جاري البحث عن روح وطن فُقدت لأسباب عدّة
الخميس، 20 أبريل 2017 02:45 م
من زاوية رؤيتي في هذا المقال أري فقدانها كان في غياهب السنوات الإستهلاكية القاتلة للروح والقلب معا.. وصولًا لإغتيال السعادة (بمعناها الحقيقي) إغتيال غير مسبوق.. وإنتشار الكآبة والتشاؤم والخوف والقلق..
في ظل عصرٍ تعيشه مصرنا متأخرة عن باقي الأمم المتحضرة.. فإداريا مصر مازالت في العصر الصناعي القاتل للإنسانية.. والذي إنتهي عالميا بسقوط حائط برلين سنة 1989.. شاهدا بذلك علي بزوغ (عصر المعرفة).. والذي يوشك بدوره أن يعلن أفوله في الدول المتحضرة.. شاهدا بنهايته على ميلاد عصر جديد يُدعي (عصر الحكمة)..
عصر يعطي للروح معني كبير..
يرى السعادة لا تأتي إلا من داخل صوت الضمير الإنساني الحر.. والإرادة الإنسانية وعمق إتصالها بالروح.. وقدراتها اللامتناهية.. عصر يؤسس لنظم اقتصادية جديدة تعيد لروح الإنسان معانيها التي سلبتها منها، النظم الشيوعية ثم الرأسمالية.. عصر يشهد قيمة الإتزان الإنساني بين الروح.. والعقل.. والقلب.. والجسد.. المكونات الأربع للإنسان الجديد.
ولإيماني بجدوي اللحاق بما تقدمت عنّا به الأمم.. وجب عليّ طرح السؤال الصحيح..
من أين نبدأ؟؟
من (تصحيح المفاهيم الخاطئة وبناء أخري صحيحة)..
ف للمفهوم أهمية كبري في مجال التأسيس لبناء الإنسان المصري الجديد.. الذي يُعد المكون الأول للفكر الإنساني الحر.. والفكر هو المحرك الوحيد للسلوك..
دعونا إذن نركب آلة الزمن لنري متي بدأت روحنا في الاحتضار كنتيجة طبيعية منطقية لغزونا ثقافيا (بمفاهيم جديدة) لم يكن المجتمع مُعدّ مسبقا أبدا للتعامل معها؟؟
الثمانينات..
البداية ومبي .. المطعم الأمريكي الشهير المقدم للوجبات السريعة من البرجر.. هل تتذكر إنتشاره في النوادي والشوارع؟؟
هل تتذكر اقتحامه وغيره من سلاسل المحال العالمية والبراندز شيئا فشيئا إلي مصرنا حتي يومنا هذا؟
تخيل معي..
دولة لسه مخلصة حرب (1973).. مفروض تبتدي تبني إقتصادها الحر الإنتاجي.. عشان تقدر تبني مناخ إنتاجي يُدر للبلد عملة صعبة.. ويحقق إكتفاءنا الذاتي..
هووب إفتح مناخها الإقتصادي ليس علي ما يشجع الإنتاج أبدا.. ولكن علي كل ما يشجع الاستهلاك.. وبدا الأمر كما لو أن مرتب المصري يحقق فائض كبير..
وتبتدي إعلانات سلاسل مطاعم وجبات سريعة (ومبي كبداية)..
وغيرها من الانماط الحياتية الإستهلاكية.. التي تأكل ميزانية أي منزل دون وجود حاجة حقيقية لها.. ملتهمة معها روحه.. بجعله يلهث في دوائر لا تنتهي سعيا للبحث عن مزيدا من الأموال.. ثم صرفها فيما لا جدوي منه.. وهكذا في حلقة مفرغة.. لا تنتهي إلا بوفاة الإنسان مصابا بأمراض التوتر والقلق والإكتئاب أو غيرها من الأمراض العضوية الراجعة لحالته النفسية السيئة.
النهارده 2017..
كم عدد المصريين الذين تبرمجوا علي الأنماط الإستهلاكية المختلفة؟؟، والتي تخص الماركة السينيه حتي لو حأستلف أو أعمل جمعية.. والموبايل الحديث حتي لو مافيهوش اي إضافة مفيدة لطبيعة حياتي.
حتي الثقافة والمعرفة صارت هي أيضا استهلاكية.. سطحية.. لا تخاطب العقل والروح.. بل تعمل كوجبة سريعة هدفها جذب إنتباه القاريء سريعا وبرمجته بطريقة أسرع علي ما يريدونه لهم.. عزيزي المصري بسلوكك هذا.. اصبحت دمية في يدهم.. يحركونها كيفما شاءوا.. هل تراهم يريدون سعادتك أم سعادتهم بضم مزيدا من اموالك لرصيد ملياراتهم؟؟
لكن كيف تمن برمجة عقولنا على هذا النمط الاستهلاكي في الحياة عبر الإعلان والإعلام ؟؟
الإجابة في سببين..
الأول هو:
1- المفهوم..
