سجون «حبيب العادلى» لم تشهد حالة تعذيب واحدة حتى 2011.. وحقوق الإنسان فى عهد «مبارك» كانت جيدة
الثلاثاء، 18 أبريل 2017 04:49 مدينا الحسيني
وجه الحادث الإرهابى الذى استهدف كنيستى طنطا بالغربية والعطارين بالإسكندرية، وخلف العشرات من الضحايا، العديد من الرسائل حول خطورة انتشار الأفكار المتطرفة، والتى باتت خطرا يهدد الشعوب والأوطان.
«صوت الأمة»حاورت الدكتور ناجح إبراهيم، أحد القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية، وواحد من أشهر التائبين من أعضاء الجماعة، التى تبنت العنف ضد الدولة خلال السنوات الماضية، والذى أكد أن الفكر لا يحارب إلا بالفكر، وأن المغالاة فى الأحكام القضائية التى تصدر فى حق بعض قيادات الجماعة لا يترتب عليها سوى استفزاز واستدعاء مشاعر الانتقام من الطرف الآخر، وبالتالى يصبح الفرد لديه كل الاستعداد للانتقام، لأنه لا يبقى على شيء، مؤكدا أن الدولة وجماعة الإخوان شركاء فى انتشار العمليات الإرهابية فى المجتمع، مضيفا أن الرئيس مبارك كان يتعامل مع كل جماعة على حدة، أما النظام الحالى فيضع كل الجماعات فى سلة واحدة، لافتا إلى أن وزارة الأوقاف فشلت فى مهمتها فى تجديد الخطاب الدينى.
- هذا الهجوم كان متوقعا، فمن عدة أيام قتل ما يسمى «بن لادن سيناء» وهو الزعيم الرئيسى لأنصار بيت المقدس، ذراع تنظيم داعش فى مصر، وهو اسمه أبو أنس سالم سلام حمادين، وقتله إنجاز للدولة المصرية، ولكن كان لا بد من الانتباه إلى أنه سيكون هناك ردة فعل كبيرة على قتله، كما أن داعش سيناء أصدر بيانا منذ فترة، قال فيه إنه سوف يستمر فى استهداف الأقباط، و قام بتجديده بعد حادث الكنيستين، وذلك لأنه وجد الطريق أمام استهداف عناصر الجيش والشرطة مسدودا، وكان على الدولة الانتباه منذ وقوع حادث البطرسية، ووضع احتمالية لتكراره مرة أخرى، فى مكان آخر وبنفس الطريقة وهذا ما حدث.
لماذا الغربية بالتحديد؟
- لأنها قريبة من محافظتى القليوبية والشرقية، وهما من أهم معاقل أفراد تنظيم داعش الإرهابى، ووارد أن يكون مرتكب حادث طنطا من الشرقية أو القليوبية، وإن كنت أميل إلى أن هناك خلية كبيرة تكونت فى الغربية من عناصر داعش على اتصال بدواعش القليوبية والشرقية وعلى الأمن الانتباه للمحافظتين.
صف لنا دورة حياة الانتحارى قبل تنفيذ العملية المكلف بها؟
- الانتحارى قبل أن ينفذ أى عملية بثلاثة أشهر يضربه التردد والتفكير كثيرا فى جدوى الإقدام على تلك الخطوة، ويحاول التأكد من جدوى وشرعية هذا العمل، ويتم اختياره على أسس معينة، وأحيانا هو من يبادر بعرض نفسه ويختار لنفسه مرجعا من شيوخ الساحة، عادة يكون من المحافظة التى ينتمى إليها، وكان قديما هناك مراجع ضد العنف حتى وإن اختلفنا معهم، وكانوا مجففين لمنابع العنف بمنطقتهم، كالشيخ محمد حسان وأبو إسحاق الحوينى و الشيخ محمد حسين يعقوب، وللأسف الآن لا توجد مرجعية، وإذا وجدت مرجعية يعدل الإرهابى عن تنفيذ العملية، فالحوينى فى كفر الشيخ كان يمنع ذلك، والسفليون فى الإسكندرية كانوا يمنعون ذلك، والمرجعية الآن الأفكار المنشورة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، لا بد من وجود داعية مشهور وقوى بكل محافظة لمنع تلك الأفكار، فمساجد الأوقاف لا يوجد بها شيوخ أقوياء.
