مصر آمنة رغم الاستهداف.. الإرهاب يتألم غيظًا من استقرار كنانة الله بتعانق عنصريها
الإثنين، 10 أبريل 2017 04:28 م
مصر آمنة رغم الكيد لها، ورغم استهدافها، ولا طعم لمصر الآمنة رغم الاستهداف إلا بعنصريها المسلمين والأقباط الذين صنعا ثورة 1919 معا فخطب البطريرك من أعلى منبر الأزهر، والشيخ من الكنيسة، لتستعيد الساحة نفس المشهد حينما قضى مسلمون في الدفاع عن الكنيسة متشحين بملابس الشرطة، ويستقبل مسجد جامعة طنطا مصابي الحادث الإرهابي الذي فجر كنيسة طنطا من الأقباط لمعالجتهم حفاظا على الدم المصري لدى تدفق الدماء الداعة في عروق المسلمين للتبرع لإخوانهم في مشهد مهيب.
وتتجسد ملامح الوحدة وهي الضمان الوحيد والأول لأمن مصر واستقرارها، في ثورة 1919 وفي 20 أبريل بالتحديد كان عيد الفصح عند المسيحيين، واحتفل به المسيحيون لكنه كان احتفالا بمذاق مصري خالص وشاركت فيه مصر كلها ويكتب عبدالرحمن بك فهمي في مذكراته «انقلب هذا اليوم إلى عيد قومي ظهر فيه التضامن بأجلي مظاهره، وقد ذهبت وفود المسلمين إلى دار البطريركية مهنئين الأقباط بعيدهم، وهناك خطب الخطباء من العنصرين فأكدوا بذلك روابط المودة والإخاء بينهما وفي 24 أبريل ذهب وفد من السيدات القبطيات إلى مسجد السيدة زينب حيث كان في انتظارهن فريق من السيدات المسلمات وقد ذهب أولئك لرد التهنئة لهؤلاء فكان ذلك حادثا فذا في التاريخ» (مذكرات عبدالرحمن فهمي – ص260)، ولعل من حقنا أن نقارن بين هذا الاحتفال المصري وبين عديد من الفتاوي المتأسلمة التي تحرم على المسلم تهنئة المسيحي بعيده لأن في ذلك تشجيع له على الشرك بالله.
وفي غمار الثورة –حسب الدكتور رفعت السعيد- شارك مكرم عبيد وكان أيامها سكرتيرا للمستشار القضائي الإنجليزي في قيادة إضراب الموظفين، فلما عاد من الإضراب وجد المستشار غاضبا عليه، فأعد مذكرة مطولة شرح فيها موقفه ورؤيته للثورة، وتحدث فيها عن العلاقة بين المسلمين والأقباط في غمار الثورة وقال «فكان قسوس بني القبط القادة المنشودين لجموع المتظاهرين، وما أحلي صيحات الفرح التي كانت تصعد من قلوب القوم كلما مر بهم علم يتعانق فيه الهلال والصليب، أما بنو القبط فقد ظهر للعيان اندماجهم في الحركة قلبا وقالبا، وقد غضب الإنجليز من ذلك، وقد قال القاضي مارك بارنت أمامي في معرض الكلام عن حوادث أسيوط إنه فقد تعاطفه مع الأقباط وأنهم يستأهلون ما سيجره عليهم الأمر الذي سعوا نحوه وهو الثورة»، ويمضي مكرم عبيد «قيل هذا وقيل سواه، وجميع ما قيل في الضلال والبعد عن الحقيقة سواء، لقد دخل الأقباط في غمار الثورة عند أول عهدها، وإن أهل الرأي فيهم لا يقلون في حماستهم عن إخوانهم المسلمين وأن صيغة الروح واحدة بين العنصرين في الوطنية المصرية، إني أذكر ذلك وفي قلبي مرارة من التكلم عن الأقباط والمسلمين كأنهما فريقان، ذلك أن اختلاف الدين لا يجوز أبدا أن يغير الوجهة السياسية في أمة اتحدت لديها القومية والجنس واللغة والتاريخ والعادات، وإني لأشعر بأن الوقت قد حان كي لا تعرف بيننا إلا كلمة مصري ولا يذكر المسلم والقبطي إلا في دور العبادة» و«لقد اقتربت الساعة التي لا يكون اختلاف الدين فيها حتى داخل العبادة ذاتها إلا اختلافا في التعبير، وتكون عبادة مبدع الكائنات مناجاة روحانية للذات الصمدانية، ولقد ولدت ثورتنا المباركة بطلا للبلاد في شخص القس سرجيوس، ولست أجد ما أختتم به رأيي في ذلك الموضوع خيرا من قول مأثور عنه فقد قال القس الكريم «إذا كانت الحال تدعو للتضحية بمليون قبطي في سبيل حرية سائر المصريين فإن التضحية تكون واجبة وثمنها غير ضائع.
