الجثث مجهولة الهوية.. شهداء مقابر الصدقة

الجمعة، 02 يونيو 2017 10:08 م
الجثث مجهولة الهوية.. شهداء مقابر الصدقة
ارشيفية
هبة جعفر

الساعة لم تصل السابعة.. بالكاد الحركة عادت لتدب من جديد بالشارع الخلفي.. الموظفون يتأبطون جرائدهم وحقائبهم، والتجار يأذنون إلى محالهم باستقبال المارة، وحدها جلست بلا أنيس ولا جليس، تنتظر أحدهم ليطل عليها، فتسأله عن فقيدها، الذي سمعت بالأمس أنه كان متواجداً بالقرب من موقع التفجيرات الإرهابية. 

ما إن رأت طيفه يسبقه، حتى تهللت أساريرها، ونسيت فجيعتها، فذلك القادم مؤكد أنه معه سر فلذتها، سارعت إليه، وبلهفة قالت: «انت شغال هنا يا اخويا.. ابني مش لاقياه من يومين.. كان قريب من مكان التفجير.. لفيت الدنيا عليه ملقيتهوش.. قلي يا اخويا لو جه هنا.. خليني اشوفه.. مش عاوزة غير أشوفه، وأصلي عليه».

لم يكن الموقف الأول، الذي يتعرض له الطبيب الشاب، الذي التحق بمشرحة زينهم، منذ سبع سنوات، وبطبيعة الحال لن يكون الأخير، ولكن كيف سيهدأ من روع الأم المكلومة، فالجثث التي تم تعرف عليها، كلها خرجت منذ الليلة، ولم يتبق سوى خمس جثث، متفحمة، لا ملامح بها، ولا فرصة للتعرف عليها بأي شكل كان 

الموقف الذي عايشناه، عشرات المرات أثناء تغطيتنا للأحداث على مدار السبع سنوات، قادنا للبحث والتنقيب، العدد والكيف والمصير، السطور المقبلة، تجيب عن تلك الأسئلة وغيرها، التي طرحناها على المسئولين، بمشرحة زينهم.

تزايد الأمر مع محاربة الدولة للإرهاب، فشهدت منطقة  سيناء العثور علي العديد من الجثث المجهولة، سواء لأنها محترقة أو لأنها بدون أوراق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتم التعامل مع الجثث مجهولة الهوية؟

 كشف مصدر بالمشرحة أن الجثث المجهولة، تصل إليهم من خلال النيابة ويتم التعامل معها، من خلال تشريحها وتصويرها فوتوغرافيا وترقيمها وسحب عينة "DNA" منها لاستخدامها فى حالة وصول أحد من الأهالي أو أقاربه من الدرجة الأولى للتعرف عليه، وحفظه داخل الثلاجات.

أوضح المصدر، أن الجثث المجهولة التى لا يتم التعرف على أصحابها يتم إخطار النيابة بها، ثم يتم استخراج تصاريح الدفن الخاصة بها، ودفنها فى مقابر الصدقة، على أن تأخذ الرقم نفسه المدون على العينة، التى أخذت منها لإجراء الحامض النووى ويتم وضع الرقم على المقبرة بمعرفة التربى, بحيث يكون من السهل استخراجها إذا تطابقت نتائج تحليل الأقارب مع نتائج تحليل العينة المأخوذة من الجثة.

أضاف المصدر، أن الصعوبة في التعرف علي الجثث مع طول مدة تواجدها بالمشرحة وعدم التعرف عليها، يزيد من فرص الجريمة خاصة أن المشرحة لا تملك وسيلة تستطيع من خلالها نشر صور الجثث المجهولة، كما أن التشوهات التي توجد ببعض الجثث، تعيق التعرف عليهم، وبالتالي يتم تركهم لفترة داخل المشرحة بالثلاجات ومع تزايد الأعداد يتم اخطار النيابة للتصرف فيها، لان ذلك لابد أن يكون من خلال قرار النيابة وبعدها لا يمكن الوصول لهوية الجثة المجهولة أو القاتل مرتكب الواقعة.

تستقبل المشرحة شهرياً  من 20 إلى 25 جثة مجهولة الهوية ويتم وضعها بالثلاجة المخصصة للجثث المجهولة  بعد عدة إجراءات لها بداية من أخذ عينات منها، وتصويرها جنائياً وترقيمها مع وضع كافة تفاصيل الواقعة وحالتها وتحاليل العينات عنها حتى يتم التواصل معها فى حالة الاستفسار عنها .

شهداء العمليات الإرهابية، تحاول الدولة التعرف عليهم وعلى هويتهم، ولكن في حالة عدم حدوث ذلك نظرا لأن ذويهم، لا يعلمون عنهم شئ فيتم حفظهم بالثلاجة بعد أتباع كافة الخطوات والتحاليل التى تكون نادرة ومكلفة وأخذ الصفة التشريحة ومعظم هذه الحالات تظل مجهولة.

