أبي الذي دفعني إلى الموت
الخميس، 18 مايو 2017 03:19 م
على حافة النهر، كنت أنتظر قدوم أبي من الشاطئ الأخر، هكذا قالت لي أمي: «أباك على الشاطئ الأخر من النهر سيأتي لك بسيارة حينما يأتي، أعود إلى البيت، الشمس تغيب، حتى تشرق مرة أخرى، في انتظار السيارة».
لم أكن أعلم أن تنظيم داعش الإرهابي يقبع في الجهة الأخرى من النهر خلف جدران المنازل يزعم أنها أرضه، وأن أبي هناك ولا تعلم أمي غير أنه يعمل وسيأتي إليّ بسيارة كما أخبرها.
تمر الأيام وطغى لون الدم على المياه، من كثرة سيلانها على الضفة الأخرى. حملها الموج، حيث أجلس، وبات الهواء متشبعًا برائحة الرصاص والقنابل، أجهشت أمي بالبكاء فهي تظن أن هناك حربًا حمي وطيسها، وأن أبي ليس بخير.
امتنعنا عن الجلوس كما اعتدنا مذ سافر أبي، غير أن دموع أمي لم تجف، في ليلة عمد شخص إلى باب المنزل بشدة، هرولت أمي لتنظر من الطارق؟، إذ به أبي «كث اللحية» يحمل سيارتي التي وعدني بها.
وقتها كان تنظيم داعش الإرهابي يتلقى هزائم كبيرة على الضفة الأخرى من النهر، غير أنه أعلن عن تصنيعه لقذائف ودمى أطفال تحمل مواد شديدة الانفجار، قال إنها تغنيه عن الانتحاريين نظرًا لنزيف عناصره المتتالي.
النوم الذي كان يطاردني لم يعد له وجود، فالسيارة الجميلة التي حملها أبي كانت كفيلة بذلك، حاولت اللهو بها، لكن ضيق مساحة المنزل حال دون ذلك. لم أكن أعرف سببًا لثقل وزنها.
في الصباح أيقظت أبي، لألعب بها أمام المنزل، لكن لم يعطيني «الريموت» بدعوى أن الطريق غير ممهد والرمال ستعيق ذلك.
الفيديو الذي بثته وكالة «أعماق» المنبر الإعلامي للتنظيم، وثقت تطوير التنظيم لحاملات عبوات ناسفة وألغام، على شكل سيارات الأطفال تعمل بـ«الريموت»، استهدف التنظيم عن طريقها «دبابة» للقوات العراقية وألمح أنه يغني عن الانتحاريين.
عرضت عليه الذهاب للسوق، وأن يأتي بالريموت معه، لكنه رفض أن أحمله حتى الوصول، ذهبت فرحًا إلى السوق في انتظار حمل الريموت لأجري وراء السيارة «عنّ عنّ». أخذني أبي من يدي حيث السوق وفي أخره «مرقد» لأحد أولياء الله الصالحين، تصادف وجودنا مع موعد الاحتفالات بمولده.
السوق كان يعج بالأهالي، والتواشيح الدينية تضج أنحاء المكان، وهو أمر كان يرفضه أبي، بدعوى أن ذلك شرك بالله وأنهم يعبدون إلهًا أخر من دون الله. داعش كان يقول ذلك أيضًا.
لم أكن أحب ذقن أبي «شعثاء» - طويلة وغير مهذبة، ولا تصرفاته، اقتربنا من السوق، وأخذ يشرح لي كيفية عمل السيارة، فطنت إلى تشغيلها وطلبت منه حمل الريموت.
قال لي أبي: هذا الريموت ولا تضغط على الزر الأحمر حتى تقترب السيارة من مرقد الإمام، بدعوى أن الطريق هناك مزدحم وستضيع محبوبتي الصغيرة.
حملت الريموت وأخذت أجري فرحًا وراء السيارة «عنّ عنّ»، وما اقتربت من المرقد تاهت بين مريدي الإمام، تذكرت أن أبي أمرني بالضغط على الزر الأحمر، كي تتوقف.
«بوووووووووم».. نيران كثيفة التهمت مقام الإمام وأشلاء تتطاير وجثث متفحمة، وتحولت التواشيح الدينية لعوويل نساء، فالسيارة انفجرت ولم أعد أرى أبي، الذي دفع بي للموت، دون أن أعلم.
تنظيم داعش فعل ذلك أيضًا في العراق، وفجر مراقد شيعية استخدم فيها الأطفال.
اقرأ أيضًا: