«المندي البدوي».. بطل السياحة البيئية على ساحل الزعفرانة بالبحر الأحمر
الإثنين، 17 أبريل 2017 03:00 ممنال العيسوي
على ساحل البحر الأحمر وبالتحديد بالقرب من الزعفانة بمحافظة البحر الأحمر، تكمن أحد صور السياحة البيئية في مصر على تفاصيل طقس بدوي 100% مرتبط بتراث البدو في الصحراء، مع الاستمتاع بمياة الشاطىء والشواء على طريقة المندي البدوي.
في مشهد لا يمكنك وصفة بكلمات على إحدى رقع شواطىء الزعفرانة.
يستيقظ عويض الحويطى ومعه ابناءه سلام ونور، وكثير من شباب عائلة الحويطات يعد الشاطىء لاستقبال مريدي التمتع بالطبيعة الخلابة من سياح ومصريين بعد أن استقر هو وأبناءه لأكثر من 20 عاما يستقي رزقه من البحر والمرور العابر لزوار المحافظة واتقان المندي البدوي.
كانت «صوت الأمة» ضيفا لساعات قليلة ضمن وفد اصطحبه فريق عمل المحميات الطبيعية بمنطقة العين السخنة بالبحر الأحمر، من خلال مشروع صون الطيور الحوامة لرصد أحد مسارات الطيور المهاجرة في مصر كمشاركة للعالم في اليوم العالمى للطيور المهاجرة الذي أقيم هذا العام تحت شعار (مستقبلهم هو مستقبلنا) بمشاركة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة والجمعية المصرية لحماية الطبيعة شريك المجلس العالمي لحماية الطيور.
لم تكن الاحتفالية بشكلها التقليدي وإنما أخذت منحنى إبداعي قاده الشاب الذي لم يتجاوز عامه الثلاثين، إنه نور نور، هكذا اسمه دون ألقاب فهو شاب استطاع أن ينطلق بفكره ووعيه خارج الصندوق التقليدي لعشق الطبيعة، حيث فوجىء المشاركون بتوقف أتوبيس الرحلة بالقرب من عويض الحويطي.
في البدية، بعد أن يبهرك المنظر العام للبحر ستعرف سر تمرده واعتراضه على المخلفات التي يقذفها على الشاطىء الرملي الذي يحمل كثيرا من تفاصيل قد تفسد جمال الطبيعة التي منحها الله للشاطىء بطوله، قد ترى بعض مخلفات المارين سواء بالداخل من سفن أو بالخارج من بشر، فلن يمنعك المنظر الخلاب من رؤية بعض الزجاجات وعلب الكانز وبواقي الأكياس وبعض شباك الصيد، أو معدات السفن، فالبقعة التي اختارها الحويطي بعيدة عن القرى السياحية الممتدة بطول البحر، فقد اختار موقعا في أرض الشاطىء صنع منه مصدرا للرزق.
شارك البعض في رفع المخلفات وإعادة البقعة الصغيرة من الشاطىء لمنظر يليق بمصر والمصريين خاصة مع تنامي السياحة البيئية ومحبي السفر والرحلات، حيث إن لهذا النوع جاذبية خاصة لعشاق الطبيعة، وما تضمه من نقاء وجمال أخاذ وكنوز جيولوجية وتكوينات جغرافية رائعة.
بطل السياحة البيئية على شاطىء الزعفرانة، هو المندي البدوي، حيث وقف الجميع يتابع عن كثب طريقة تحضيره، وكيف استغل الحويطي سخونة الرملة من درجة الحرارة لطهي حمل صغير ليصبح هيني مشوي - لحم مشوي مستوى جدا- وكيفية عمل أكلة المندي البدوي.
وبسرعة البرق وقف سلام زو العشرون عاما يقطع البصل والطماطم والبطاطس و«يتبل» الحمل الصغير، بعد تتبل خلطة سرية لا يعرفها سوى من احترفها، تم يحشى بها ويتم انزاله في برميل يتوسط الجمر بعد ان ينتهى لهب النار وتصبح جمرا ثم يتم غلق البرميل باحكام، ويوضع عليها بطانية تفرش بسوا الأرض ويوضع عليها الرمال وتترك لأكثر من ساعتين. فالنار لا تلمس الصاج، وإنما «التسوية» تكون على مسؤولية الرمال التي تسخن بفعل النار.
