في مظلوميّة المرأة
الخميس، 15 يونيو 2017 03:18 ص
مُبتدأ القول وافتتاحيته، التذكير بأن المرأة هي الأم والأخت، الخالة والعمّة، الزوجة والابنة، هي من تحت أقدامها الجنة، هي من حملت أبنائها وهنًا على وهن، هي أحق الناس بالرعاية وتسبق الأب في ذلك. رغم جمعية ما سبق وأكثر منه، فإنّ المرأة في التطبيق المصري الشرقي لم تحظ بكامل حقوقها، ولم تعط مكانتها التي أرادها الله لها، بل على العكس من ذلك، ظُلمت ظلمًا بيّنًا، استطال هذا الظلم لكل مراحل حياتها.
دعونا نتتبّع تلك المظلوميّة المستدامة، لا نقول منذ نعومة أظافرها ولكن منذ اللحظة التي يعلم فيها الأب والأسرة والمحيط المجتمعي بأن الحمل أو المولود بنت! الأديان السماوية الحنيفة، لم تفرّق البتّة بين الرجل والمرأة، ولم تدع لذلك، بل العكس من ذلك هو الصحيح، فنجد تكريمًا خاصًّا للمرأة في كتب الله المقدسة، والتأكيد على أن الذرية هي هبة الله وعطيته، ولا فرق بين ذكر وأنثى إلّا بالتقوى والعمل الصالح، فالآية التاسعة والأربعون من سورة الشورى، وهي قوله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50﴾. والهبة هي عطاء من يملك لمن لا يملك، لأسباب ارتضيها الواهب، ولعلة يعلمها هو، أمّا الموهوب له، فعليه بقبول الهدية، بل وشكر الواهب، إنما النقيض هو ما يحدث، تقام صرادك العزاء، ولطم الخدّ وشق الجيب، لا لشيء إلا لأنه ابتلي – رُزق – ببنت! لو علم الموهوب له بهذه القاعدة الإيمانية، لما ظلم المرأة يومًا قط.
يطال الظلم، ويبلغ الظلم منتهاه بتحميل الزوجة مسؤولية إنجاب إناث، ثم يتضاعف الظلم والعدوان على البنت في تسميتها بأسماء ذكور، ومن إلباسها لباسهم، وذلك نكاية فيها وجزاء ما اقترفت يداها! إن الترجمة الحرفية لمثل تلك ممارسات بغيضة، وأفكار متحجرة، فوق أنه اغتيال للطفولة فهو جريمة مكتملة الأركان في حق نفس بشرية، تتحسس أولى خطواتها في دنيا الظلم والجهل.
يستمر مسلسل الجهل والتخلف ملازمًا للبنت مع كل يومٍ تعيشه، فبدءًا من تمييزها سلبًا عن إخوتها البنين، نجد صغيرات يكدنّ لم يكملن العاشرة وقد ألزمهن والدهن بالنقاب! أي عقل وأي دين وأي منطق يحيا به البعض. المعاملة التفضيلية للذكر على قالة أنه رجل، ولا داعي لمقارنة البنت به، تتمادى في غيها حتى تصل إلى حرمانها من التعليم ومن الميراث، ولقد شاهدت في طفولتي بمحافظة كفر الشيخ، من حَرَّم ورث البنت، لا لشيء إلا لكونها بنت لا تحمل اسم والدها، وهذا ظلم آخر، فمن قال أن البنت لا تحمل اسم والدها؟ فعلى سبيل المثال في المجال الأكاديمي والبحثي، نجد رائدات تفوقنّ على آلاف الرجال، ولا أريد أن أذكر هنا أسماء فضليات أعرفهن، حتى لا نشخصن الموضوع، لكن من منّا لا يعرف بنت الشاطئ عائشة عبدالرحمن، رضوى عاشور، سميرة موسى وغيرهن من الفضليات الرائدات الخ.. واللاتي خلدّن أسماء آبائهن.
نستمر في إيذاء البنت معنويًا بإجبارها على تخصص دراسي لا ترغبه، أو بحرمانها من التعليم، والحجة في الأول والآخر أنها بنت. ثم تأتي مرحلة الزواج، مرحلة تسلّع المرأة، وبيعها في سوق الجواري، والمزاد مقام لمن يدفع أكثر، ولربما تباع لرجل ستيني وهي لم تكمل ربيعها الرابع عشر بعد! أغلب الأحيان خاصة في مجتمعاتنا الريفية، البنت لا يؤخذ برأيها في شريك حياتها، بلغ الخطب مداه، في بعض الأحيان لا تراه ولا يراها، نضرب عرض الحائط بشرع الله من أجل أفكار الجهل والتخلف.
