وجبات المجمعات الاستهلاكية تفتح "ملف الثقافة الغذائية"

الأربعاء، 02 ديسمبر 2015 07:27 ص
وجبات المجمعات الاستهلاكية تفتح "ملف الثقافة الغذائية"
الدكتور خالد حنفى وزير التموين

تفتح الوجبات الغذائية التي طرحت في المجمعات الاستهلاكية بأسعار تناسب المواطنين من محدودي الدخل "ملف الثقافة الغذائية" وهو ملف لا يخلو من طرائف ودلالات متعددة سواء في الشرق أو الغرب.

وتأتي هذه الوجبات التي تشكل علامة جديدة في الثقافة الغذائية المصرية وحظيت بإقبال شعبي واضح في سياق توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي للتصدي للغلاء ومواجهة ارتفاع الأسعار والمتاجرين بقوت الشعب وضرورة التحرك الفاعل لتخفيف معاناة محدودي الدخل.

وتقوم وزارة التموين بدور ملموس لتنفيذ هذه التوجيهات الرئاسية عبر سلسلة كبيرة من المجمعات الاستهلاكية لطرح وجبات غذائية متكاملة تناسب محدودي الدخل فيما تظهر تعليقات المواطنين حالة من الارتياح إزاء هذه الخطوة الإيجابية ومطالبات بضرورة تعميمها لتشمل كل المجمعات الاستهلاكية على امتداد ارض الكنانة.

وكان الدكتور خالد حنفي وزير التموين والتجارة الداخلية قد أعلن مؤخرا عن طرح وجبات غذائية متكاملة ومتنوعة عبر المجمعات الاستهلاكية فيما تكفي الوجبة الواحدة ، التي تباع بـ 30 جنيها ، أربعة أفراد وتشمل بروتينات كاللحوم أو الدواجن والأسماك فضلا عن النشويات والخضروات والفاكهة.

وفي قراءة لدلالات هذه الوجبات الغذائية رأت الكاتبة ماجدة الجندي في جريدة الاهرام انها تشكل "نقطة تحول" وتوضح نقاطا عديدة في مقدمتها فضح النظام الاقتصادي القائم على الاحتكارات وآليات السوق موضحة أن الدولة دخلت بآليات السوق ولكن بصورة عادلة بقدر ما تنطوي على إمكانية لبدء تصورات تصحيحية في مجالات أخرى للحياة المصرية.

وحسب بيانات منشورة فإن نسبة إنفاق الأسرة المصرية على الغذاء تصل لنحو 36 بالمائة من اجمالي دخلها فيما تلفت الكاتبة ماجدة الجندي إلى أن مستهلكي الوجبات الجديدة المطروحة بالمجمعات الاستهلاكية ليسوا فقط من محدودي الدخل وإنما من شرائح الطبقة المتوسطة التي باتت تعاني اقتصاديا.

وفيما أشاد الكاتب والمعلق الدكتور اسامة الغزالي حرب بتجربة توفير وجبات غذائية ملائمة وبتكلفة معقولة للمواطنين فقد تطرق للعادات الغذائية للمصريين "التي تعطي وزنا خاصا لتناول اللحوم" مشيرا إلى أنه زار بلدانا كثيرة "لم ير فيها هذا الولع باللحم".

وفي سياق مواجهة العادات الغذائية السيئة كان من الطريف والدال أن يدشن طلاب في كلية الإعلام بجامعة القاهرة مؤخرا حملة اليكترونية على صفحة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعنوان "اللذة المسمومة" وان تتوالى التحذيرات عبر هذه الصفحة من مخاطر المأكولات غير الصحية ومن بينها ما يسمى بالوجبات السريعة.

وإذ يستعيد البعض مقولة الزعيمة الهندية الراحلة أنديرا غاندي :"اننا نفضل الجوع ولانبيع شرفنا الوطني" فان قضايا الغذاء مطروحة دوما في ثقافات الشعوب كما أنها موضع دراسات عديدة من بينها دراسة أمريكية جديدة وطريفة حيث ذهبت الى ان بعض الرجال يكثرون من تناول "البيتزا" لمحاولة جذب أنظار النساء بإظهار امتلاكهم لقدرات غير عادية على هذا المضمار بينما لا تغير المرأة عاداتها الغذائية من أجل الرجال !.

وهاهي ليلى ابراهيم شلبي تكتب في جريدة الشروق القاهرية عن عناصر غذائية مهمة يؤدي نقصها وسوء الأحوال النفسية ومن بين هذه العناصر "الدهون الجيدة من مجموعة الأوميجا 3 والتي توجد بصفة أساسية في الأسماك الدهنية مثل السلمون وفي الزيت الحار" منوهة أيضا بأهمية الأحماض الأمينية الموجودة في اللحوم والبيض والأسماك.

وفي الموروث الشعبي المصري يكتسب رغيف الخبز أهمية كبيرة ويقترن أيضا "بالمؤاكلة بين الأصدقاء والخلان" أو مفهوم "العيش والملح" الذي يحفظه الأوفياء ويجحده الذين لا يقيمون للأخلاق الكريمة وزنا أو اعتبارا .

وللعالم والفقيه المصري الكبير جلال الدين السيوطي كتاب بالغ الطرافة عنوانه " منهل اللطايف في الكنافة والقطايف", وهذا الكتاب وضعه العالم المصري الكبير الذي توفي في القاهرة في شهر أكتوبر عام 1505 وكان نموذجا للمثقف الموسوعي في زمنه في سياق شكوى عامة للمصريين من ارتفاع الأسعار ومن بينها الحلوى.

