مصيبة هذا الوطن أن المخرج غائب.. والجهلاء والحمقى يرتعون!
الخميس، 22 يونيو 2017 12:20 م
ليس فى السياسة، ولا فى الاقتصاد، ولا فى الاجتماع، ولا فى الفن، ولا فى الشارع هو غائب، وليس فى البيت، ولا فى البرلمان- الذى لا هو برلمان ولا هو غير برلمان- هو غائب بل هو شاحب الحضور فى كل هؤلاء، ومنعدم الحضور فى كثير من هؤلاء، المفارقة التى تورث الحسرة والغصة أن التسعين مليونا حضروا كلهم لابسين أدوار الممثلين والأبطال.
رغم أنهم اتفقوا على بطل أول، وضعوا فيه ثقتهم. البطل الأول بدوره احتار فى النص واحتار فى الواقع، فالتبس أمامه أهل العلم بأهل الجهل دسوهم عليه، وتبجح الجهلاء فانحسر العلماء، ولزموا جحور كرامتهم، لكى لا نكون لجأنا إلى الرمزية ونحن نملك الشجاعة ونملك الميزة، شجاعة النصح والقول، وميزة الحرية من فوق هذه المنصة الصحفية الإعلامية التى لا مراء فى وطنيتها، ثم هى حرية تتمتع بها مصر رغم التخرصات، فإنى أقول إن الرئيس السيسى يدفع ثمنًا باهظًا فادحًا من قبول الناس، رصيده الحقيقى فى إنقاذ مصر على يدى القوات المسلحة المصرية الشريفة وعلى يديه، جراء غياب الرؤية الشاملة ووضع الرجل «الخطأ» فى المكان «الصح» بنسبة ملموسة ومؤثرة.
نحن لا نشعر بوجود المخرج الذكى النابه شامل الرؤية، إلا فى إدارة شئون السياسة الخارجية، أما فى الداخل فإن الوضع مزرٍ ومخزٍ ومرتبكٌ، ونبدو جميعا كما لوكنا وضعنا داخل خلاط عملاق يخرط فينا ويقلبنا، غير أننا نستعصى عليه، لأن كل واحد تحصن بحجر العناد واستمسك برأيه ولو كان جاهلا، أو غير متأكد أو مدسوس عليه بمعلومات أو هو جزء من عمليات فيها مزايدات وفيها مناقصات، تستكمل مخطط الخراب الذى بدأه العملاء والبسطاء، اختلطا ببعضهما فى الهوجة السوداء يوم الخامس والعشرين من خسائر 2011.
الشارع فى فوضى عارمة، اتفق فيها الناس على أنهم هم القانون، فالطرق نهب للأسرع والأقوى والنقل العملاق، ولا تجرؤ أن تفتح فمك، لأن البلطجى وراء المرسيدس أو النقل بالمقطورة، أو الميكروباص سيعاجلك بلسان قذر من نبت قذر، ومعه سنجه أو مطواة أو سيف أو طلقة أو شومة! والأسواق والبيوت نهب للخطافين، يخطفون الأطفال بل والكبار لبيع الأعضاء، وواقعة سيتى ستارز جرت قبل أربعة ايام لخطف طفل من يد أمه عينى عينك، ولصوص فوق الموتوسيكلات ينتشون ويخطفون الموبايلات والحقائب، بل والأطفال، وينطلقون كالنسور الجارحة.
وكل مصرى قابع أمام عجلة قيادة فرحان كالأبله بالكلاكسات، يكبش بمجمل قبضته الغبية على السارينة وهات يا صفير، بمناسبة وبدون مناسبة، هو يصفر ويهاجم ويشتم، ولوكان فى سيارة فارهة أو فى توكتوك، انحطاط!
وفى أماكن العمل، لا عمل، بل تفنن فى قتل الوقت، نومًا وكسلًا وقبضًا، وثرثرة فى الأعراض، وتثاؤبًا.
لكن المصيبة الكبرى الكاشفة عن بشاعة ما نعانيه يوميًا، هو عملية إدارة ملف تيران وصنافير، إن إدارة هذا الملف الشائك هى ذاتها السبب فى انقسام الناس، والسماح لمن قادوا البسطاء إلى خراب الخامس والعشرين من خسائر 2011. ثلاثة أيام من السباب المتبادل والشتائم مدة مناقشة الاتفاقية داخل البرلمان الغامض السرى الذى لا يعرف الناس ما يدور فيه إلا باذنه. من ذا الذى يعلم ما فيه إلا بإذنه. وخلع السترات والتخوين والإهانات المتبادلة تحت القبة، سبقتها سنة كاملة تقريبا، تم فيها تداول قضية الجزيرتين فى ساحات القضاء، لحسم من يملكها، السعودية؟ أم مصر؟ ومع حسم القضاء لها، وأيا كان رأيى، فإن البرلمان بعد ذلك وعلى لسان رئيسه يقرر أنه لا يعتد بأحكام القضاء! يا إله السموات والأرض أغثنا! فيم إذن كل الوقت والهرى الذى استغرق عاما من بعد زيارة الملك سلمان إلى القاهرة! ألم يكن من الأجدر طرحها بعقلانية داخل البرلمان فى وقتها، قبل أن تضاف إليها أورام المواقف، ومضاعفات التوجيهات، والتباس الأمر على الناس.
