متى يشبع العرب من الحروب؟
الخميس، 22 يونيو 2017 12:00 م
بعض الإخوان يقيمون فى دول الغرب جميعا ودول آسيا وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية وأستراليا، فهل تطاردهم السعودية والحلفاء؟
فى الحربين العالميتين، لم يكن للعرب فيهما ناقة ولا جمل، وبالرغم من ذلك لا يزال بعض الألغام تنفجر فى مصر من موقعة العلمين فى الصحراء الغربية.. وفى هاتين الحربين العالميتين، فقد العالم من 50 لـ100 مليون من البشر فضلا عن الجرحى، ولا تزال اليابان تعانى من الإشعاعات رغم مرور أكثر من سبعين سنة، على إلقاء القنابل الأمريكية على هيروشيما ونجازاكى.
ثم دخل العرب فى عدة حروب مع إسرائيل، نتيجتها النهائية زيادة مساحة الاحتلال، وخاصة فى فلسطين والجولان، وتشريد الآلاف من الفلسطينيين بشكل أخص، وتهديد المقدسات، ولم تتحرر فلسطين. وحارب ولا يزال العرب ضد أنفسهم فى اليمن والعراق وسوريا وليبيا والصومال هذا ما ظهر وما بطن كان أنكى.
لن أحدثك عن الخسائر فى تلك الحروب من الماديات، لأن فى العرب من لا يعبأ بالخسائر المادية، وما عليهم إلا أن يشتروا السلاح من الغرب ليقتلوا به أنفسهم.
هناك من يتوقع حرباً جديدة بين أخص العرب أى الأشقاء فى الخليج، وبعضهم يخفى أكثر مما يعلن «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ». هناك اتهامات لقطر أنها تدعم الإرهاب لأنها ساعدت وتساعد المقاومة، التى تخلى عنها كثير من العرب، وهاجر إليها بعض الإخوان كما هاجروا إلى بلاد أخرى من الخليج ومنها السعودية والإمارات والكويت والبحرين. لا يسأل العرب أنفسهم عن التدخل المسلح فى بلاد الأشقاء هل لأن التدخل المسلح غير المبرر فى بلاد العرب -هو عند بعضهم- ليس من أفظع الإرهاب!
وظلم ذوى القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد
القضية تكمن -وهذا الكلام للعلماء خصوصا فى المنطقة- الذين اجتمعوا من قبل فى مكة سنة 1990، لإقرار الاستعانة بالقوات الأجنبية ضد صدام حسين وعدوانه على الكويت، ولم يجتمعوا للحوار حول المشكلة.
هل يمكن أن يجتمع هؤلاء العلماء مرة أخرى، ليطفئوا نار الكراهية والحقد والظلم بين الأشقاء، ويطفئوا شعلة الارتماء فى أحضان الأعداء الحقيقيين للأمة، أو الاستعانة بهم مرة أخرى بعدما شاهدوا آثارهم المدمرة للأمة وثرواتها، وخصوصا ثروتها البشرية على وجه الخصوص.
الحرب التى يفكر بعضهم فيها اليوم أكثر دمارا من كل الحروب السابقة. ليس فقط بسبب التقنية المتقدمة ولا القواعد الأمريكية وغيرها الموجودة أصلا، بل لأن الصهيونية ستتمكن كما لم تتمكن من قبل، وستصبح هى أهم شريك، وربما القاضى فى المنطقة، وليست السعودية ولا غيرها.
الحل يكمن فى الحوار كما يطرح الداعون للتهدئة والمصالحة، وهذا صحيح ولكن الحل الأشمل والأوفق يا أمة الإسلام أو يا أمة العرب، يكمن فى الآيات الآتية إن كنتم تؤمنون فعلا بالقرآن الكريم الذى أنزله الله تعالى فى هذا الشهر المبارك «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، من هذه الآيات التى أذكرها هنا، ولعلها تصل إلى آذان العلماء، فيحملونها إلى آذان السلاطين والملوك والرؤساء، قوله تعالى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا، كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، هل يمكن أن تعيد قراءة هذه الآية الأخوة بين المتصارعين، وهل يعتصم الجميع بحبل الله حتى لا يتفرقوا.
القرآن أيها العلماء نزع العداوة من قلوب الكفار فأصبحوا إخوانا فما بالك بقلوب المسلمين فى الخليج.
هل يمكن للآية الأخرى -إن لم تردعهم الآية السابقة- أن تردعهم عن التفكير فى الشر أو السعى إليه، الآية الكريمة ينبغى أن تسيطر على القلوب المؤمنة «ولا تنازعوا فتفشلوا»، حتى لا يظن أحد منهم أنه سيكسب الحرب التى يفكر فيها. الفشل هو المصير. والفشل المتوقع أفدح من الخسارة التى سببتها زيارة ترامب (460 مليار دولار) لأنها خسارة ستدمر بل ستقضى على الأخضر (وهو قليل فى المنطقة) وتقضى كذلك على اليابس وهو كثير فى المنطقة أيضا.