كيف نتعامل مع حادثى طنطا والإسكندرية، إرهاب أم فتنة؟
- أهم قضية الآن يجب أن يركز عليها الجميع، هى أن القرآن قال من قتل نفسا بقصد فيستحق القصاص، بغض النظر عن الديانة، فالإسلام لا يناقض نفسه، كما أنه لا يمكن أن يدخل سيدة النار فى قطة، ويبيح قتل المسلم لأى نفس بدعوى أنه مرتد، أو على طائفة دينية معينة غير الإسلام، المشكلة الأخطر الآن أن خطيب الجمعة لم يعد صاحب رسالة، ولا مشغولاً بها، وهذا ما أقوله لهم دائما، لماذا لم تهتموا فى الخطبة بالتوعية من أخطار داعش، وفى اعتقادى أن إهمال ذلك الأمر يرجع إلى تدنى الرواتب التى يتقاضاها الأئمة، والتى تجعله ينهى خطبة الجمعة سريعا حتى يتفرغ لعمله الإضافى، فلا بد من مساواة الإمام بالقسيس فى الرواتب، وتحسين الحالة الاجتماعية وحثه على الدرجات العلمية.
ما العلاقة بين لواء الثورة وداعش؟
- الجناح العسكرى للإخوان هو لواء الثورة، وهو الذى ارتكب تفجير مركز التدريب بطنطا، وأسسه القيادى الإخوانى محمد كمال، وهو بالمناسبة دفعتى فى الجامعة، أما داعش لا علاقة لهم بالإخوان، لأن الإخوان تنظيم محلى أما داعش فهو تنظيم دولى، وبعد تلك الأحداث أطالب جميع التيارات الإسلامية فى مصر والعالم العربى بالابتعاد عن المشهد السياسى لمدة لا تقل عن 10 سنوات، ولا أقصد داعش لأن داعش مجموعة تكفيرية دموية.
هل المراجعات الفكرية تحقق نتائجها الآن؟
- طبعا إذا لم تجد مع الإرهابى، ستجدى مع المتطرف، وستجدى للوقاية، ولو لم تجد مع المقبوض عليه ستجدى مع «اللى بيشاور عقله»، المراجعة الفكرية ليست للإسلاميين فقط، فعلى الأحزاب مراجعة نفسها، وكذلك على الدولة أن تراجع نفسها مع بعض المساجين، بعد ازدياد وتيرة الحوار والنقاش والندوات الفكرية داخل السجون، لأنه كما يقولون لا يحارب الفأر إلا القط، وذلك بالحوار، وليس بالعنف وما أقصدهم الوسطيين، الذين لم يحملوا السلاح أو يرتكبوا أعمال عنف.
لماذا اختلف بعض الدعاة حول تكفير داعش؟
- أى شخص يكفر داعش، فقد ساوى نفسه بالفكر المتطرف لداعش، والدليل أن الأزهر رفض تكفير داعش لأنه لا يجوز تكفير تنظيم كامل، فسيدنا على لم يكفر الخوارج، وإنما حاربهم، فالمواجهة هى الحل دون تكفير، فالأزهر دوره الهداية وليس التكفير.
