لماذا بابا الفاتيكان في هذا التوقيت.. والعائد؟
السبت، 29 أبريل 2017 11:59 ص
«زيارتي لمصر هى رسالة وحدة وأخوة».. بتلك الكلمات بدأ البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية زيارته إلى مصر والتي رفع لها شعار «بابا السلام في بلد السلام».
رئيس دولة الفاتيكان وصل إلى مطار القاهرة في تمام الثانية من ظهر أمس الجمعة، في زيارة وصفتها صحف عالمية «تاريخية»، التقى خلالها برئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل فور وصوله مطار القاهرة، حيث كان في استقباله وفد كنسي كاثولويكي.
فعاليات الزيارة
بدأت فعاليات الزيارة المقرر انتهائها اليوم السبت، بلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، في قصر الاتحادية بمصر الجديدة، استعرض خلالها حرس الشرف والسلام الجمهوري، أكد خلالها على أهمية الدور الذي تقوم به مصر في الشرق الأوسط، مثمنًا جهودها من أجل التوصل لتسويات للمشاكل الملحة والمعقدة التي تتعرض لها المنطقة والتى تتسبب في معاناة إنسانية كبيرة للبشر، بحسب السفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة.
لم تستمر المباحثات طويلًا، كغيرها فالفرق ساعة واحدة بين كل جولة وأخرى، فالبابا كان على موعد مع مشيخة الأزهر للقاء شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، رحب به الإمام الأكبر بقوله: «في وقت مهم ضاعت فيه معاني السلام، وفي وقت ندفع فيه ثمن الجرائم الإرهابية.. نرحب بكم ونثمن زيارتكم إلى مصر».
بعد انتهاء جلسة الترحيب انتقل الاثنان إلى «قاعة الأزهر للمؤتمرات» حيث «المؤتمر العالمي للسلام»، والذي بدأه الطيب بدعوة البابا والمشاركين دقيقة حداد.
الطيب يتجلى
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، إن الديانة المسيحية ليست دين إرهاب، بسبب حمل أصحابها للصليب، كما أن الديانة اليهودية ليست ديانة إرهاب، كما أن الغرب والحضارة الأوروبية ليست حضارة إرهاب بسبب حربين عامليتين مات فيها ملايين البشر، كما أن أمريكا ليست دولة للإرهاب بعد مقتل ملايين البشر بسبب قنابلها التي صنعتها، مشيرا إلى أنها انحرافات عن الحضارات.
وأكد أن السبب الوحيد الذي يبرر جرائم الإرهاب هو تجارة السلاح وتسويقه، وضمان تشغيل مصانع الموت، إضافة إلى ضمان الثراء الفاحش من صفقات مريبة تسبقها قرارات دولية طائشة، وأن المنطقة تعيش في مأساة إنسانية بالغة الحزن، موضحا:«لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن التاريخ لا يعرف لها مثيل من قبل».
وأضاف الطيب: «العقلاء وأصحاب الضمائر اليقظة لا يزالون يبحثون عن سبب مقنع وراء هذه المأساة التي كُتِبَ علينا أن ندفع ثمنها الفادح من أرواحنا ودمائنا، ولا يصلون إلى سبب واحد منطقى يبرر كوارث الإرهاب».
مصر بلد التآخي
قال البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، في المؤتمر العالمي للسلام إن «مصر أرض التآلف والتآخي، وفي مصر لم تشرق شمس المعرفة فقط، بل أشرقت شمس الدين أيضًا على هذه الأرض، فالأحداث الدينية أثرت تاريخ وحضارة هذه البلد».
«ندعو أن تشرق شمس أخوة جديدة على هذه الأرض التي تمثل مهد الحضارة والسلام»، مؤكدًا أهمية العيش المشترك و«هذا التآلف والتآخي أصبح ضرورة ملحة، وهناك جبل يرمز للتآخي في سيناء، وبدون دين سنكون كالسماء بلا شمس، ولابد من السعى للوصول إلى الله، والدين ليس مشكلة لكن الدين جزء من حل المشكلة، ولابد أن نتعلم كيف نبني حضارة الإنسان، والله يؤكد أنه لا مجال للعنف وهذا هو الهدف الرئيسي لمؤتمر السلام».
