في ذكرى التحرير.. الشهيد محمد زرد قاهر حصون الأعداء
السبت، 22 أبريل 2017 08:00 م
عبرت القوات المسلحة قناة السويس، ودكت حصون خط بارليف، أضخم مانع مائي عرفه التاريخ، دكًا إلا حصنًا واحدًا، عجزت أمامه القوة المصرية، وظل يهدد إنتصار الأبطال أيامًا، فمن دهاء العدو أنه اختار موقع النقطة (149) الحصينة في موضع يعيق تقدم أصحاب الأرض إلى قلب سيناء، نظرًا لتحكمها في المحاور الرئيسية، ما يهدد قوات المشاة ومعابر المدرعات.
وأحكمت القوات المعادية تأمين تلك النقطة، حيث شيدتها على تبة عالية من صبات حديدية مدفونة في الأرض، بما يحقق الأمن والوقاية للقيادات المحتمية بها ويكفل لها تحقيق قوة نيرانية عالية في جميع الاتجاهات، وكانت تخلو من كل منافذ الدخول والخروج اللهم إلا باب صغير تعلوه فتحة ضيقة للتهوية، هذا إلى جانب خلاء المنطقة المحيطة بها، وجعل كل من يهاجمها هدفًا سهلاً ومكشوفًا.
في الساعة الثانية والثلث من يوم 6 أكتوبر، حاولت المجموعة المكلفة بالتعامل مع هذا الحصن اقتحامه، فلم يلقوا إلا وابل من الرصاص، وسقط منهم الكثير نظرًا لانكشاف موضعهم أمام قوات العدو وطائراته، ومع حلول الليل تقدم بعض الأفراد لإخلاء الشهداء والجرحى وعمل بعض التجهيزات الدفاعية لحمايتهم من هجمات العدو، ليتكرر الأمر في اليوم التالي بكل تفاصيله.
في اليوم الثالث، تطوع العقيد محمد زرد، قائد المجموعة، لشن عملية استشهادية لاقتحام النقطة، فرفضت القيادة في بادئ الأمر، إلا إنها أنصاعت لرغبته في النهاية، نظرًا لعجزها عن إيجاد حلول بديلة، ووضع «زرد» خطته، التي اعتمدت على التقدم زحفًا إلى منتصف المسافة بين الخندق والنقطة الحصينة، ثم الركض سريعًا متحاشيًا رصاص العدو حتى يصل إلى هدفه، ويفجره.
قرأ «زرد» بعض من أيات القرآن الحكيم، وأوصا رجاله بتحقيق النصر، وتوجه إلى هدفه، محملاً ببضع قنابل يدوية، وسلاحه الشخصي فقط، وبعد زحفه 150 متر، نهض قائد الفرقة بعد أن نزع فتيل ثلاث قنابل، وركض بأقص سرعته في اتجاه دشمة العدو، قابضا أذرع التفجير، ومن ثم اعتلاها وألقى بالقنابل بداخله عبر فتحه التهوية، وسط ذهول عناصر فرقته.
وبعد دقيقتين فقط، وأثناء محاولته الإنزلاق إلى داخل النقطة من نفس الفتحة الضيقة، وجه له جنود الإحتلال سيلًا من الطلقات النارية أخرجت أحشاءه من جسده، أمام مجموعته، ليتأكدوا من استشهاده، إلا إنهم فوجئوا بعض لحظات معدودة بباب الحصن يُفتح من الداخل، ويخرج منه البطل ممسكًا أحشاؤه بيده اليسرى، وضاغطًا باليمنى على الباب لاستكمال فتحه، صارخًا «الله أكبر الله أكبر».
دلف الجنود الأحرار إلى الحصن، لتدور معركة حامية بين أصحاب الحق والمحتلين بالأيدى والأسلحة النارية والبيضاء، ليسقط الحصن أخيرًا فى يد المصريين، ويرفع علم مصر على آخر حصون خط بارليف بعد أن لمسه وقبله البطل «زرد»، ليودع العالم بإبتسامة هادئة، ونظرة طويلة للعلم المرفرف، ويغيب عن الوعى لعدة ساعات، قبل أن يفيق في مستشفى السويس.
نقلت الفرقة قائدها إلى الخطوط الخلفية المصرية غرب القناة، ليبذل الأطباء أقصى مجهوداتهم أملا في إنقاذه، ولكن روحه الطاهرة أصرت على ملاقاة بارئها، فتكتمت القيادة على نبأ استشهاد العقيد محمد زرد حتى انتهاء الحرب، خوفًا من تسرب الإحباط إلى قلوب جنوده، ليطلق أسمه بعد ذلك على الدفعة 73 حربية كنوعًا من التكريم، ورد الجميل للبطل المقدام.