أردوغان.. رحلة صعود السلطان العثماني الأهوج
الإثنين، 17 أبريل 2017 05:29 م
بينما انتهى الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، التي من شأنها أن تعزز صلاحيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتزيد من قبضة سلطته على الحكم بالموافقة بنعم في نتيجة مشكوك فيها وترفضها المعارضة، تبرز على السطح رحلة صعود السلطان ومراحل التطور السياسي في تركيا منذ استلامه السلطة هو وحزبه العدالة والتنمية.
الانشقاق عن الأحزاب الإسلامية
محاكمته بالسجن 10 أشهر
لكن رجب طيب الذي سجن 10 أشهر واتهم بالتحريض على بث الكراهية الدينية بسبب اقتباسه أبيات من الشعر في أحدى خطاباته المنددة للجيش التركي، انشق عن تلك الأحزاب الإسلامية وادعى أنه فك ارتباطه بها، للاستمرار في العمل السياسي وذلك لعدم اصطدامه بالقوى العلمانية التي كان يقف بجانبها الجيش في ذلك الوقت وكانت تتحكم وتسيطر في تلك الفترة على منافذ القوة في البلاد.
خدع أردوغان الكل حينها واستمر في مشواره السياسي، دون الدخول في صدام مع العلمانية التي قد تعرقله عن السير في طريقه وحلمه للتحكم في السلطة، مغتنما فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء ويؤسس حزب العدالة والتنمية عام 2001، الذي تعهد أردوغان أنه سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع العلمانية والقوات المسلحة التركية وقال: «سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة مجتمع متحضر ومعاصر وديمقراطي».
دعم الأمريكان الواسع لأردوغان
لكن أردوغان قبل أن يتم حظر حزب الرفاة عمل على توسيع علاقاته بالقوى الخارجية وذلك أملًا في أن يستفاد بها في الوقت المناسب، حيث تعرف على السفير الأمريكي في أنقرة آنذاك «مورتون إبراموفيتس»، الذي ربط أردوغان بشخصية أمريكية مهمة جدا وقريبة لإسرائيل، ألا وهو «بول ولفوفيتز»؛ لذا عندما بدأ الأمريكيون وعلى رأسهم اللوبي اليهودي في التفكير في دعم الإسلام السياسي في المنطقة، لم يكن أمامهم إلا أن يدعموا الإسلاميين في تركيا وأردوغان، ولهذا منحه المؤتمر اليهودي الأمريكي عام 2004 وسام الشجاعة، وقال المسئول عن المؤتمر اليهودي أثناء تقديم الوسام لأردوغان، إن هذا الوسام ليس فقط تقديرًا للخدمات التي قام بها أردوغان لأمريكا، بل أيضًا يعد تقديرًا للخدمات التي قام بها لدولة إسرائيل وموقفه الطيب حيال المجتمع اليهودي في العالم.
وفي 2002 قرر أردوغان أن يخوض الانتخابات بحزبه الجديد العدالة والتنمية، الذي حقق بالفعل بصورته المنشقة عن الحركات الإسلامية فوزا في الثالث من نوفمبر 2002 في الانتخابات التشريعية، وفي 11 مارس 2003 عين أردوغان رئيسا للوزراء، في أكتوبر 2005 بدأت السلطات عملية التفاوض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبين عامي 2002 و2004 تبنت أنقرة سلسلة تدابير سياسية واقتصادية وصوتت لصالح إلغاء عقوبة الإعدام وأجازت استخدام اللغة الكردية في التلفزيون العام.
انتهاك تعهداته ورجوعه للإسلام السياسي
لكن هذه العملية توقفت منذ عدة سنوات، في 28 أغسطس 2007، ساعد أردوغان وحزبه في البرلمان التركي بانتخاب وزير الخارجية عبد الله جول رئيسا تركيا، والذي يعتبر أول مسئول ينتمي إلى التيار الإسلامي يصل إلى مثل هذا المنصب في تركيا العلمانية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، واعتبر انتخابه فوزا لحزب العدالة والتنمية على مؤيدي العلمانية.
تدخلاته في الشرق الأوسط
في 2011 بعد اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي، انتهر أردوغان الفرصة وحاول أن يحصل على مكاسب سياسية نظير صعود التيارات الإسلامية المتشددة في الشرق الأوسط، فاستغل وصول الإخوان للسلطة لتكون مصر محطته الأولى للسيطرة وتوسيع النفوذ في المنطقة، كما سعى في نفس الوقت إلى استغلال أحداث تونس وليبيا واليمن لنفس الغرض، في حين كان له دورا واسعا في تأييد الاحتجاجات السورية ضد الرئيس السوري بشار الأسد ليقف بجانب المعارضة المسلحة ويتخلى عن حليفه السابق.