أيها العرب وخصوصا أهل الخليج الكرام، أيها الشعوب أيها العقلاء فى المنطقة «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا»، فما بالكم بالشيطان الذى دعوتموه لاستغلالكم واستعداء بعضكم بعضا، كم كان الإمام الخمينى حكيما عندما قال «إن أمريكا هى الشيطان الأكبر». وعارضتم ذلك من قبل ولم تدركوه.
ما هو الضرر الذى يصيب العرب فى دعم أو مساندة قطر لحماس؟ أو استضافة بعض الإخوان كما تستضيفهم الدول الغربية جميعا؟ أقول عار على كل من لا يدعم حماس وفتح والجهاد الإسلامى، ويدعم المقاومة جميعا بما فيها حزب الله، ضد الاحتلال الصهيونى، أليس هذا الموقف أو مجرد السكوت أولى من مقاطعة قطر، والسعى لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت، قد يختلف بعضنا حول الموقف من الإخوان ولكن لا ينبغى أن يختلف أحد منا بشأن فلسطين وتحريرها.
ليكن درس توسعة الاحتلال والمستوطنات، وليكن درس القدس وإن تأجل كعاصمة لإسرائيل قليلا، ولعل درس الجولان يكون رادعا لمن يريد الحرب والسعى إليها أو يريد حصار قطر وكأنه حقق نصرا.
الأمة العربية مهددة فى كيانها وليس فقط ثرواتها ولا ينبغى أن يزيد العرب أندلسا جديدة فى المنطقة، والصلح خير، اجلسوا سويا وتعلموا الدرس من الجمهورية الإسلامية فى إيران التى كان الحوار مع الغرب والأمريكان مدعاة للوصول إلى حل بشأن النووى أيام الرئيس العاقل نوعا ما أوباما وليس الرئيس المجنون ترامب. حفظ الله تعالى بلادنا كلها.
ليكن شعاركم اليوم «الصلح خير»، وليكن شعاركم قوله صلى الله عليه وسلم «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق». ومن حسن الخلق والسعى للسلام والصلح ومراعاة حقوق الأخوة بينكم. ولكننى أطالب بدور واضح للعلماء وخصوصا علماء الخليج فى هذه الأزمة الطاحنة. إن لم يقنعنا ذلك كله، فهل نستمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشى، والماشى فيها خير من الساعى، مَن تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأً أو معاذًا فليعذ به».
بعض الإخوان يقيمون فى دول الغرب جميعا ودول آسيا وحتى بعض دول أمريكا اللاتينية وأستراليا، فهل تطاردهم السعودية والحلفاء؟ وهل تتهم الدول التى يعيشون فيها بالإرهاب؟ سيخرج من يقول الهلباوى لا يزال من الإخوان وأنا أقول، أنا لا أتبرأ أبدا من الدعوة الوسطية السلمية الشمولية التدرجية التى جاءت ملخصة ومجملة فى دعوة الإمام البنا رحمه الله تعالى، ولكننى بكل تأكيد أقف ضد العنف مهما كان مصدره إسلامى أو غير إسلامى، وأقف ضد انحراف قيادة الإخوان عن الدعوة والوسطية والنزوح نحو السياسة والسلطة بأوضاعها القائمة والصراع المقيت حولها. وأول إرهاب أقف ضده هو الإرهاب الصهيونى لأننى لا أريد أندلسا جديدة. ولا ينبغى أن يكون منا ولا بيننا نحن العرب، من هو أقل موقفا وشجاعة من جابرائيل فى ألمانيا أو جيرمى كورين فى بريطانيا أو جورج جالاوى أو كن ليفنجستون عمدة لندن سابقاً.
الجزئية التى يسعى إليها بعض حكام الخليج من مقاطعة قطر أو إيران وحصارها بدلا من مقاطعة إسرائيل وحصارها. هى مصالح جزئية فى نظر بعض المقاطعين وليست مصالح حقيقية. أرونى مصلحة واحدة من المصالح الكلية التى تتفق مع المقاصد (أقصد مقاصد الشريعة كلها المنصوص عليها فى القرآن والسنة).
السعى فى الحرب كله مفاسد بين الأشقاء وليس فيه مصلحة واحدة ولا فى المقاطعة، ولا فى الحصار لا للمنتصر ولا للمهزوم، فالكل مهزوم فى الصراع. فمتى يشبع العرب من الحروب؟ وللحديث صلة. وبالله التوفيق.