حكايات من داخل سجن النسا.. «صافية» قتلت ابنها بسبب المخدرات
السبت، 15 أبريل 2017 12:10 ص
جدران شاهقة وأسلاك شائكة ودوريات مستمرة لضباط الحراسة والكلاب البوليسية، ولافتة كبيرة كتب عليها «سجن النسا بالقناطر»، للوهلة الأولى تعتقد أنك ستقابل بالداخل قتلة محترفات، تحجرت قلوبهن من الكراهية، وأسودت وجوههن من الحقد لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فأغلبية السجينات غلبن على أمرهن خاصة «صافية» التي تقضي عقوبتها بتهمة قتل نجلها بسبب تعاطيه المخدرات.
على الرغم من انقضاء عامين على دخولها السجن إلا إنها لا تزال غريبة، تتخذ مكانًا قصيًا عن الجميع، تمسك بين يديها كتاب الله، تردد آيات القرءان الكريم في خشوع، وتهديها إلى ابنها عسى الله يغفر له ولها، فألتقت «صوت الأمة» بالأم، لسماع حكايتها، فشرعت تردد بصوت خافت: «الله يرحم عبدالرحمن كان نفسي أشوفه كويس ومجتهد في شغله بس المخدرات آخرتها وحشة».
توقفت «صافية» للحظات من شدة إنهمار دموعها علي خديها قبل أن تكمل: «أنا مقتلتش ابني ومفيش أم في الدنيا يهون عليها إبنها، أنا عندي ولد وبنت غير عبدالرحمن الله يرحمه، أبوهم مات وسبهوملي لوحدي في الدنيا، شوفت أيام صعبة واستحملت عشان خاطر عيالي يبقو حاجة كويسة، بس المخدرات اتمكنت من عبدالرحمن وحولته لشخص تاني».
جففت الأم دموعها بهدوء، وارتسمت على ثغرها ابتسامة حزينة، وهي تنظر بعيون فارغة تائهة، متابعة: «عبدالرحمن كان دايما بيتخانق معانا عشان عايز فلوس يشتري بيها الهباب اللي كان بياخده .. ولما نقوله مفيش يفضل يكسر في الشقة ويضرب فينا لغاية ما ياخد الفلوس وينزل يشتري المخدرات ويرجع واحد تاني خالص يخش أوضته ويقفل على نفسه وينام».
لم تدم الابتسامة على وجه «صافية» وعادت الدموع لتملأ وجهها مرة أخرى، وهي تضيف: «قبل الحادثة بيوم كان عايز فلوس عشان يشتري بيها المخدرات وأنا مكنش معايا فلوس وكان في حالة ربنا ما يجعل أي أم في الدنيا تشوف أبنها زي ما أنا شوفته .. إبراهيم وسارة أخواته حاولوا يبعدوه عني عشان كان عايز يضربني، والناس اتلمت علي الصوت، وصحابه طلعو خدوه ونزلوا».
وتابعت بصوت متهدج: «عبدالرحمن رجع البيت الفجر ودخل نام وكنت خايفه يتخانق مع اخواته بسبب اللي هما عملوه فقفلت عليه الباب بالمفتاح، والصبح أخوه راح المدرسة، وبعت سارة تجيب حاجات للبيت، وبعد شوية صحي عبدالرحمن من النوم ولما لقى الباب مقفول عليه فضل يكسر في الباب لغاية ما خرج واتخانق معايا تاني روحت وقعته على الأرض وهو مكنش قادر يقاوم من كتر البرشام وكان في سلك كهرباء جنبي فربطت جسمه ورقبته بالسلك».
سرحت عيون صافية، في الفراغ حولها وكأن شريط الواقعة يمر أمامها بسرعة قبل أن تكمل: «لما عبد الرحمن سكت افتكرت إنه نام من كتر التعب روحت قفلت الأوضة عليه لغاية ما اخواته رجعوا، وحكتلهم اللي حصل.. كل ده وعبدالرحمن ملوش صوت، دخلنا عليه الأوضة نحاول نصحيه بس مفيش فايدة.. مش بيصحي ومفيش نفس خالص داخل صدره».
دخلت الأم فى موجة بكاء طويلة لتنهيها بتنهيدة قوية وتقول: «المحامي قالي أبلغ القسم أنه مات بسبب جرعة مخدرات كبيرة، ولما شافوا الجثة عرفوا أني بكذب وسألوا سارة وإبراهيم وقالوا الحقيقة فاعترفت بس أنا والله العظيم مقصدتش أقتله.. ده ضنايا، أنا ياما سهرت جنبه وياما تعبت عشانه واتمرمط في البيوت عشان أعرف أجيب له ولأخواته كل اللي نفسهم فيه»