هل ترى أن المواجهة الأمنية كافية لمواجهة العمليات الإرهابية؟
- فيما يتعلق بخيار المواجهة الأمنية، فقد أثبتت أنها لا تكفى وحدها ولن تحل المشكلة، فلا بد من تحويل الجزء المتطرف إلى وسطى، ودمجه بالدولة لكى يحارب الإرهاب كما فعلت دول ونجحت فى احتواء المتطرفين دون مشاكل أو خسائر أبرزها «المغرب و تونس والأردن»، فالمغرب استوعب كل المتطرفين بطريقة سياسية ذكية، دون خسائر لكل الأطراف، وملك الأردن، رغم أنه ملك شاب إلا أنه أقام تفاهما مشتركا مع القيادة الإخوانية بالأردن، وهى وسطية ومعتدلة وتدور فى فلك الوطن والإسلام أيضا، أما تونس فقد دمجت الإسلاميين، وأدخل الإسلاميون فى المناصب الوزارية والتنفيذية، فتلك الدول لعبت سياسة دون عنف، واتفقوا على أن من يلجأ للعنف فالسجن مكانه.
ما رأيك فى جهود المؤسسات فى تطوير العمل الدعوى؟
- فى حقيقة الأمر منذ أن أحكمت الأوقاف قبضتها على المنابر كنوع من تجديد الخطاب الدينى، ولا أحد يحضر للمساجد بالقدر الكافى، أو القدر الذى كنا نراه من قبل، لأن الوزارة أهملت إقامة أو تفعيل أى نشاط داخل المسجد، فلا أحد من الشباب يأتى إلى المسجد لكى يستمع إلى درس أو حلقة نقاشية، فإذا حدث وألقى خطيب الأوقاف درسا، فلا يحضره إلا اثنان أو ثلاثة من الشباب، وبالتالى نحن حدنا عن الطريق، وفرّغنا الموضوع من مضمونه، فتجديد الخطاب الدينى لا بد وأن يكون فى مجتمع لا يعانى من تلك النسبة العالية للبطالة، والسياسة فيه ميتة، والأحزاب ميتة، والتعليم والتعليم الجامعى ميت والاقتصاد به منهار.
تجديد الخطاب الدينى، جزء من المجتمع، ولن يحيا إلا إذا كان المجتمع نفسه حيا، أما مجتمع كل قطاعاته العلمية والثقافية وشتى قطاعاته مريضة فلا تنتظر منه تجديدا، وتجديد الخطاب الدينى لا يعنى أن أستقدم شخصيات «تعبانة»، وأقوم بتصديرها للدعوة، لا يوجد خطيب فى مصر يسمع له أو داعية مشهور ممن يتصدرون الدعوة على المنابر.
كيف ينبغى للجماعة أن تتعامل مع الدولة وما هو دور الأخيرة تجاه الإخوان؟
لدينا شخصيات فى الجماعات مختلفة، فالجماعات ليست على شاكلة واحدة، فأنصار بيت المقدس من الممكن أن يكون التعامل معها عسكرى، أو أمنى فقط، لكن الإخوان لها جوانب فكرية، ودعوية وتضم أساتذة جامعة، وشخصيات وعلماء، ومن الممكن أن أستغل من لم تلوث أياديهم بالدماء وأستقطب ذلك الفريق، وأجعله يعلو على الفريق الآخر المتشدد ويقود تلك الجماعة وأصل معهم إلى عدة نقاط، كوقف العنف وعدم التحريض عليه، والاعتراف بشرعية النظام، فى مقابل أن يقودوا مسيرة الجماعة للإصلاح وفى النهاية ليس أمامنا غير المصالحة الوطنية، وسيظل الأمن يقبض ويعذب، وينفذ إعدامات وأحكام، وتحقق النيابة وتمتلئ السجون، والنتيجة النهائية ستجدها أخطاء هنا وهناك، والجانب الآخر ينتهز أى فرصة ويقوم بحادث تفجير يضيع جهود أمنية على مدار العام، فحادث البطرسية ومن بعده تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية، قضى على جهد كبير للأمن خلال الشهور الماضية فى قطاعات التنمية والسياحة والاستثمار والوحدة الوطنية، فبدلا من ذلك علينا أن نبحث عن آلية أخرى، طالما أن تلك الآلية بها أخطاء، يجب أن نفكر خارج الصندوق بطريقة جديدة ومبتكرة وغير نمطية.