هنا أيضا يغيب المخرج العبقرى شامل الرؤية، ولقد يمكن القول بطمانينة أن الدكتور على عبدالعال رئيس هذا المجلس، وأختار عمدًا لفظ هذا المجلس، هو الجزء الأكبر من المشكلة داخل البرلمان المصرى وتاريخه، ليس فقط فى طريقة إدارة ومناقشة مصرية الجزيرتين أو سعوديتهما، بل فى كثير من الملفات الداخلية، هو رجل علم يفتقد لآداب العلم وطقوسه ولغته ونبرته ولهجته ورصانته فى التواصل مع نواب الشعب، وهو رجل مستفز، وتذهب عواقب ومضاعفات لهجته وطريقته الاستفزازية، إلى من اختاره! إن المنصة التى يجلس عليها الدكتور على عبدالعال لا يليق بها، كما لاقت وهاءت لمن سبقوه، أساطين فى السياسة وأدب السياسة وسياسة الأدب والخطاب الاجتماعى، من السادات، وكان شابًا وقت ناصر، ومن المحجوب، وكان عقرًا وقت السادات، وكان سيد مرعى وكان رزينًا عليمًا، قويًا، ومن كامل ليلة، ومن صوفى أبو طالب، ومن آخرهم وأفضلهم وأستاذهم المعترف به دوليا الدكتور أحمد فتحى سرور، لا يعنينى اختلاف الناس عما فعل وعما لحق به قبل وبعد الخامس والعشرين من شهر الخراب، قبل ست سنوات، لكن يعنينى، أن هؤلاء جميعا كانوا رجال دولة، والذى اختارهم كان رجل دولة. وفيما يبدو فإن اختيار الأكفاء من المدنيين أصعب على قدرة الرئيس من براعته فى اختيار القادة الأكفاء العسكريين وهو منهم، وأعلم بهم، وبنقاء عطائهم، ولا ينتقص هذا قط من قدر وقدرة السيد الرئيس، فهما محفوظتان حبًا وامتنانًا له، لكن تلك هى الحقيقة، التى يشعر بها كل المحترمين الذين صاروا مرميين اليوم فوق الأرائك، يزفرون الحسرات على من يضللون ويفتون ويجهلون، متخذين ثياب العلماء والوطنيين. المسئول الأول عن دفع الجهلاء إلى الصفوف الأولى هم أصحاب الاختيار الذين يضعون الأسماء أمام القيادة السياسية، ولأن الفريق انكشف وبان عجزه وتخبطه فى الملاعب، ويكاد ينصرف عنه الجمهور إحباطًا، فان القائد بات ينظر فى كل الاتجاهات، ليلم الشمل حتى أرهقوه.
لم الشمل يا رئيسنا الغالى، أنقذت مصر من المغول والتتار من جماعة الإخوان، أنقذها من الجهلاء والسطحيين، واجمع قلوب الناس حولك فهى لا تحميك أنت فقط بل تحمى مصر بك، وتخلص ممن يطلبون الطلبات بصدر واسع ويحملونك الفاتورة، لو دفعتها أنت فنحن من سيسدد معك الكلفة الوطنية الباهظة.
التغيير فريضة وطنية، وأداء الفشلة والمغترين والمتبجحين والكسالى يعرقل اندفاعك الحميد إلى السرعة الرشيدة نحو بناء مصر القوية. أخطر ما فى ملف الجزيرتين هو غياب العقل والعين اللذين يريان أن الهدف هو تفتيت وحدة الشعب على صخرتين لا عشب فيهما.
إن ترامب المختلف عليه وسط شعبه، يتخلص أولا بأول ممن يمثلون عبئًا على إدارته ونجاحها، فما بالك يا رئيسنا وأنت جئت بقلوب الملايين، لم تختلف عليك، تسمح ولو بالصبر الطويل، لمن يسد بينك وبين الشعب بحماقته واستعلائه وجهله، مرة أخرى التغيير الآن واجب وحق.