوم تجمع بين السلفية والأخونة أم أنها تلغي الأولى لتثبيت الثانية؟
يجيب الباحث: الظَّاهر أن قطر اليوم تجمع بين كل المتناقضات، بما فيها دعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية ومحاربتها، لكن هذا لم يعد حائلًا دون إدراك مجريات الأحداث على الساحتين المحلية والإقليمية، الخليجية تحديدًا؛ حيث التبنَّي الواضح لمشروع الإخوان المسلمين، أي أنه تحول إلى نهج دولة، وليس فقط جغرافية مناطق آمنة لقيادة إخوانية مطاردة أو مطلوبة من دولها.
وأشار الكاتب إلى أن قطر لا تزال تتحرك على نفس نهجها القديم عند بدايات نشوء الدولة، لجهة مشاركتها في أعمال خيرية داعمة للنشاط الإسلامي، لكن حاضرها مختلف عن ماضيها، فهي الآن تنشط، دعمًا وحضورًا، عبر فضاء السياسة ومكاسبها، وأيضًا ضمن حسابات دولية تحركها المصالح، مضيفًا في الماضي كانت، عبر مؤسسيها الأوائل/ يحركها البعد الديني لجهة الانتماء، ولذلك كان المؤسسون، ومنهم على سبيل المثال الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، متفقَّهون في الدين بسلفيّة تطبيقية، كما الحال في السعودية.
إرهاصات السلفية
واستعرض الباحث النشأة للسلفية القطرية، يقول: لقد عمل شيوخ قطر منذ الإرهاصات الأولى لتشكل الدولة في نهاية القرن التاسع عشر 1878، على السير على منهج السلف الصالح، ودور الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني - مؤسس دولة قطر - واضح في هذا المجال، حتى إن المصادر التاريخية تعرّفه بـ «الأمير الجليل التقي الفصيح الورع الزاهد الشيخ».
الواقع أن تجربة الشيخ قاسم الحياتية باعتباره المؤسس الأول تكشف عن مرجعيَّة سلفية مبكرة للدولة القطرية، وتتحدث المصادر التاريخية على أنه كان من الملتزمين بالمذهب الحنبلي، والمتحمسين للدعوة السلفية، وكانت الروح الإسلامية تبدو في سلوكه وأشعاره، وكان شغوفًا بالعلم محباً للعلماء، له اطلاع على كتب العلماء السلفيين مثل كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ محمود شكري الآلوسي.
وأضاف، ظلَّت السلفية متجذرة في قطر بناء على تجربة متراكمة، منذ الإرهاصات الأولى للدولة وإلى غاية إزاحة الشيخ حمد لوالده من الحكم عام 1996، وعمقتها العلاقات مع علماء الدعوة السلفية سواء في نجد السعودية مثل العلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، أو في العراق مثل الشيخ العلامة محمود شكري الآلوسي، وخلال تلك الفترة اختلط العمل الديني بالعمل السياسي، حيث إن بعضًا من شيوخ آل ثاني كان يقوم بنفسه بالدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلقاء خطبة الجمعة واستجلاب العلماء من نجد للقيام بأمر الدعوة وتوجيه الناس، وإرسال بعض القطريين من طلبة العلم للدراسة عند علماء نجد.
التَّخلص من التَّعبية
يكمل الباحث أنه بقدر ما كانت السلفية في ذلك الوقت، منذ نهاية القرن الثامن عشر وإلى نهاية القرن العشرين، مرجعية للدولة القطرية، مهيمنة على كل مسارات الحياة، وموجهة لعلاقة الحكام بالمجتمع من جهة، وعلاقتهم بدول الجوار وخاصة السعودية من جهة ثانية، بقدر ما أدت إلى تراكم الشعور بضرورة التخلص من التبعية السعودية، ومن خلال هذا الفهم علينا قراءة «أخونة» الدولة القطرية في الوقت الحالي، وما يتبعه اليوم من خلافات حادة في المنطقة، وأيضاً ما قد تؤول إليه الأمور في المستقبل.
وإذا كانت بداية التغير في الموقف القطري تجاه توظيف الدين، خاصة التخلص من السلفية، قد نبعت من محاولات واعية وهادفة للتخلص من نظرة ضيقة رأت في العلاقة مع السعودية تبعية، فإن رحلة الجمع بين المتناقضات استهوت العائلة الحاكمة منذ وصول الشيخ حمد بن خليفة إلى السلطة، وتمتعه بطموح غير عادي في الزعامة على مستوى المنطقة، ناهيك على أنه عمل من أجل تجاوز عقدة بلاده المتمثلة في ضآلة الحجم، وعدم قدرتها عن التأثير في السياسة الخليجية والعربية والإسلامية، وقد تعمقت أكثر مع تنازله لابنه الأمير تميم على الحكم.
وعلى مدار أكثر من عقدين، حاولت إمارة قطر أن تعيد صياغة أسسها الأيديولوجية وقناعتاها المذهبية، ومواقفعا السياسية، بما يتناسب مع دورها الجديد، وكان المدخل للتغيير هو جماعات الإسلام السياسي، خاصة «الإخوان المسلمون». وقد بدأ الأمر بشكل دعوي مثل جلب شخصيات دينية يغلب على كثيرين منهم التأثر بمنهج الإخوان، وكان واضحًا انقلاب منهج قطر الديني، التي ظلت وعلى مدى السنوات الطويلة الماضية سلفية المنهج، متأثرة ومستفيدة من علماء وقضاة المملكة السعودية.
لقد مثّل الإخوان بالنسبة لقطر مَخْرجًا عما اعتبرته سلطة دينية سعودية، وبدت للوهلة الأولى كأنها تجمع بين السلفيّة من خلال خطاب إعلامي موجه للخارج عبر قناة الجزيرة من ذلك بث شرائط أسامة بن لادن وقادة القاعدة، وفتح مكتب لطالبان، وتأييد الجماعات السلفية وأمرائها مثل أبو قتادة وغيره، والإشراف بشكل مباشر على ميليشيات ذات توجه سلفي في ليبيا.. إلخ، وتتمرس في الداخل من خلال تمكين الإخوان، أي تسييس الدين، ما يعني نهاية ميراث السلفية في قطر، وبقاء الميراث ذاته من خلال دعمه على المستوى العالمي.