يسوع المسيح.. فى القرآن
الثلاثاء، 18 أبريل 2017 04:26 م
ولد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام من غير أب! وهو حدث عجيب! ولكنه ليس أعجب من خلق آدم الذى خلق من غير أب ومن غير أم (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وفى هذه الآية نقرأ حُجة دامغة شبهت الغريب بما هو أغرب منه، فلقد شاءت حكمة الله أن تشهد الإنسانية هذه الولادة العجيبة كى تلتفت من خلالها إلى قدرة الله، إن عز عليها أن تلتفت إلى العجيبة الأولى -خلق آدم- التى لم يشهدها إنسان، وثمة حكمة ثانية، وهى إعادة التوازن الروحى لبنى إسرائيل الذين غرقوا فى المادية، فكانت ولادة المسيح الخارقة إعلاناً لعالم الروح.
ولما كان المسيح عليه السلام جنيناً صغيراً فى بطن أمه الطاهرة، كان الله يرعاه، وكان يغذيه من دمها الطاهر الزكى، وطبيعى أن السماوات والأرض كانت مخلوقة بقدرة الله وحده لما كان المسيح يتخلّق فى رحم العذراء البتول (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وقد تفرّد القرآن الكريم بذكر قصة ولادة المسيح بتفصيل مبين، وبأسلوب معجز جميل وجليل وإن دارس القرآن يدرك أن القرآن لم يذكر قصة مولد النبى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه كان مولداً طبيعياً، وهذا من أظهر الأدلة على أن القرآن ليس من عنده، وإلا لاهتم بمولده أكثر من اهتمامه بمولد عيسى بمقتضى الطبيعة البشرية.
والعجيبة الثانية التى ذكرتها الآيات الكريمة أن المسيح عليه السلام قد كلم الناس فى المهد ليُبرِّئ ساحة أمه الطاهرة التى قال القرآن فيها: ((وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ)) (4).
وقد أكد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم رفعة السيدة مريم فقال: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة» (5). والعجيب حقاً أن يتكرر الذكر العطر للسيدة مريم كثيراً فى القرآن من دون أن يذكر اسم والدة محمد صلى الله عليه وسلم! والسؤال الذى يطرح نفسه: لو كان القرآن من عند محمد فهل كان سيَفصلَه عن ذاته فيغفل ذكر أمه ثم يثنى على أم رسول آخر؟! ألا تدل هذه الظاهرة على أن القرآن الكريم قد صدر عن أفق أعلى من ذات النبى محمد؟
شب المسيح فى كنف أمه التى كانت تحوطه وترعاه، فبادلها حباً بحب وبراً ووفاء وقد سجل القرآن هذا ((وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيًّا)) (7).
وقد ذُكرت مهمة المســيح الرسـاليـة فى القــرآن الكريم ((إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْــهُ)) (11)، كما ذكرت هذه المهمة فى الأناجيل، ففى إنجيل يوحنا (17/3) «أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته»، وفى إنجيل لوقا (24/19) «يسوع الناصرى الذى كان إنساناً نبياً».
وكسائر الأنبياء الكرام فقد أيد الله رسوله المسيح بمعجزات وآيات، من ذلك أنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله.
بشارة المسيح ببعثة محمد عليهما السلام:
أنزل الله تعالى (الإنجيل) على المسيح ((وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ))(19)، وكلمة (الإنجيل) تعنى باليونانية (الخبر الطيب) أو (البشارة الطيبة) والذى يبدو أنه قد سمى بهذا الاسم لأنه كان آخر كتاب سماوى بشَّر باقتراب موعد نزول الكتاب الإلهى الخالد (القرآن الكريم)، ولأنه بشَّر أيضاً بقرب بعثة الرسول الخاتم محمد، بدليل قول المسيح عليه السلام ((يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ)) (20).
أما القرآن فقد اشتُقّ اسمه من (القراءة) بمعنى الاستقراء والتحليل والفهم، وتأكد هذا المعنى بأن أول كلمة نزلت من القرآن هى (اقرأ) وأول أداة ذكرت فيه هى (القلم).
لقد كانت بعثة المسيح عليه السلام إذن هى المقدمة الأخيرة لمجىء الرسول الخاتم الذى صار رأس الزاوية.. وقد صور الرسول عليه الصلاة والسلام الرسالات السماوية فى جملتها أحسن تصوير حين قال:
«إنما مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة، فجعل الناس يطوفون به، ويتعجبون ويقولون هلاّ وُضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» (25).
لم تكن نهاية السيد المسيح على الأرض أقل عجباً من ولادته! فبعد أن لاقت دعوته الرفض من يهود، وبعد أن بهتوا أمه البتول، فاض حقدهم عليه، فعزموا على قتله وصلبه، فنجّاه الله منهم ورفعه إليه، ((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)).
وثمة كلمة مسلمة نقولها فى المسيح عليه السلام، إن المسلم لا يكون مسلماً أبداً إن لم يؤمن بأنبياء الله كلهم كإيمانه بمحمد عليه السلام، فإذا كفر بواحد منهم، أو تناوله بكلمة سوء واحدة، فهو يؤمن بإبراهيم وموسى وعيسى، وبالتوراة والإنجيل كإيمانه بمحمد وبالقرآن سواء بسواء، قال الله تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ)).
والمسلم يسير أبداً فى ركب الأنبياء عليهم السلام، فهو يترسَّم خُطاهم، ويعتبر تاريخَهم تاريخَه، ونحن المسلمين، منذ كنا صغاراً تفتحت قلوبنا على آدم فى جنته، وعلى نوح فى سفينته، وعلى إبراهيم يحطم الأصنام بساعديه، وعلى موسى إذ يشق البحر بعصاه، وعلى عيسى بن مريم إذ أتت به قومها تحمله فكلمهم فى المهد، وعلى محمد فى غاره يردّد قول الأمين جبريل: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ)).
هذه هى نظرتنا إلى الأنبياء فهل سينظر أتباعهم إلى نبينا النظرة ذاتها؟