البابا يغرد
بعد انتهاء فعاليات «مؤتمر السلام العالمي لنبذ التعصب»، غرد البابا عبر صفحته الرسمية عبر موقع التدوينات القصيرة «تويتر»: «نحن نسير سويًا في طريق المستقبل، وكلنا إيمانِ أنه يعتمد على لقاء وتوافق الأديان والحضارات».
أحييكم بتحية المسلمين
بعد انتهاء المؤتمر توجه بابا السلام إلى فندق «الماسة» لحضور المؤتمر مع الهيئات السياسية والدبلوماسية بحضور رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، والذي ألقى خلاله كلمة قال فيها: «قداسة البابا نعتبر زيارتكم إلى مصر والتي تتواكب مع الذكرى السبعين بمثابة رسالة تؤكد ما ترتبط به مصر والفاتيكان من قيم اخلاقية لتكون دستورا لتعاون البشر وأساسا لمنع الصراعات بين البشرية».
بعدها قال «فرنسيس» في كلمته والتي بدأها بتحية المسلمين : «السلام عليكم.. إن مصر أم الدنيا، وورد اسمها عدة مرات في الكتاب المقدس». وأنهى كلمته «بتحيا مصر».
بابا الكاثوليك في مقر الأرثوذكس
انتقل فرنسيس بتواضروس الثاني بمقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بحضور قيادات الكنيستين، وفي لقاء مشترك: «لقد أقمنا قداسًا على أرواح ضحايا الكنيستين في مصر، وإن وجودنا معا يجعلنا نتذكر العلاقات التاريخية، وأيضًا زيارتكم الأخيرة إلى روما فقد قضينا يومًا في صداقة ومحبة».
وأضاف البابا فرنسيس: «لدينا إله واحد يرفع شعار الإنسانية في العالم أجمع، والله يريد أن نكون متعاونين على مر العصور التاريخية».
انتهاء الخلاف الأزلي
نشر سكرتير المجمع المقدس، الأنبا رفائيل، على صفحته الرسمية «فيس بوك» نص البيان الموقع، والذي جاء فيه: «طاعةً لعمل الروح القدس الذي يقدس الكنيسة ويحفظها عبر العصور ويقودها لتبلغ الوحدة الكاملة التي صلي المسيح من أجلها ، نحن اليوم البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني كي نسعد قلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وكذلك قلوب أبنائنا في الإيمان ، نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الممارس في كنيستينا للشخص الذي يريد الانضمام للكنيسة الأخرى حسب تعاليم الكتاب المقدس وإيمان المجامع المسكونية الثلاث في نيقية والقسطنطينية وأفسس . نطلب من الله الآب أن يقودنا في الأوقات وبالطرق التي يريدها الروح القدس إلي بلوغ الوحدة التامة لجسد المسيح السري».
«سر المعمودية» يوصف بأنه أحد الأسرار السبعة المقدسة للكنيسة، واقتداء بمعمودية المسيح في نهر الأردن، ويتمثل طقسها في أن الآباء الكهنة يغطسون الأطفال 3 مرات داخل إناء ممتلئ بالماء، يأتي ذلك بعد تلاوة الصلوات الخاصة بالمعمودية.
كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تشترط تكرار سر المعمودية للمسيحيين الراغبين في الانضمام إليها من الكنائس الأخرى، باعتبارها لا تعترف بطقوس معموديته الأولى، حيث كان البابا الراحل شنودة الثالث يرى أنه «يجوز تعميد شخص مرة أخرى طالما لم يعمد بطقس أرثوذكسي».
