عبقرية مصر
الإثنين، 17 أبريل 2017 04:55 م
شم النسيم يوم خاص جدا في حياة المصريين وعيدا مختلفا عن باقي أعيادنا ومناسباتنا ولما لا فهو الأقدم والأعظم الذي توارثناه وتناقلته الأجيال عبر أكثر من خمسة آلاف عام بذات الطقوس الاحتفالية التي توحد بين المصريين مسلم ومسيحي كبير وصغير غني وفقير؛ فالجميع يحتفل كل حسب طبقته الاجتماعية.
هذا الموروث على بساطته عكس العبقرية المصرية في الحفاظ على الهوية المتفردة، التي لم تتأثر بالجديد الوافد بل استوعبت كل الثقافات التي تعاقبت عليها، فكانت مصر تمصر كل جديد وتفرزه كائنا مصريا صميما خالصا.
وكانت تلك العبقرية التي لم تتكرر في مجتمعات أخرى مثار تساؤل الكثيرين لماذا لم يستطع أي احتلال أو ثقافة وافدة أن تغير من هوية مصر الفرعونية بخصوصيتها؟ وكيف استطاعت تلك الحضارة أن تتخطى الفوارق العقائدية والعرقية بمخرجاتها التي تتابعت عليها؟ فهي ليست إسلامية فحسب أو مسيحية فقط أوفرعونية لاغير أو تنتمي لحوض البحر الأبيض المتوسط، بل حاضنة للحضارة الإغريقية والرومانية ومنارة للحضارة القبطية وحامية للحضارة الإسلامية، فكونت كل هذة التنويعات الحضارية مخزون إنساني أفرز لنا شخصية ذات طابع متميز متفرد متماسك يصعب بل يستحيل تشابهها وغير قابلة للاختزال أو التجزئة مهما كانت قوة الضغط وقوة المدخلات كما عبر عنها المفكر الكبير د.لويس عوض فجمعت على امتدادها التاريخي بين الهلال والصليب في نسيج واحد مترابط متجانس يصعب فصله.
وهو ماجعل كل المحاولات الإجرامية لأعداء الحياة والإنسانية أن تنكسر أمام التلاحم الصلب للمجتمع المصري سواء ممن كانوا يقومون بتلك العمليات الدنيئة أو هؤلاء الذين يخرجون علينا بفتواهم الهدامة يحرمون المظاهر الاحتفالية في المناسبات المختلفة الاجتماعية والدينية، التي يريدون بها أن يصبغوا حياة المصريين بلون ثقافتهم الصحرواية السوداء الكارهة للحياة المبغضة للإحساس بالجمال والبهجة ومع كل محاولة يكون الفشل مصيرهم وسيكون مصير كل من يحاول النيل من الشخصية المصرية ذات النسيج الواحد التي طاولت الزمن بخصوصيتها الشديدة التميز واستحضر ما ذهب إليه دكتور طه حسين في كتابه الأبرز مستقبل الثقافة المصرية، أن الهوية المصرية ظلت تحافظ على حريتها دون جمود تشكل ذاتها دون أن يستطيع أحد نشكيلها عنوة او قهرا فهذا الأصيل على مدار حضارته الممتدة الآلاف السنين لم يتحول من نص مقدس إلى مطية.. وللهوية المصرية عشق خاص وحديث لا ينتهي.