باستدعاء تاريخ العنف فى ثمانينيات القرن الماضى ما هى الدروس التى يمكننا الاستفادة منها الآن؟
- العنف مشكلة لن تحل إلا بحل جذرى، والحلول الأمنية فقط لن تنفع، وفكرة أن تؤمن كل الأماكن مطلوبة، ولكن ليست الحل النهائى، فمن الصعب أن تكون الأجهزة على درجة عالية من اليقظة طول الوقت، ولكن لا بد أن تحل القضية بفكر ومحاضرات فى السجون والسماح بدخول الجرائد، ومشاهدة التليفزيون وغير ذلك من الوسائل التى تحميهم من غزو الأفكار المتطرفة، ومحاولة إبعادهم عن التطرف الفكرى، وتغذية مشاعر الانتقام من الدولة والكراهية حتى يرى الشباب وجه الدولة الحسن وليس القبيح.
وهل الدولة مدركة أن تلك الجهود غير مجدية على المستوى المطلوب؟
الدولة تختار الجهود الأمنية، وتحسب أن المشكلة بسيطة وتحتاج لقبضة أمنية فى حين أن الطرف الآخر ليس مجرما أو لصا، يخاف من العقوبة بقدر ما هو يدافع عن فكره، بغض النظر عن كونه خطأ، فلديه فكر خطأ لا بد وأن يصوب بالفكر السليم.
ما ردك على الدعوات التى تطالب بقطع العلاقات مع قطر بعد التفجيرات الأخيرة؟
- أنا ضد قطع العلاقات مع أى دولة، ففكرة قطع العلاقات مع الدولة فكرة عقيمة من الستينيات، أضرت مصر، فمصر قطعت العلاقات مع أمريكا، وندمت على ذلك، علينا أن نضع كل شيء فى وضعه الصحيح، أى بلد لا تقطع العلاقات معها، حتى فى حالة الحرب تكون العلاقات موجودة، فأمريكا حاربت العراق ولم تقطع معها العلاقات، فقطع العلاقات مسألة سيئة ولم تجلب أى مصلحة للبلاد، وأنا أقول ذلك ليس حبا فى قطر وإنما قاعدة عامة.
لماذا دائما تشيد بحبيب العادلى فى تعاملاته مع الإسلاميين داخل السجون؟
- إن السجون فى عهد حبيب العادلى كانت أفضل سجون فى تاريخ الداخلية، حتى 2011 لم تسجل حالة تعذيب واحدة بالسجون، كما أنه تم تمكين 1000 سجين من زيارة ذويهم بمنازلهم، وكانت الرعاية الصحية على أعلى مستوى، وكثير من وزراء الداخلية قبل فترة تولى العادلى، كانوا أشد قسوة، وحدثت فى عهدهم وقائع تعذيب، ولم تذكرهم ثورة يناير، ولو كان حبيب العادلى ترك الوزارة قبل الثورة بأشهر لكان لم يتذكره أحد، ومن وجهة نظرى ما يؤخذ على حبيب العادلى، هو مواجهة ثورة يناير بالرصاص فيما عدا ذلك فله ثلاث حسنات، أولها قبوله المبادرة والإفراج عن 12 ألف معتقل إسلامى، وتحسنت السجون فى عهده بشكل كبير فكان الناس يستطيعون الحصول على دكتوراه، وتوجد حفلات وندوات وأنا رأيت كل ذلك لأننى كنت معتقلا لسنوات طويلة، وأنا لا أمدحه أو أنافقه لأنه خارج السلطة الآن، كما أن حقوق الإنسان بداية من 2001 فى عهد مبارك كانت جيدة ويحسب له قبوله لمبادرة الجماعة الإسلامية بالرجوع ومراجعة فكرهم مما ساهم فى الإفراج عن الآلاف من الإسلاميين وهو ليس فى السلطة الآن أيضا حتى أنافقه.