المعترفون بالخطيئة.. بعد خراب البلد
الإثنين، 03 أبريل 2017 03:00 مكتب- عبدالفتاح علي
الاعتراف بالخطأ فضيلة، هذا صحيح، لكن التوقيت قد يكون أهم من الاعتراف ذاته، فما هى جدوى الاعتراف إذا ما خربت البلد، وماذا سيغير إذا ما وقعت الفأس فى الرأس، وزهقت الأرواح، وسكب اللبن على رمال الصحراء؟
فعلها كبيرهم حسنى مبارك، بعد فوات الأوان، عندما قرر ألا يترشح لفترة رئاسية سادسة، الآن فقط أدرك أن الشعب بات يلفظه.
الدكتور هانى توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، والذى يفضل أن يوصف بالخبير الاقتصادى، خرج علينا الأسبوع قبل الماضى فى حوار أجراه الزميلان سيد جبيل ومحمد الدعدع فى جريدة الوطن، ليزف إلينا اعترافه بالخطيئة التى ارتكبها مع فصيل نادر التكرار فى الفساد السياسى والاقتصادى حكم هذا البلد تحت إشراف وتوجيه الرئيس المخلوع.
وقال نصا «أعترف أننى اشتركت فى جريمة اسمها «الخصخصة» فى التسعينيات ولا أخجل من البوح بذلك، وكنا نستهدف بيع الشركات الحكومية بأعلى سعر ولم نكن نعلم وقتها وسائل وبدائل أخرى كزيادة رأس المال أو الإيجار أو المرابحة والإدارة، أو التخصيص لمدة 49 سنة بدلا من البيع المباشر».
وبعد تدمير قلاع صناعية، ونسف إمكانيات تجارية، ومحو تاريخ وخبرة فى السوقين المصرية والعربية، جاء الرجل ليقول لنا «سورى» أنا كنت مخطئا.
وبعد هذا الاعتراف بالجريمة، يعود الدكتور وينصح الحكومة بمنح 10 ملايين أسرة فقيرة 5400 جنيه شهريا دعما نقديا بديلا للدعم العينى.
من أين ستحصل الحكومة على هذا المبلغ الذى يقارب 540 مليار جنيه؟
وفقا لوجهة نظره العبقرية، ستحصل من الضرائب «غير المحصلة»، ووقف نزيف التهرب المقدر بـ 400 مليار جنيه سنويا، وإلغاء الدعم العينى الذى يستهلك 250 مليار جنيه.
واستمر الدكتور هانى توفيق فى اعترافاته، عندما قال إن ضريبة الدمغة على البورصة ضريبة ظالمة، وطالب بضريبة عادلة على الأرباح الرأسمالية، بل واعتبر مَن يرفض دفعها أنهم «حرامية عايزين يسرقوا الدولة، عايزين يكسبوا وما يدفعوش»، وأن الحكومة ضعيفة ومصابة بداء عدم الفهم.
لم يحدد الدكتور العبقرى مَن الذى يتهرب من الضرائب فى مصر، رغم أنه يعرفهم جيدا، هم الفئة التى قدم إليها أصول الشعب على طبق من ذهب، هم الفئة التى منحها شركات القطاع العام، وقت أن كانت له كلمة مسموعة فى التخلص من أدوات الإنتاج التى دفع ثمنها الشعب من قوته وضرائبه.
هم الفئة التى حددها زميله فى فرقة المعترفين بالخطايا متأخرا، أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، الذى قال فى أكثر من تصريح له نصا «إن مصر بها أكثر من 200 مليار دولار، وهناك 10 عائلات فى مصر تملك 100 مليار دولار وحجم رءوس أموالهم أكبر من الاحتياطى النقدى فى مصر».
مر التصريح الكارثى مرور الكرام، كأن أحدا لم يسمعه، وكأن أحدا لا يدرك فداحته، وكأن أحدا لا يعلم أن رجل أعمال مثل أحمد عز الذى سيقت له شركة حديد الدخيلة كما تساق الأغنام إلى الذبح، كان أحد العشرة المنعمين بالمليارات، وهو ما حدث فى عهد الدكتور كمال الجنزورى، ومنها كون إمبراطوريته الحالية.
وكأن أحدا لا يعلم أن نجيب ساويرس، كان واحدا من العشرة المنعمين بالمليارات، وهو الذى حصل بالأمر المباشر على شركة المحمول الحكومية الوحيدة، اشتراها بـ مليار و755 مليون جنيه، بعملائها، وإمكانياتها، وموظفيها، وأموالها وأصولها، بلعبة شهيرة حدثت فى البورصة، وبُح صوت الشرفاء لوقف المهزلة، لكن لا حياة فى حكومة «مرخية».
وبعد 17 سنة من الأرباح، باع حصته على مرحلتين كان إجمالى ما تقاضاه من العمليتين 6.4 مليار جنيه.
القائمة ليست طويلة، ومعروفة بالاسم، يعرفها كل مسئول شارك فى ارتكاب جريمة التخلص من القطاع العام تحت مسمى الخصخصة، بداية من الجنزورى وحتى الدكتور هانى توفيق.
الآن فقط يبكون على اللبن المسكوب، الآن فقط وقد عصيت قبل، الآن فقط بعد أن أصبحنا شبه دولة، بأفعال وقرارات وسرقات أباطرة يعتقد الناس أنهم رجال معصومون.