كان هذا في ثورة 1919 التي أثمرت فيما بعد دستور 1923، واحترام وتآخ وتوحد بين مسلمي مصر وأقباطها على مدي عقود عديدة، لأن مصر في ذلك الحين كانت لا تعرف للإسلام إلا مذاقا وتوجها وفهما واحدا ينبع من الأزهر الشريف، لكن الأمر الآن لم يعد كذلك فجماعة الإخوان تكتفي بما أسمي تهكما «تبويس اللحي» وكلمات تتحدث عن الأقباط الأخوة في الوطن.. لكن حكومة الإخوان ورئيس الإخوان يقولان فقط إن الإقباط أخوة في الوطن ولا ينطقون أبدا بأنهم أخوة لهم ذات الحقوق.. الكاملة تماما كالمسلمين، والتجارب العملية أوضحت ذلك فحقوق التوظف المتساوية مفتقدة ولا يذكرها د. مرسي، وبناء دور العبادة لا يتحدث عنها مرسي، وعدم التمييز في قواعد القبول لكليات بذاتها لا يذكرها د. مرسي.. وهكذا يجد الأقباط قبلات تلتقي مع قبلات أخري وليس أكثر، ويجدون دستورا ومحاولات دائبة لطبخ وتبرير وتمرير دستور سلفي – إخواني يهدر حقوق المواطنة ويسلب من الأقباط آخر ما كان بأيديهم من حقوق.
كما أن السينما المصرية، جسدت ضمانات الاستقرار والامن المتمثلة في الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط، وتعددت النماذج القبطية على الشاشة، كذلك طرحت غالبية الأعمال التي قدّمت في السنوات الأخيرة العلاقة بين المسلمين والأقباط بشكل مباشر وركزت على فكرة التعايش السلمي في المجتمع المصري.
ارتبطت الشخصية القبطية في السينما المصرية بمساحة الحرية الموجودة في كل عصر، ففي عهد الملكية ولغاية بداية عصر أنور السادات لم تكن ثمة حساسية في العلاقة بين المسلمين والأقباط ولم تكن ظاهرة إلا في بعض الأفلام التي كانت طبيعتها تتطلّب ذلك، في ما بعد حاول أنور السادات استخدام تيارات دينية سياسية لمواجهة تيارات يسارية، ما أفرز مدًا متطرفًا انعكس على الأقباط فظهرت شخصية القبطي على الشاشة مشوّشة يتنازعها الخوف والقلق.
في السنوات الـ 15 الأولى من عهد الرئيس حسني مبارك تناولت السينما شخصية القبطي بشكل مثالي والتأكيد على أنّه نسيج واحد وأنّه ليس دخيلا على المجتمع. أما السنوات الأخيرة من عهد مبارك وصولاً إلى مرحلة الثورة وما بعدها فشهدت حساسية نسبية في التعامل مع الأقباط لعدم الاستقرار في العلاقة ونشوب فتنة طائفية، وقد تبنى التلفزيون المصري مبادرات لكتابة أعمال درامية عن الجو الودي والإخاء في العلاقة بين المسلمين والأقباط.