أسباب الزيارة
الزيارة جاءت استجابة لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، قبل 3 أعوام من الآن، بالتحديد في تاريخ 25 نوفمبر 2014، منح البابا خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وسام «السنة الثانية» من توليه منصب بابا الفاتيكان، وأهداه نسخة من كتاب له حول «الإرشاد الرسولي» تحت عنوان «الإنجيل فرح».
البابا أكد وقتها لـ«السيسي» على أن الحوار هو الخيار الوحيد للسلام في منطقة الشرق الأوسط، وتلقى دعوة الرئيس بزيارة مصر.
إضافة إلى زيارة أخرى لشيخ الأزهر، لاقت رواجًا واسعًا فتقابل قطبي الدين الإسلامي والمسيحي أمر ليس بالهين.
مكانة خاصة
لمصر في عقل بابا الفاتيكان مكانة خاصة منذ تنصيبه، وأثناء لقاءه بالسيسي، هناك 6 قواعد بروتوكولية كسرها من أجله، حيث استقبله في بيته وليس القصر البابوي، إضافة إلى استقبال الرئيس رغم عدم السماح بالزيارات الدبلوماسية أثناء وجود الرؤساء في إيطاليا.
منذ تولي فرنسيس رئاسة الكنيسة الكاثوليكية في 2013، على إزالة الجمود والتوتر الذي خلفه البابا السابق بنديكت السادس عشر مع مصر وكثير من دول الشرق الأوسط نتيجة لتصريحاته التي ربط فيها بين العنف والإسلام مما أدي إلي حدوث قطيعة بين الطرفين لأكثر من 7 سنوات.
أتمنى اللقاء
تواصلت الجهود الدبلوماسية بين البلدين، ففي مايو 2016 سافر وفد الدبلوماسية الشعبية لتيار الاستقلال، برئاسة المستشار أحمد الفضالي، وقال خلال لقاءه بالوفد: «عن رغبته في زيارة مصر، أتمنى أن أزور مصر قريبًا، فهي حاضرة دائمًا في صلواتي»، مؤكدًا أنه سيصلي من أجل السيسي لدعمه في حربه الضروس ضد الجماعات المتطرفة التي ترتكب ضد الإنسانية.
تعزيز الحوار بين الأديان
بابا الفاتيكان يريد من وراء العلاقات المصرية تعزيز الحوار بين الأديان، وحسم القضايا الخلافية بين الكنيسة الكاثوليكية والأرذوكوسية منها «سر المعمودية» والذي يعتبر أحد أهم أسرار الكنيسة السبع.
وهو الأمر الذي أكدت عليه «إذاعة الفاتيكان» في تعقيبها على الزيارة الحالية، في أنها تشكل مدخلًا لتعزيز الحوار بين الأديان ومكافحة العنف الطائفي وترسيخ السلام، وأنها تحمل شعار «بابا السلام في مصر السلام» ورمز يجمع بين الصليب والهلال إشارة إلى التعايش بين مختلف المكونات الدينية والعقائدية للمجتمع المصري.
وقال البابا فرانسيس في رسالة بالفيديو موجهة للشعب المصري: «أتمنى أن تكون هذه الزيارة بمثابة رسالة صداقة وتقدير لجميع سكان مصر والمنطقة، ورسالة أخوة ومصالحة بين جميع أبناء النبى إبراهيم والعالم الإسلامي بصفة خاصة الذى تحتل فيه مصر مكانة رفيعة».
التمهيد للزيارة
التمهيد للزيارة جاء في ظل تحذيرات بوجود عمليات إرهابية ضد الكنائس في مصر غير أن فرنسيس أكد صلاته الدائمة من أجل مصر، وهو ما حدث في حادث «الكنيسة البطرسية» في احتفالات أعياد الميلاد الماضية.
وأعلن جريج بوركي، المتحدث باسم الفاتيكان، احتمال قيام البابا فرنسيس بزيارة لمصر من دون تحديد أي موعد لها، غير أن رئاسة الجمهورية المصرية أكدت في وقت لاحق لتصريحات الفاتيكان أن الزيارة في أبريل.