ثم يأتى سلام وابن عمه نور ومعهم عم عويض ليرفعوا الرمال من فوق المندي ويخرجون الشبكة الحديدة ممسكين بها بعيدا عن وهج الصهد للفحم ثم يضعوها على صنية كبيرة من الاأمونيوم تمهيدا لتحضريها للتقديم فوق الأرز.
افترش الجميع الأرض على هيئة القعدة العربي وراح كل في ملكوته، بعضهم من جلس يتأمل المياه والأطراف المترامية للشاطىء وبعضهم من استكان في حالة من الهدوء والسكينة، وأخذ يحتسي بعضا من الشاي بالمرمرية في كبابى صغيرة والبعض الآخر أخذته أقدامه للسير بطول الشاطىء حتى يتم الانتهاء من المندي.
على الجانب الآخر من الشاطىء كانت قمم الجبال تقف شاهقة وعالية تكاد تشعر معها بأنها تلامس السماء بل تتحدث معها لتخبرها أسرار ذائريها ترى هل هناك ثمة لغة تتكلم بها الجبال مع بعضها، تشكو آلامها وهمومها، وربما تحتفل بفرحتها أيضًا.
ووسط كل هذه التفاصيل قال عويض الحويطى لـ «صوت الأمة»، إنه يعمل في صناعة المندى منذ أكثر من 28 عاما هو واولادة فهو من عرب الحويطات بمنطقة السلام في القاهرة، فهى جزء من تراثه الذي أصبح بمثابة مهنة له هو وأولاده وابناء قريته، فهو طبق بدوى من الدرجة الأولى تفشل المطاعم الفخمة في القاهرة في عمله لأنه لا ينضج سوى في رمال الصحراء.
ويحكي عم عويض بثغره المتبسم وعينه التي لم يستطع أن يفتح الاثنين معا من شدة الشمس: «تأسرني الصحراء وأجد فيها عالمًا مختلفًا عن هذا العالم الذي نعيش فيه، أعشق هدوءها ويخيفنى صمتها ولا محالة أشعر بأن هذا الصمت المدوى وراءه عاصفة، بل عواصف تحمل معها الكثير من الأسرار والأساطير وربما الغموض، فأجد نفسى وقد رحت في حالة من حالات التأمل والسكون والهدوء، حالة ربما لا أجدها كثيرًا مع ضجيج القاهرة وصخبها وإزعاجها وتلوثها».
بالقرب من صحراء الزعفرانة وعلى أحد شواطئها، طرح أغلب الحضور تساؤلا لوزير البيئة، حول إمكانية استثمار هذه البقع الطبيعية التي لا تعد محمية ولا تعد أثر، بأن تصبح مزار بيئي يعد بطريقة بيئية تتيح للمشاركين الاستمتتاع بالطبيعة الخلابة دون تلويثها، وكيف تكون الممارسة والحياه مسئولية لرواد هذه الأماكن.
جدير بالذكر، أن هناك 67 منطقة تصلح للسياحة البيئية، طبقًا لدرجة الحساسية البيئية ووفقًا للموروث الطبيعي والثقافي والتنوع البيولوجي، ما يؤكد ضرورة البدء بتنفيذ المعايير والضوابط الفنية للسياحة البيئ، فهي سوق واعدة عالميًا، ولم تجنِ مصر منها حتى الآن ما يتناسب وإمكاناتها من تراث طبيعي وحضاري وثقافي وموقع استراتيجي، وتمثل قطاعًا عريضًا من الجذب السياحي، خصوصًا في منطقتي البحر الأحمر وجنوب سيناء اللتين استقطبتا أكثر من نصف التنمية السياحية في البلاد، فضلًا عن مجالات مبشرة على الساحل الشمالي وفي الصحراء الغربية.