في مايو 2013 أثارت تدخلاته في الشرق الأوسط وعدم اهتمامه بالداخل أزمات اقتصادية عدة، تكللت في عدة مظاهرات في ساحة تقسيم حيث طردت قوات الأمن بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع حينها الآلاف الأشخاص الذين كانوا رفضوا هدم حديقة جيزي في إطار مشروع للتخطيط المدني، كما تزامن ذلك مع اشتداد المعارضة ضده على خلفية اكتشاف اكبر قضية فساد تورط فيها أبناء وزراء ومسئولين من بينهم نجل أردوغان، ولثلاثة أسابيع تظاهر 2.5 مليون شخص للمطالبة باستقالة أردوغان المتهم بالتسلط والسعي إلى الخلافة المزعومة.
في أغسطس 2014 انتخب أردوغان رئيسا في الدورة الأولى التي جرت للمرة الأولى بالاقتراع العام المباشر، وهو يدعو بانتظام إلى تعزيز صلاحياته كرئيس دولة، وفي الانتخابات التشريعية في السابع من يونيو 2015 حل حزب العدالة والتنمية في الطليعة، لكنه حرم للمرة الأولى من غالبيته المطلقة في البرلمان بسبب النتائج الممتازة التي حققها حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد الذي يتزعمه صلاح الدين دميرتاش، الأمر الذي رفضه أردوغان ودعا على أثره إلى انتخابات مبكرة حقق فيها حزب العدالة والتنمية فوزا كبيرًا بعد شيطنه الأكراد وشن حملة عسكرية ضدهم.
مسرحية الانقلاب الفاشل
وفي يوليو 2016 وقعت محاولة انقلاب فاشلة هزت الوضع السياسي في البلاد وعلاقاتها الخارجية، وبينما تؤكد المعارضة التركية بأنها مسرحية من تأليف أردوغان، نسب الأخير الانقلاب إلى الداعية الإسلامي فتح الله جولن المقيم في الولايات المتحدة، ونفذت السلطات منذ ذلك حملة تطهير غير مسبوقة مع اعتقال أكثر من 47 ألف شخص وإقالة اأكثر من 100 ألف موظف عام.
وفي عام 2015 وقعت أزمة كبيرة في علاقاته مع روسيا بعد إسقاط طائرة عسكرية روسية على الحدود السورية، قيل إنها تخطت الحدود، ولكن في عام 2016 التقى أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين، حليف دمشق وذلك لبدء حملة عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في سوريا خوفًا من إنشاء دولة تهدد وحدة تركيا، حيث أطلق عملية «درع الفرات» في شمال سوريا ضد مقاتلين أكراد تعتبرهم تركيا امتدادا للانفصاليين في حزب العمال الكردستاني.
ديكتاتور العصر
في مارس الماضي، بدأت معركته تتسع وتشدد مع عدد من الدول الأوروبية وذلك لحشد وتأييد أنصاره للتصويت بـ «نعم» في الاستفتاء التركي في محاولة لوصف مشروعه بأنه مناهض للمشروع الأوروبي النازي، فبعد أن ألغت عدة دول أوروبية، خصوصا ألمانيا وهولندا، تجمعات أو منعت وزراء أتراك من المجيء لتنظيم حملة لصالح التصويت بـ «نعم» في الاستفتاء، وصف إردوغان هذه القرارات بأنها «ممارسات نازية» منتقدا ما أسماه «نزعة فاشية منتشرة» في أوروبا.
وبعد 16 عامًا من تعهداته السابقة بعدم تخليه عن مبادئ أتاتورك والحفاظ على دولة ديمقراطية، كشف الاستفتاء الأخير والمشكوك فيه من المعارضة، هدف أردوغان الحقيقي طيلة هذه الأعوام وانتهاكه لتعهداته، حيث حقق حلمه بالفوز بالحد الأدنى في الاستفتاء والذي منحة صلاحيات واسعة لم يكن يحلم بالوصول إليها أي رئيس منذ تأسيس مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية التركية، حيث أدى هذا التعديل الدستوري إلى إلغاء منصب رئيس الوزراء لمصلحة رئيس يتمتع بسلطات واسعة وستسمح له نظريا بالبقاء على رأس الدولة حتى 2029.