أراضى الدولة وفوضى التريليونات!
الإثنين، 22 مايو 2017 12:00 م
إذا كنت جادًا فى التصدى لحل قضية ما فلا بد وأن تنطلق من «أولًا» أما إذا قررت لغرض فى نفسك البداية من «ثانيًا» أو عاشرًا، فأنت تهدر وقتك وأوقات أطراف القضية فيما لا يفيد، وتكون مثل الذى يقص أحداث فيلم من منتصفه ويحكم على مصائر أبطاله من مشهد عابر، وهذا للأسف حالنا دولة وشعبًا مع قضية ملتهبة بل ومصيرية ألا وهى قضية نهب أراضى الدولة.
لقد تابعت كغيرى هذا الملف المهم الذى حظى بتنبيه رئاسى واضح لا لبس فيه يدعو إلى استرداد أراضى الدولة من ناهبيها، ومن خلال متابعتى الفردية، فأنا لستُ جهة أو مؤسسة، رأيت العجب العجاب، وتأكدت أن هناك جهات تصر على البدء من «ثانيًا».
وكارثة البدء من «ثانيًا» تعادل العبث بمسرح الجريمة، فلا يعرف المحقق من المجرم ومن الضحية ولا كيف تمت الجريمة.
البدء من «أولًا» كان يعنى تقديم حصر دقيق بأقصى من نستطيعه من دقة، لمساحات الأرضى المنهوبة، فهل حدث هذا؟.
لقد حدث العكس، اقرأ معى ما صرح به الدكتور محمد عبدالتواب، نائب وزير الزراعة لشئون استصلاح الأراضى، الذى قال: إن 8 آلاف من واضعى اليد على أراضى الدولة تقدموا لتقنين أوضاعهم على مساحة 543 ألف فدان بمختلف المحافظات.
إذن وقف تصريح المصدر المسئول معنا 543 ألف فدان فى كل المحافظات، ولكنك بعد قليل ستقرأ وتسمع محافظة المنيا وهى تقول: إنها تقدّر مساحة أراضيها المتعدى عليها بـ330 ألف فدان!
تمهل قبل أن تفرح بقرب حل المشكلة، لأن ثمة تقارير منسوبة لمسئولين سابقين جاء بها أن المنهوب من أراضى الظهير الصحراوى لمحافظة المنيا بمفردها يقدر بـ 2 مليون فدان.
تمضى المشكلة إلى مزيد من الفوضى عندما تسمع النائب خالد الهلالى وهو يقول إن: محافظته كفر الشيخ منهوب منها 28 ألف فدان.
لو وضعت كل الأرقام السابقة فى جدول واحد سيطمئن قلبك إلى أن الجهات صاحبة الغرض قد بدأت من «ثانيًا» فلا وجود لحصر يطمئن إليه العاقل الذى سيأمر باسترداد الأراضى وسيطاع أمره.
فإذا تركنا فوضى حصر المساحات على أهميته وخطورته وذهبنا إلى العائد المادى الذى سيدخل إلى خزانة الدولة عندما يتم استرداد الأرض، ستجد ما هو فوق العجب، ستلاحظ أن الدولة لم تذكر رقمًا واضحًا محدد المعالم، ولأن الدولة تلتزم الصمت فسيصبح من حق كل واحد أن يدلو بدلوه، فالخبير الاقتصادى عبدالرحمن طه، قدّر العائد بما لا يقل عن تريليون جنيه، والمعروف أن التريليون هو ألف مليار، يعنى رقم ضخم جدًا.
أما النائب خالد الهلالى فقد قال تحت قبة البرلمان: إن هناك من ذهب إلى أنه فى حالة التقنين فى كل المحافظات وتمليك هذه الأراضى للمواطنين، سيدر مبلغا قد يصل إلى 2 تريليون جنيه.
الأمر هكذا يغادر خانة القضايا المهمة ويدخل إلى حيز المزاد، أو ساحة أفراح أنجال العمدة، عندما يقوم المحبون أو المجاملون بإطلاق أعيرة فى الهواء، لقد صعد الرقم بزيادة وصلت إلى 100 ٪ هكذا، ثم سبحان الله الرقم نفسه تضاعف عند الخبير الاقتصادى رجب أبو بكر الذى قال: إن استرداد هذه الأراضى وإعادة بيعها مرة أخرى أو استثمارها يمكن أن يدخل للدولة ما يزيد على ٤ تريليونات جنيه.
وبعد، فلو كنتُ أنا مسئولًا عن استرداد الأراضى فسأنفض يدى من الأمر كله وسأقول لمن حولى: اتفقوا أولًا على البدء من «أولًا» ثم تعالوا نضع خطط المواجهة، وبغير هذا الاتفاق فلا مجال للأحلام.