الصلاة في أرض الكنانة
الجمعة، 02 يونيو 2017 02:07 ص
إذا بحثنا في المشترك بين الأديان ، نجد أن البشرية جميعاً تجتمع على عبادة الله عز وجل والتقرب إليه، ولكل فرد أدواته ووسائله وخصائصه في أداء عبادته طبقاً لعقيدته.
وقد بدأت العبادة منذ اللحظة الأولى التي نشأ فيها الخلق، في صورة الأمر الإلهي للملائكة بالسجود تسليماً وطاعة لخلق الإنسان. والأديان جميعاً - الوضعية منها والسماوية - تتخذ من الصلاة وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل بالمناجاة والدعاء والخشوع والتضرع إليه سبحانه وتعالى .
ولما كان المصدر واحدًا في الديانات جميعًا فقد جاء السجود لله قاسما مشتركا بينها وفي ذلك يقول المفكر الإسلامي الأستاذ أمين الخولى: أن وحدة الأديان التي كان الإسلام واضح الدعوة إليها فى إعلان أنه أنزل إلى النبيين مثله وأوحى إليه كما أوحى إلى من قبله، فلا مكان فى ذلك للقول ، بأن هذا الدين قد أخذ من ذاك، أو ان هذه ، قد شابهت تلك، لأن الكل فى بيان القرآن ، واحد المصدر .
وبداية من آدم عليه السلام ومرورا بجميع الانبياء والرسل، ووصولا إلى خاتم الأنبياء والشرائع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، تمثل الصلاة توجه سائر البشر والمخلوقات لخالقها بالدعاء والتوسل والخضوع ويؤكد ذلك قول الله تعالى:أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُعَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(النور: ٤١)
وكان ادم عليه السلام يتوجه لله سبحانه وتعالى بالدعاء والاستغفار والتوبة، وعاش نبي الله إدريس عليه السلام في مصر قبل عصر مينا بقرون عديدة ، حيث كانت مصر تملك معارف رياضية وفلكية وطبية ، وأيضًا نظم سياسية واجتماعية خاصة في منطقة ادفو التي ولد بها إدريس عليه السلام .
وسيدنا ادريس عليه السلام هو أول من خط بالقلم، وأول نبى نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحى ، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة ، وأمر قومه بالصلوات وغلظ عليهم فى الطهارة، و قد ارتبطت الصلاة وتعاليمها عند قدماء المصريين بنبى الله إدريس عليه السلام .
وعرف الأذان عند قدماء المصريين ويؤدَّى من مكان مرتفع، ويذكر ويل ديورانت أن قدماء المصريين هم أول من أنشأ نظام التقويم لتحديد مواعيد الصلاة.
وقدماء المصريين هم أول من عرف ومارس الطهارة، والتطهر عندهم يكون قبل الصلاة بالوضوء، يقول العالم الكبير د. نديم السيار أن قدماء المصريين هم أول من عرفوا ومارسوا الطهارة وهى لديهم فرض واجب كما مارسوا الوضوء وتثليث الغسل (أي الغسل بالماء ثلاث مرات ) ، كما عرفوا القبلة من تعاليم إدريس عليه السلام وكانت قبلتهم الجنوب.
وكانت الصلاة تبدأ بالوقوف في وضع التكبير، ثم وضع الكف الأيمن فوق الأيسر، ثم الركوع رمزًا للخضوع والاستسلام لله، ثم السجود ، ثم القعود وهو يشبه القعود الأخير فى صلوات اليهود، ووضع التحيات عند المسلمين.
والصلوات عند قدماء المصريين ثلاث : الفجر "الصبح" ، والظهر والعشاء، وقد عرف قدماء المصريين الفيوضات الروحية والبكاء في السجود خضوعا وخشية لله.
وعرفوا الصلاة الجماعية و صلاة الأعياد وصلاة الجنازة على الميت طبقا لتعاليم ادريس عليه السلام .
كما أن لفظ آمين المتعارف عليه في الديانات السماوية الثلاث، كان مستخدما عند قدماء المصريين حيث كانوا يعتقدون بوجود ملاك يدعى "مين" يختص بتوصيل الدعاء إلى الله وحرف النداء " آ" يعني "يا" أي " يا مين أوصل دعائنا"
كذلك فإن قدماء المصريين هم أول من عرف التسبيح وأول من استخدم السبحة، وكانوا يستخدمون التسبيح بنفس اللفظ (سبح) المعروف الآن الذى دخل اللغة العربية من لغة أهل مصر.
وكانوا يعتقدون أن كلمات التسبيح والحمد سوف توزن يوم الحساب،
وهو تعظيم وقيمته العظمى يوم الحشر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
ومن خلال عرضنا السابق حول عبادة الصلاة ، وأنها الوسيلة التى تجمع البشر بالتوجه إلى الخالق متضرعين ومتوسلين وراغبين فى قربه ، خائفين من عقابه ، وطامعين فى رحمته، وراجين قبولهم عنده، يتبين لنا كيف كانت أرض المصريين مهدا للصلاة والتضرع والدعاء والخشوع ، حفظ الله أرض الكنانة ، هذه الأرض الطيبة ، وأفاض عليها نعمه الظاهرة والباطنة ، وحماها من كل سوء.