لعلّ ما هو آت لأشد صنوف الظلم ولأبشع أنواع العذاب والقهر، في بعض المجتمعات الريفية والصعيدية بالأخص هناك ما يعرف بالدخلة البلدي، ومفاد تلك الجريمة هو أن تقوم الداية ″الجاني″ بفض غشاء البكارة للعروس ″المجني عليها″ وذلك في حضور الزوج ″سي السيد الحمش″ ولربما بعض من الأهل والأقارب ″شهود الزُّور″، في مشهد بهيمي، ومسلك حيواني بامتياز، مع الاعتذار للبهائم فاقدي العقل.
ولعلّ من مظلوميّة المرأة أيضًا نعت صوتها بالعورة، ومناداتها باسم الزوج أو الابن، ولا أدري من أين جئنا بمثل تلك بدع! وإذا كان لذلك نصيب من الصحة، فكيف عرفنا أسماء زوجات الرسول الكريم، أمهات المؤمنين، وكيف عرفنا اسم والدة المسيح، السيدة مريم العذراء، وآسيا امرأة فرعون وغيرهن من اللاتي أثرينّ الحياة الانسانية... ألا نخجل من أنفسنا؟ صحيح هناك كثير من الآباء والأمهات يبتهجون بمناداتهم بأبو فلان أو أم فلانة، لكن لا ينبغي أن تكون القاعدة، ولا ينبغي أن نسلب الابنة حقها في اسمها ومناداتها به.
تستمر وتيرة الحياة على هذا النحو ولعلّ ظاهرتا الطلاق والترملّ ونظرة المجتمع الآثمة للمرأة، وعينه المتلصصة، محملًا إياها المسؤولية الكاملة عن الطلاق بسبب سوء تصرفها أو لعدم الانجاب المطلق أو للذكور، وعن الموت بحجة أنها فأل شؤم! كل ذلك يعد تماديًا ممقوتًا في ظلم المرأة، سيّما وأنّ واقعتي الطلاق والترملّ يحيلانها إلى مواطنة درجة ثانية.
لا فرق البتة بين المرأة والرجل، إنما يتوجب النظر إليهما على أنهما متكاملان، فالرجال شقائق النساء، للرجل مجالات هو رائد فيها، لا يقوى البنيان الأنثوي على مزاحمته، الكفاءة والمساواة هما ما يجب أن يسود في شتى المجالات. أن تكون هناك مهن ووظائف معينة حكر على الرجل، لا يعد ذلك إخلالًا بمبدأ المساواة، فالالتحاق بالجيش ونيل هذا الشرف، لا تتفق طبيعة التدريب والاستعداد وحمل السلاح مع بنيان المرأة. لكن نجد لها مكانًا كطبيبة، كممرضة في الجيش أيضًا وهكذا...
على المرأة أيضًا ألا تطغى في مزاحمتها للرجل في ميادينه، وعليها أن تعي أن الاحتماء بالطبيعة البشرية لهو الملاذ الآمن لها، وعلى الرجل أن يستدعي رجولته، بألا يضيق على المرأة وبألا يظلمها.
وثيق الصلة بمسألة حقوق المرأة، إجبارها على ارتداء النقاب، وفي مثل ذلك مسلك، ظلم متعدٍ، فبالإضافة إلى ظلم المرأة، وجعلها تعيش في عزلة وانغلاق، فيه تحميل للدين بما ليس فيه، فبأي حقٍ نتقول على الله؟ وبأي حق نبتدع في الدين؟ موقف البعض من المرأة جعله يتجرأ على الدين، وأن يسند إليه ما ليس فيه.
ليست دعوة مني لتسترجل المرأة أو ليتأنّث الرجل، إنما مقصدي ومرماي هو ضبط الميزان، ونصرة المظلوم، وإعطاء كل ذي حق حقه.
أما حان الوقت للاعتذار للمرأة!
أما حان الوقت لإنصاف المرأة!
أما حان الوقت لإنزالها المنزلة التي تليق بها!
أما حان الوقت لتكريمها وتغيير النظرة إليها!
أما حان الوقت للتخلي عن ذكورية مزعومة!
أما حان الوقت لأن نرْفق بالقوارير!
أما حان الوقت لنقف جميعًا تحيةً وتقديرًا للمرأة!