وهكذا قال جلال الدين السيوطي ضمن ما قاله عن الكنافة والقطايف في هذا الكتاب رافعا شكوى المصريين للمحتسب :"لا عيب فيها غير أن محبها يبدد فيها ماله ويضيع" ويزيد القول:"ما قاضيا بالله محتسبا عسى ترخص لنا الحلوى نطيب ونرتع"!!.

ومع اقتراب احتفالات عيد الميلاد وبداية العام الجديد في الغرب تشكل "الديوك الرومي" عنصرا لا غنى عنه في موائد تلك الاحتفالات كما انها تدخل بعمق في الموروث الشعبي لثقافات الغرب سواء في اوروبا او الولايات المتحدة وها هي كاتبة وقاصة من "ابناء العم سام" قد أصدرت مؤخرا كتابا عن " أجنحة الديوك المشوية !!.

إنها كريستين ارنيت التي أصدرت مؤخرا كتابا عنوانه : " كيف تأكل أجنحة الدجاج" وهو كتاب ليس من كتب المطبخ بالمعنى التقليدي وانما يجمع بطرافة ما بين النظرة العلمية والمعالجة الثقافية وحتى الذكريات والتحيزات والميول الغذائية ومن يقرأه سيعرف قبل أن يلتهم جناح دجاجة كل شيء عن هذا الجناح الشهي ومفصلاته وموصلاته وأوتاره التي تصافح غضاريفه وعناق اللحم والعضم !.

والمؤلفة كريستين ارنيت وهي قاصة وكاتبة مقالات في الصحافة الأمريكية تتحدث في كتابها عن علاقة حب-كراهية تربطها مع هذه الأجنحة المشوية وتحكي عن مطاعمها المفضلة في أجنحة الدجاج وذكرياتها عبر السنين وافضل الأطباق والمشهيات المصاحبة من وجهة نظرها وحسب ذوقها أو ثقافتها الغذائية.

وللطعام والمطاعم مكانة يحتفى بها كثير من المبدعين في الغرب كما يتجلى على سبيل المثال في كتاب "أنا فيلليني" عن مسيرة المخرج والكاتب السينمائي الايطالي الراحل فيديريكو فيلليني حيث يصف علاقته الوثيقة مع الممثل الشهير مارشيلو ماستروياني وبطل فيلمه "حياة حلوة" بأنها بدأت من "علاقة مطعمية" !.

طريف ما يقوله فيلليني في هذا السياق عن علاقته بماستروياني :"كنا نلتقي عادة في المطاعم وكان يأكل الكثير من الطعام دائما وقد لاحظت ذلك لأن بيني وبين محبي الأكل صلة طبيعية ويمكنك أن تميز الشخص الذي يحب الطعام لا من خلال الكمية التي يستهلكها بل من خلال استمتاعه وتلذذه بما يأكل".

والواقع أن المكتبة الغربية تحفل بكتب جديدة تتناول بجدية وطرافة معا جوانب متعددة لثقافة الغذاء وهو شىء مختلف الى حد بعيد عن كتب المطبخ التى تصدر بالعربية وتحقق مبيعات عالية قد تثير لوعة كبار الكتاب او الطرق المبتكرة والوصفات المتعددة للمأكولات التى قلما تخلو منها صحيفة او مجلة عامة او قناة تلفزيونية.

وفى كتابه "الجغرافيا الثقافية" يؤكد مايك كرانج الأستاذ فى جامعة دورهايم البريطانية على "المعنى الثقافى" للطعام موضحا أن المأكولات علامات واضحة على الثقافات المختلفة حول الكرة الأرضية ويضيف إنه كثيرا ما يطلب من طلابه أن يتأملوا من أين جاءتهم آخر وجبة لأن اقتفاء أثر كل المواد المستعملة فى إنتاج تلك الوجبة يكشف عن علاقة اعتماد على عالم بأسره من العلاقات وشروط الإنتاج.

وقد لا يعرف البروفيسور كرانج أن الكثير من كبار المثقفين المصريين والعرب أطلقوا على الطعام الذي كانوا يتناولونه في بيت العلامة الراحل محمد محمود شاكر اسما دالا وطريفا وهو "طعام اهل الجنة" لما كانت هذه المائدة تتضمنه من ألوان الطعام الشهي كما أن كتاب البروفيسور كرانج لم يتطرق لقصة "البط الدمياطي" في رمضان.

فيندر أن تخلو أي مائدة إفطار في أول أيام الشهر الفضيل بهذه المحافظة المصرية من البط وبما يشكل بامتياز "ثقافة غذائية مميزة لأبناء دمياط" حتى ان النظرة الشعبية لعدم تناول البط في اليوم الأول من رمضان تعني أن هناك شيئا جوهريا مفقودا..إنها الخارطة الغذائية المصرية الراسخة والثرية والمتنوعة!.

ومن الدال حقا على علاقة الغذاء بالسياسة أو ما يسمى بالخارطة الغذائية للمنطقة العربية ما قيل عن أن مجلس الاتحاد المغاربي الذي يضم المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا يستند ضمن مقوماته لثقافة غذائية تتمثل في أن الدول الخمس التي تشكل هذا الاتحاد المغاربي تتكون من شعوب آكلة للكسكسي وتشكل ما يعرف غذائيا "بخط الكسكسي" فيما تنتمي شعوب المشرق العربي غذائيا على هذا الصعيد "لخط الأرز".

ويبدو أن أصحاب الخرائط التقسيمية الجديدة للمنطقة والمتربصين بالأمة العربية الواحدة سواء في مشرقها أو مغربها يريدون أن يتحول كل العرب لأيتام على مائدة اللئام كما يحذر العديد من المثقفين العرب في طروحات عديدة !!..فهل نجلس جميعا بثقافتنا الواحدة للمائدة العربية الواحدة حتى لا نتحول لأيتام العالم الجديد ؟!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق