أشد مراحل الحروب، هى تلك التى تسبق الدقائق الأولى لوقف إطلاق النار، وأعظم مساعى الحكمة، أن تدرك مبكرا، متى وكيف ولماذا ستخسر الحرب. التدخل الأمريكى المباشر فى سوريا، يعنى أن واشنطن أدركت أخيرا، أنها لم يعد بإمكانها، أن تكسب الحرب، وأن خيار الحرب بالوكالة قد احترقت كل أوراقه، خاصة بعد أن التف الجيش السورى وحلفاؤه حول المنطقة المحمية (50 كم حول قاعدة التنف التى يحتلها الأمريكان وحلفاؤهم)، ثم كانت الخطوة الثانية بالتفاف الجيش السورى وحلفائه حول حدود مدينة ومطار الطبقة.
الجيش السورى بهذه الالتفافة، حاصر الأمريكان ومن معهم من ميليشيات القبائل من جهة الشرق، وحاصر الأمريكان ومن معهم من ميليشيات كردية من الوسط، وترك مساحة البادية الواسعة التى يحتلها تنظيم الدولة، بين فكيه، يحررها وقتما يشاء وعلى مهل، قبل أن ينتقل لنقاط التسوية الخمس التى أفردناها العدد الماضى.
ملحوظة: الأمريكان لن يسكتوا على عملية الالتفاف السورية، وسيدفعون ميليشياتهم بقوة، وعتاد وأسلحة نوعية، لكسر الحصار، ومحاولة التقدم نحو البوكمال الحدودية بأى ثمن، لكنى أعتقد أيضا أن الروس والسوريين يدركون هذا الأمر.
منذ أيام صدر تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن أمريكا خسرت الحرب فى سوريا، محذراً من أن عدم التوصّل إلى تسوية سلمية فى هذا البلد يُشكل خطراً على الأمن الدولى.
التقرير أشار أيضا إلى أن الولايات المتحدة ليس لها حتى الآن هدف محدد فى سوريا رغم إنفاقها مليارات الدولارات على عمليات الإغاثة والدعم العسكرى السرّى فى ذلك البلد خلال سنوات الحرب الماضية.
وقال المركز الذى يصنف فى المرتبة الأولى من بين مراكز الأبحاث الدولية فى العالم والمتخصص فى المسائل الأمنية والدولية، إن الولايات المتحدة لن تفوز فى سوريا ولا مجال لأى طرف آخر معها للانتصار، لكن فى حال تركت الحرب تشتعل هناك فإن القوى المتشدّدة والمتطرفة ستتوسّع وتزداد قوتها بشكل كبير.
التقرير الذى شارك فى إعداده رئيس المركز والمدير التنفيذى جون هامر الذى شغل منصب نائب وزير الدفاع السابق قال: فى حال حدوث ذلك فإنه لن تكون هناك مشكلة فحسب بل خطر على الأمن الدولى.
أخطر ما كتبه المركز فى تقريره كان الجزء الأخير، الذى قال فيه إن الأدوات العسكرية الأمريكية لن تحلّ المشكلة فى سوريا، لكنها يمكن أن تهيئ المناخ للمفاوضات التى قد تؤدّى إلى إنهاء المشكلة.
وهنا تكمن الخطورة، فكل الأطراف مؤمنون بأن التسوية قادمة لا محالة، لكن الصراع يدور حول الأوراق التى يسعى كل طرف لتكون فى حقيبته، قبل الجلوس على مائدة التسوية.
حتى داخل الجبهة الواحدة، الكل له أوراق، بقدر وحجم مصالحه، ووجوده على الأرض، ويبدو أن الأزمة الخليجية سوف تلقى بظلالها، على تلك التسوية القريبة.
العجيب، أن تنظيم الدولة الذى يستأسد على الجيش السورى وحلفائه، يبدى رعونة منقطعة النظير، أمام الأمريكان ومن معهم من الأكراد فى الشمال وميليشيات القبائل فى الجنوب الشرقى، تماما كما حدثت الرعونة ذاتها مع الأتراك عندما سلموا شمال حلب «تسليم أهالى» لميليشيات درع الفرات.
وقبل أن يجلس الأطراف على المائدة، فإن ملفات إعادة التعمير، ستكون قد حسمت، خاصة فى المناطق ذات المصالح الاستراتيجية، مثل حلب، ودمشق، والقلمون، ودير الزور، أتمنى أن تنتبه القيادة السياسية المصرية، أن موطئ قدم للشركات المصرية هناك سيكون من أهم أولويات الأمن القومى المصرى.