كفانا كوابيس
الثلاثاء، 04 أبريل 2017 10:00 ص
من أسوأ الأشياء فى هذا البلد الآن ، أن الكوابيس تتحول كثيرا إلى قرارات وقوانين ، وعلى طريقة التعديل العجيب الذى أقره مجلس النواب فى قانون السلطة القضائية ، الذى يعطى رأس السلطة التنفيذية حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية ، وإهدار مبدأ الأقدمية الذى تعارف عليه القضاء المصرى طوال تاريخه ، وإهدار حق الجمعيات العمومية فى اختيار رؤساء محكمة النقض ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وغيرها ، بل وإهدار المبادئ الحاكمة للدستور ذاته ، والتى أكدت على الاستقلال الكامل للسلطة القضائية ، وعلى أولوية الفصل والتوازن بين سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء ، ومنع تغول سلطة بذاتها على غيرها ، وتصوير سلطة التشريع كأنها مطلقة ، أو أن مجلس النواب هو «سيد قراره» والحاكم بأمره ، وهى روح تسلط تبدو غريبة وطريفة ، إذ أن البرلمان الحالى أقرب إلى «مينى برلمان»، انتخبه «مينى شعب»، ووصل غالب النواب لكراسيهم بعشرة بالمئة فقط من إجمالى الناخبين المقيدين ، وقد لا يؤثر ذلك فى شرعيته القانونية المجردة ، وإن كان يأخذ من حساب الأهلية السياسية الفعلية.
نعم ، سلطة التشريع لها حدود ، ولها قواعد مرسومة فى الدستور ، الذى يؤكد على ضرورة أخذ رأى السلطة القضائية فى أى تشريع يخصها ، وهو ما كان موضعا لعملية دهس خشنة من مجلس النواب ، ومن نواب تصوروا أن لهم سلطة إلهية ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالقضاء ، أو حتى بالأزهر الشريف نفسه ، الذى تحدث نواب عن نوايا إصدار تشريع جديد ، يعطى رأس السلطة التنفيذية حق تعيين وإقالة شيخ الأزهر ، بينما يعطى الدستور حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية لجمعياتها العمومية ، ويعطى هيئة كبار العلماء حق انتخاب شيخ الأزهر ، ويعتمد رئيس الجمهورية تعيين الأشخاص المختارين ، بينما لا يبالى بعض النواب بأحكام الدستور ، ويتعاملون مع نصوص الدستور كأنها «مناديل كلينكس»، يحق لهم أن يغيروها متى شاءوا ، أو أن يسقطوها من الحساب ، حتى لو لم تتغير حروفها ، وكأنها مجرد حبر يجف فوق الورق ، وهذه كارثة حقيقية ، سبق لمصر أن ابتليت بها طوال ثلاثين سنة من حكم المخلوع ، جرى فيها وضع الدستور تحت الأقدام ، وتعديل نصوصه بحسب المزاج والمقاس العائلى ، وكان الانقلاب على الدستور انقلابا على الشرعية ، وأساسا قانونيا للثورة التى اكتسحت حكم العائلة ، وهو ما قد يصح أن يتذكره المتحمسون لإهدار نصوص الدستور ، وعلى ظن أن أوراق الدستور هى «أوراق كوتشينة»، يمكن التلاعب بها تيسيرا لشئون النفاق العمومى ، مع أن الرئيس السيسى يكره النفاق والمنافقين ، ويعى جيدا درس ما جرى قبل الثورة الشعبية ، ويعرف أن الانقلاب على الدستور هو انقلاب على نظام الحكم ، وقد رفض علنا ومرارا أفكار تعديل مدد الرئاسة المقيدة بمدتين فى الدستور ، وقد نص الدستور نفسه على حظر تعديل مواد الرئاسة والحقوق والحريات ، وكأن المشرع الدستورى كان يتحسب لتكرار المهازل ، وفتح مدد الرئاسة إلى غير ما حد أو سقف ، على طريقة التعديل الذى لم يستفد به الرئيس السادات لاغتياله فى حادث المنصة ، وورط البلد فى حكم بليد راكد فاسد متخلف ، امتد لثلاثة عقود كاملة ، وكان يمكن أن يتصل زمنه إلى اليوم ، لولا أن ثورة الشعب المصرى سبقت إلى خلع مبارك وعائلته.
ولا بأس أن ينتبه ويتيقظ مجلس النواب إلى دوره التشريعى ، ولكن ليس بالتغول على سلطة القضاء على نحو ما جرى ويجرى ، وإهدار أحكام نهائية باتة من محكمة النقض ، على طريقة إهدار حكم النقض فى إبطال عضوية نائب بعينه ، وتوالى الشهور الطويلة دون أن ينفذ الحكم ، مع أن الدستور أعطى لمحكمة النقض كلمة الفصل بالخصوص ، ولا يعطى لمجلس النواب حق التعقيب ، فما بالك بالتعويق ، وإهدار نص الدستور وحكم النقض فى نفس واحد ، فى الوقت الذى لا يكاد يسمع فيه أحد إلى صوت مجلس النواب ، لو تعلق الأمر بدوره التشريعى والرقابى الأساسى ، وبالذات فى مواجهة تغول السلطة التنفيذية ، والتى تصدر القرارات دون رقابة حقيقية، ودون نظراستجواب واحد فى البرلمان حتى الآن ، والحكومة توقع على الاتفاقيات الدولية وتنفذها ، ثم تتذكر متأخرة أن هناك شيئا اسمه مجلس النواب ، لا بد من أخذ توقيعه بالمرة على ما جرى ، وعلى طريقة الاتفاق الحكومى مع صندوق النقد الدولى ، والذى وافق عليه البرلمان بعد أن شبع تنفيذا ، وحصلت الحكومة على التوقيع البرلمانى المضمون فى أقل من ثلث ساعة ، بينما يستأسد البرلمان فى العصف بكرامة القضاة ، ويتصور أن دوره هو مراقبة الشعب لا محاسبة الحكومة.