ومع اقتراب موعد الزيارة شهدت كنيستي مار جرجس والمرقسية بمحافظتي طنطا والإسكندرية، تفجيرات دامية أسفر عن عشرات القتلى والمصابين، انتشرت بعدها شائعات مفادها إلغاء الزيارة، لكن سرعان ما أكد الأنبا عمانوئيل، مطران الأقصر للأقباط الكاثوليك، ورئيس اللجنة المنسقة لزيارة البابا فرنسيس إلى مصر، إن زيارة بابا الفاتيكان قائمة في موعدها، يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من أبريل الجاري، ولا يوجد أي تأجيل للزيارة.
الصلاة من أجل مصر
عقب تلك التفجيرات أدان بابا الفاتيكان التفجيرات ووصفها بـ«المأساة الإنسانية» و«العمل الحقير»، وخص مصر في صلاته أمام عشرات الآلاف في ساحة القديس بطرس الضحايا، قائلًا: «أصلى من أجل القتلى والضحايا.. أدعو الرب أن يهدى قلوب من بثوا الرعب والعنف والقتل وكذلك قلوب من ينتجون ويهربون الأسلحة».
الصحف الأجنبية
مع قرب وصول بابا الفاتيكان، سلطت الصحف الأجنبية الضوء على ذلك، معتبرة أنها تاريخية، وستحتوي عددًا من الاجتماعات العميقة مع القيادات الدينية والسياسية في مصر، واعتبرت الصحف أن الزيارة تأتي لتوحيد جبهتي المسيحيين والمسلمين لنبذ العنف والإرهاب.
وأشارت صحيفة ديلي ميل البريطانية، إلى أن القضية الأساسية التي سيطرحها بابا الفاتيكان خلال زيارته مصر، تتمثل في التعليم، وإتاحة مختلف المعتقدات الدينية وخاصة الشباب، والتأكيد على ضرورة احترام للديانات الأخرى، وبحسب ما جاء على لسان وزير الخارجية الفاتيكاني، الكاردينال بيترو بارولين، أن مسألة اللغة بات أمرا ملحا وضروري، مضيفًا «عندما تستخدم لغة عنيفة، هناك خطر سيؤدي إلى أعمال عنف».
أما صحيفة تليجراف البريطانية، تناولت الزيارة في إطار ديني، لتخفيف حدة التوتر ونزع فتيل الفتنة الطائفية قبل تفاقمها على خلفية تفجير كنيستي «ماري جرجس والمرقسية» والتي أودت بحياة العشرات، وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن الحادث. كما أوضحت التليجراف، أن لقاء بابا الفاتيكان مع شيخ الأزهر الأمام أحمد الطيب، جزء من الجهود الجارية التي يبذلها الفاتيكان لتحسين الحوار مع القادة المسلمين.
بينما قالت صحيفة واشنطن بوست، إن زيارة البابا فرانسيس لمصر، تأتي ضمن محاولات التأكيد على الوحدة بين المسلمين والمسيحيين في الشرق الأوسط. ونقلت الصحيفة فيديو للبابا فرانسيس على الإنترنت، مفادها أنه يود زيارة مصر، وأن يكون شاهدا على المودة والراحة، وإيصال رسالة صداقة واحترام للمصريين في المنطقة.
القاهرة تتأهب
قبل الزيارة بأيام، تزينت مدينة القاهرة لاستقبال بابا الفاتيكان، ورفعت لافتات «مرحبًا.. بابا السلام في بلد السلام»، وجاء موعد الزيارة متزامنًا مع المؤتمر العالمي للسلام ونبذ التعصب، بالأزهر الشريف.
أمس الجمعة وصل بابا الفاتيكان إلى مصر، وكانت فعاليات الزيارة مثلما سبق عرضه، وتنتهي عصر اليوم السبت، بعد انتهاء القداس الإلهي والاجتماع مع قادة الكنيسة الكاثوليكية، يغادر بعدها فرنسيس إلى الفاتيكان.