ما معنى «تثبيت أركان الدولة؟»
الثلاثاء، 09 مايو 2017 12:00 ص
هذه فكرة كبرى، وهى مهمة مركبة.
وكما شرحتها من قبل تليفزيونيا وصحفيا، أعيد التذكير بثلاثة فلاسفة انجليز كبار.
هوبز، لوك، جون ستيوارت ميل.
هؤلاء جاءوا فى تاريخ إنجلترا بهذا الترتيب، وأى ترتيب آخر لم يكن لينفع، وحضارات المجتمعات القديمة بحاجة لهذا الترتيب أيضا.
أولا أبدأ بـ «هوبز»، وهو فيلسوف كبير تنسب إليه فكرة «الدولة التنين»، أى الدولة القمعية، التى يبررها شىء واحد، هو أن البديل هو «حرب الجميع ضد الجميع». لو كان الكابتن «هوبز» حيا لأشار إلى الصومال وأفغانستان ورواندا والبوسنة والهرسك، وربما لضحك وقال: «أنا صح، فى الأصل تكون الدولة لأنها هى الحاضنة والمحافظة على حقوق الأفراد حتى لو اضطر هؤلاء الأفراد للتنازل عن كل حقوقهم مقابل الحق فى الأمن والحياة، حتى وإن كانت حياة بلا حقوق سياسية». إذن عند «هوبز» الدولة الطاغية مبرَّرة إذا ما كان البشر غير قادرين على العيش معا بلا طغيان الدولة. وبالمناسبة الرجل لم يكن يحلم حين كتب هذا الكلام، فقد عاش أياما «أسود من قرن الخروب» فى القرن السابع عشر فى إنجلترا، حيث كانت الفوضى والقتل يعمان البلاد. وبنص كلامه: «بدون دولة قوية ومستقرة.. لا يكون فى هذه الظروف مجال لقيام المعرفة ولا اعتبار للوقت، ولا فنون، ولا أدب، ولا مجتمع، والأسوأ من ذلك كله انتشار الخوف المستمر ومخاطر التعرض للعنف المميت، وتكون حياة الإنسان حياة عزلة، وفقر، ورداءة، ووحشية، وتكون قصيرة»، الجملة الأخيرة مهمة. وهنا يأتى دور «جون لوك» الذى أيد ثورة مهمة فى إنجلترا اسمها الثورة المجيدة سنة 1688 من أجل الحد من طغيان الدولة المستبدة والملك الظالم بدعم برلمان قوى وحد أدنى من حقوق المواطنين. إذن «هوبز» هو فيلسوف الحفاظ على الدولة، و«لوك» هو فيلسوف بناء الدولة الديمقراطية عن طريق وجود برلمان منتخب وحكومة تساءل أمامه وتتعدد مراكز صنع القرار، فلا حاكم يأمر والباقى يطيع، ولا بد من احترام أحكام القضاء من قبل الحاكم والمحكوم. إذن، أهم أسلحة «هوبز» هى الحاكم القوى، والجيش والشرطة، وأهم أسلحة «لوك» هى الحاكم القوى أيضا ولكن معه البرلمان والأحزاب. ولكن الأمر تطلب بعد «هوبز» و«لوك» أن يكون هناك «جون ستيوارت ميل» زعيم الليبرالية «بمعنى التسامح السياسى والدينى والفكرى». جاء هذا الرجل بعد حوالى قرن من «لوك» ليقول للإنجليز والعالم فى كتابه الشهير «On Liberty»: نحن بحاجة للحقوق والحريات بعد أن استقرت الدولة، وبعد أن ظهرت مؤسسات الدولة الديمقراطية، لذا طالب الرجل بحقوق متساوية لكل الأفراد، رجالا ونساء، أحرارا وعبيدا فى الاعتقاد وفى التعبير وفى المشاركة السياسية. كما أن كتابه عن «مبادئ الاقتصاد السياسى» هى التى أعطت صك الغفران للدولة بأن تتدخل فى عملية توزيع عوائد الإنتاج بما يضمن عدالته وبما يضمن عدم إساءة استغلال العمال، وذلك من خلال فرض حد أقصى من ساعات العمل وحد أدنى من الأجر، وإعانات البطالة والضرائب المتصاعدة واضعا بذلك أساس ما يسمى دولة الرفاه فى الغرب.
ومن هنا فإن فضل الليبرالية على الديمقراطية أن جعلت عوائد الديمقراطية أشمل، وفضل الليبرالية على الرأسمالية أن ألحقت بها دولة الرفاه حتى يستفيد الجميع من منجزات المشروع الخاص والإبداع الشخصى. ومن هنا فإن قضية العدالة الاجتماعية أصبحت، بفضل الليبرالية، واحدة من القيم الغربية الأساسية. إذن عايز تقول إيه يا «مُع مُع» وجعت قلبى؟ راجى عفو الخلاق «مُع مُع الحلاق» يقول لك: لا تسألنى عن «ميل» «أى الحقوق والحريات» قبل «لوك» «أى المؤسسات الديمقراطية»، ولا تسألنى عن «لوك» «أى المؤسسات الديمقراطية» قبل «هوبز» «أى وجود دولة قوية مستقرة قادرة أن تبسط سلطانها وقانونها على بلدها». بعبارة أخرى، لازم يكون عندى جهاز كمبيوتر «دولة» قبل ما أفكر فى نظام التشغيل «الديمقراطية» وقبل ما أفكر فى نوعية البرامج التى أحملها عليه «الحقوق والحريات». وقد جربنا فى مصر لمدة عامين ونصف العام مطالب بالحقوق والحريات والدولة لم تكن موجودة أصلا ومؤسساتها ما تبنى إلا لتهدم فزاد الناس فقرا ومعاناة. مصر بحاجة للترتيب ده: هوبز، ثم لوك، ثم ميل، وبسرعة، لأن استمرار اللحظة «الهوبزية» سيكون مثل قائد الدراجة الذى قرر أن يقف فوقع من عليها.
هذا والله أعلم.