كنا اتكلمنا في المقال اللي فات عن الخريطة العقلية (النضارة الشخصية) اللي بتتكون من مفاهيم اساسية، وإزاي المفهوم بيتكون عن طريق التكرار لفكرة او شيء.. بإحساس ما قوي.. اللي بيتحول لاعتقاد.. وبالتالي تدريجيا لجزء من عاداتنا اليومية المترسخة فينا.. واللي بتشكل بالتالي شخصياتنا ومن ثم طريق حياتنا يا إما طريق السعادة يا طريق التعاسة.
طبق الجمل السابقة على إعلانات ومبي وماكدونالدز التي تعمل علي برمجة عقلك الحر وعقل ولادك.. وبالتالي تغيير نمط حياتك تدريجيا لتصبح إنسان مستهلك..
إزاي تطبقها ؟؟
المصري طبيعي في الثمانينات سأل: إيه (ومبي).. وما معناه بالنسبة لي؟؟
فجاءه الإعلان:
- ومبي يعني إحساس بالسعادة وإنبساط ووجبة جميلة حتفرح الولاد.. وبعدها بسنين بقي ماكدونالدز ووجبة الفرحة.. هابي ميل.. لعبة مع الوجبة..
- تراتا تتا.. أنا بحبه..
فترسخ مفهوم (ومبي) ومن بعده (ماك) وغيرهما بمعني إحساس السعادة والمتعة..
وبالتكرار أصبحت اعتقاد راسخ في عقولنا.. أننا لو أكلنا من ماك أو ومبي حنبقي سعداء..
وبتكراره أصبح عادة..
ولا تسألني عزيزي المصري ليه لما يكون باقي في مرتبك آخر الشهر 50 جنيهًا وعايز تفرفش ولادك، بدل ما بتوديهم يلعبوا في الملاهي.. بتاخدهم على ماكدونالدز؟؟
طبعا ماكدونالدز هو السعادة نفسها.. هوالفرفشة والبهجة كلها.. هكذا (برمجوا عقلك)
2-ربط معني الاسم الجديد أو المنتج الجديد بالسعادة..
قاعدة نفسية ..
أي شيء مرتبط في عقلك بالإحساس بالسعادة (كمفهوم) حتقرب منه حتي لو كان في حقيقته بيتعسك..
وأي شيء مرتبط في عقلك بالإحساس بالتعاسة (كمفهوم ).. حتبعد عنه حتي لو في حقيقته حيسعدك..
والسؤال.. هل لما تاكل فعلا ماكدونالدز حتبقي سعيد؟؟
الحقيقة لأول قطمة ساندوتش.. أول دقائق أكلت فيها حتحس بمتعة شهوة الأكل.. اللي مش حتكفي حتي تروح بيها لبيتك..
وتلاقي نفسك بعد ما روحت عادي مش حاسس بأي سعادة.. حسيت بس بزيادة في وزنك.. وتخمة الأكل غير الصحي..
والمصيبة بقي في اضراره علي الأطفال.. سواءا أن كان السمنة أو الكوليسترول..
وأجري يا مصري دوّر على السعادة..
وإرجع صرفت كل اللي في جيبك ومش باقي معاك إلا الكآبة.. كآبة الروح اللي بتدور علي معني حقيقي يرد لها الروح.. عن حضن عيلة وضحكة طفل صغير من قلبه وتنطيطه في مكان واسع.. عن سؤال على جار عيان وبسمة في وش غلبان وصدقة بتطلعها بقدر الإمكان.. عن إنسان له روح وقلب وعقل وجسد من ضمنه بطن لها شهوة أيوه ممتعة لكن لحظيا.. المتعة الحقيقية في قدرتك علي الإنتاج.. على ترك بصمة وأثر يقول إنك كنت هنا في الدنيا.. عايش فيها كإنسان متزن.
ملخصا
المقال ده لوضع أيدينا على نقطة مهمة.
أنت تقدر تبرمج عقلك الحر على اللي أنت عايزه، بأنك تربط معناه بالإحساس بالسعادة عشان تقدر تقرب منه..
وتقدر تبعد عن أي حاجة سيئة عن حياتك بإنك تربط معناها جوه عقلك بالألم..
إنت تقدر متبقاش ماكينة.. بتجيب فلوس.. عشان تصرفها في غير احتياج حقيقي لها.. لأن ده في حقيقته (مؤلم جدا لك) ..
جميل الصرف.. إنما تصرف في إيه وإزاي يعود الصرف ده بالإيجابية علي حياتك.. هو ده السؤال اللي مفروض تكون الإجابة عندك أنت عليه؟؟
مش عند الإعلان والإعلام اللي بيبرمج عقلك الحر على اللي هو عايزك تعيش بيه؟؟
فرق كبير بين إحتياجاتك ورغباتك.. إحتياجاتك بتكون حقيقية.. وبتعود عليك بالنفع.. أما رغباتك فبتكون مرتبطة بشهواتك.. اللي ملهاش لا نهاية ولا شبع..
في الأولى سعادتك.. وفي الثانية تعاستك.. والقرار الحر كان ومازال فقط .. لك.