كشف  الشيخ سعيد مغسل المشرحة، أن أصعب الحوادث التي مرت عليه طوال فترة عمله، كان قطار الصعيد وصل للمشرحة حوالي 360 جثة، كانت أغلبها متفحمة ومجهولة الهوية، وظلت لفترة طويلة متواجدة داخل ثلاجات المشرحة، حتى تم دفن المجهولين منهم بمقابر الصدقة، وكذلك عبارة السلام فبعض الجثث كانت عبارة عن اشلاء تم تجميعها والاحتفاط بها داخل الثلاجات وبعدها تم تجميعها ودفنها أيضاً.

يقول أحد المسئولين عن التشريح، إن البداية تأتي بإخطار النيابة بضرورة تشريح الجثة، للتأكد ما إذا كانت حالة الوفاة جنائية أم طبيعية، مؤكدا أنه لا يوجد أي ممارسات وحشية تتم في عملية التشريح، لأنهم يدركون ماهية عملهم ويقدرون حرمة الموت، وبالنسبة لملف الجثث مجهولة الهوية، فأكد أنهم يتعاملون معه الآن بشكل أحدث حيث تتم أخذ عينة من DNA للجثة تخطر بيها النيابة، حتى يمكن لأهالى الضحايا العثور عليهم، وكشف أن معظم الجثث مجهولة الهوية ومطموسة المعالم، ويتم العثور عليها إما مقتولة في الصحراء ومقطعة الأوصال أو لأطفال لقطاء، يتم التصريح بالدفن، بعد مرور شهر مراعاة لحرمة الموتى، وذلك بسبب تعفنها واختفاء ملامحها، وعن الجثث المحترقة، فإنها تختلف في الغسل والتدفين، حيث تيمم بالتراب فقط، وذلك للوجه واليدين والأرجل، وبعد ذلك تكفن الجثة ويتم رش الكافور أو ماء الورد على الكفن.

تبدأ رحلة البحث عن الجثة المجهولة، داخل مشرحة زينهم من خلال مكتب شئون العاملين، الذي يقع بجانب المدخل الخلفي للمشرحة، فيتم إبلاغهم ببيانات المتغيب، ويتم إبلاغهم  بمواصفات الشخص، الذي يتم البحث عنه وعليه يقوم المسئول بتقديم ملف، يتضمن  كل صور الجثث المجهولة الهوية بالمشرحة، وعند وجود تشابه بين  الصور والمتغيب،  يتم اصطحاب أهالي الشخص إلى المشرحة للإطلاع على الجثث،  وفي حالة التعرف علي الجثة يتم إجراء تحليل DNA للأهل وفي حالة التطابق، يتم تسليم الجثة لذويها.

 أوضح المسئولون بالمشرحة، أن أصعب فترة كانت خلال الثورة، لأن الآلاف من الأهالي كانوا يحضرون للمشرحة للتعرف علي الجثث المجهولة، وخاصة إن أغلب الجثث كانت تحضر للمشرحة بدون أوراق رسمية، كانت الناس تطلب الدخول لتحاول التعرف على الجثث،  لكن كان هناك مشاكل لأن المشرحة كانت مليئة بالجثث، وفى مراحل مختلفة من التعفن، ولايمكن التعرف عليها، ووقتها وجدنا صعوبات كثيرة في التعامل مع المواطنين.

كشف مصدر قضائي بوزارة العدل، أن غياب وسيلة التعرف علي الجثث بصورة حديثة تتواكب مع التكنولوجيا، يؤدي إلي دفن العديد من الجثث دون التعرف عليها، وأن هناك عدة إقتراحات مطلوبة لتطوير الطب الشرعي خاصة مع بناء مشرحة جديدة بتكلفة 300 مليون جنيه، منها إنشاء موقع الكتروني لنشر الجثث المجهولة لمساعدة الأسر فى الوصول إلى أقاربهم بسهولة خاصة أن هناك العديد من الأسر تبحث عن ذويهم الذين فقدوا فى الأحداث الماضية دون معرفة مكانهم أو معلومات عنهم.

وأضاف المصدر، أن فكرة إنشاء موقع متخصص لاقت قبولا كبيرا، من الوزارة لأنها ستساهم فى حل العديد من المشاكل، كما أنه يوفر عامل الوقت والجهد على المواطنين الذين فقدوا ذويهم، وأيضا علي أعضاء مصلحة الطب الشرعي، التى تعاني من وجود أعداد كبيرة من الجثث المجهولة، حيث أن مشرحة زينهم تستقبل من 20 إلى 25 جثة مجهولة شهريا، وأن حوادث الطرق غالباً ما تكون سببا فى الوفاة، وتظل لمدة شهر كامل فى المشرحة داخل الثلاجة، لحين انتهاء المصلحة من إجراءاتها بالحصول على عينة من الـDNA  الخاص بها وتحليلها وترقيمها والاحتفاظ بها وغيرها من الإجراءات، وبالتالي سيساهم في حل الكثير من القضايا والتعرف علي الجثث.

اقرأ أيضا:  

الأمن العام ينفذ 27 ألف حكم ويضبط 145 قضية مخدرات خلال شهر مايو

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق