«بتوع الحرام يهاجمون بتوع الحلال».. تصاعد حرب المكفراتية على فقهاء الوسطية

الخميس، 30 مارس 2017 12:20 م
«بتوع الحرام يهاجمون بتوع الحلال».. تصاعد حرب المكفراتية على فقهاء الوسطية
جامعة الأزهر
كتب – إسماعيل رفعت

«هل ولد النبي صلى الله عليه وسلم أزهريًا، وتلقى تعليمه في المعاهد الأزهرية، أو تخرج من جامعة الأزهر؟»، سؤال ربما يتبادر إلى ذهنك لتعرف موقع هذه المؤسسة من الإسلام، ومن تراه من أنها تتحدث وكأنها الوصي الشرعي على دين الله، والمحتكر لعلم الله، هذا السؤال ربما توجهه إلى نفسك بنية سليمة، بينما يسوقه أحد مستبيحي مهن غير البنية السيئة مستهدفا سحب البساط من تحت أقدام الأزهر لارتداء عباءة الواعظ ولي الله على خلقه، الذي يحكم الكون ويحكم على خلقه بالكفر والإيمان من على كرسي صغير يشغل مساحة 60 سنتيمترا تحت قبة مسجد يغرد بعيدا عن سرب الأزهر، أو نفس المساحة في بلاتوه سئيم في قناة عبارة عن شاشة وأنتيكة متشحة بوشاح خليجي تتحدث بلسان الله من منطق القدسية.

وفي الأثناء ولدى احتفال إذاعة الوسطية، إذاعة القرآن الكريم بعيدها السنوي الـ53، وهي الذراع الناعم للأزهر في كل بيت مصري، وفي العالم أجمع، أظهر من ترفض أن تقيم له الإذاعة وزنا حقده بهجوم كاسح عليها، مؤكدا أنها إذاعة الضلال، مستهدفين ليٌ الذراع الإعلامي الوسطي، واسكات صوت الأزهر عبر الأثير المعتدل الواصل إلى اسقاع الدنيا الباردة منذ 53 عاما هي أكبر من عمر تيارهم المتجهم والمتأله على خلق الله بدون داع.

وهاجم المدعو أبو أسلم، أحد المتسلفة المنسوب إلى ما تسمى «الدعوة السلفية»، إذاعة القرآن الكريم، معتبرا إياها تستضيف شخصيات يبدلون أحكام الشريعة الإسلامية ويضللون الناس في الأمور الدينية، على حد قوله.

ووصف «أبو أسلم السلفي» في كلمة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أحد البرامج التي تقدمها الإذاعة بالضلال، قائلا: «برنامج دقيقة فقهية على إذاعة القرآن الكريم، ضلالٌ في ضلال، والمُسمى مجدي عاشور الذي يقدم البرنامج ويغير ويبدل في أحكام الشريعة تملُقا ونفاقا، لا جزاه الله خيرا، وعامله الله بما يستحق، وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل مُبدلٍ مُغيرٍ للشريعة، مُدلسٍ على الناس أمور دينهم».

وأشار «السلفي»، إلى أن إذاعة القرآن الكريم، تستضيف شخصيات، تحلل الاحتفالات بعيد الأم، وترى أن ربا البنوك جائز، وسماع الموسيقى حلال، الأمر الذى يعتبره هو مخالفا لصحيح الدين الإسلامي.

الحرب التي يشنها المتسلف، الذي يكني نفسه بأبو أسلم لكسب احترام وقدسية، سببها أن الإذاعة العريقة تضع الشيئ في موضعه وتتجاهل الجهلاء بأمور لا يتحدث فيها إلا العلماء، ولو كان عالما لحاور كما يتحاور العلماء، إتفاقا أو اختلافا فالنتيجة رأي يقابل رأي، ولو كان عالما لما تدني بابتذال لا يليق بمن يدعي أنه عالم، مهاجما شخص منسوب إلى مؤسسة متخصصة وعريقة، كانت أبرز تصريحاته التي يعتبرها المتمسلف تبديلا لشرع الله، هي: دار الإفتاء ورد إليها 3300 حالة طلاق فلم نحكم بصحة أى منها إلا 3 حالات، علماء «الأزمة» من يطلقون فتاوى تهدر الدماء وتفسد البلاد، و تطبيق الشريعة لا ينحصر في الحدود.. والقوانين المصرية توافق الشرع، ومن يقولون ببدعية عيد الأم هم البدعيون، وتخصيص يوم للاحتفاء بالأم جائز.. وكل ثانية والأم طيبة، تلك التصريحات سبب الخلاف لنسفها أرض التشدد والتكفير التي يقف عليها هذا الفكر وتلغي وجود أبو أسلم وكل أشباهه.

الأمر ليس غريبا فقد أهدر السلفية دماء السلفية في حرب وجود مستخدمين منبر الرسول في التعريض بالناس، واللعب بمشاعر البسطاء في مواجهة خصومهم، حيث لم يعد الأمر إلا كسب مساحة وجود وليس دينًا سنحاسب عليه من عقبل عبيد الشهرة، حيث شن الداعية السلفي هشام البيلي، هجومًا حادًا على القيادي السلفي محمد سعيد رسلان، واصفً إياه بأنه خارجيًا من الخوارج، يهيج على السلطان، متهمًا «رسلان»، بأنه يقوم بتوظيف الدين في السياسة، باستخدام المنبر في الدعم السياسي.

السلفية يواصلون هواية إهدار دم المختلف سياسيا، وحرق الأرض تحت أقدام المختلف، واستخدام المنابر سياسيا، لاغتيال المختلف، وشخصنة العمل الدعوي، «بما لا يخالف شرع الله»، واللعب بمشاعر الواثقين بهم، وتهيج الرأي العام وتأليبه لمصالح خاصة.

يوافق ذالك حالة من الشد والجذب بدأت منذ عقود مازالت مستمرة على مجرد مساحة منبر اعتلاه أولًا رسول الله محمد صلى الله عليه أفضل البشر وحذر قليلى العلم وراغبى الدنيا من ارتياده إلا بحقه، إلا أن صراعاً بات ملحاً بزعم الدعوة إلى الله من قبل بعض من وصفهم النبى بـ«المتنطعين»، المتشددة للوصول إلى عقول الناس في غير كفاءة بات من الضروري تعريف الجميع بملامحهم لتجنب بضاعتهم المرفوضة، يتبنون فقه التضييق الذي بني على فهم خاطئ للنص، يدور حول الملامح الظاهرية لنص الكتاب والسنة، الذي يسقط مقتضيات العصر، ويساق بطريقة مثيرة، جامدة، مجحفة بوسطية الإسلام، لم يدرسوه لكن قرأوه ونقله الآحاد مكتوبا عن الآحاد، لسرقة الأضواء، بينما يعمل رجال الوسطية الذين يتبنون الفكر الأزهري الوسطي الفقه الوسيع، فقه التعايش الذي يتلمس الحلال بينما الآخرون يعملون من قاعدة التحريم أولى.

ويواصل رموز متشددين تحديهم للفكر الوسطى، الذى تنعم به مصر منذ 1100 عام فى ظل الأزهر، وتحدى وزارات معنية بالدولة هى الأوقاف، والثقافة، والمؤسسة الكبرى، الأزهر الشريف، وذلك بمخالفة فكر الأزهر الوسطى ونشر التشدد بمساجد الأوقاف، والترويج لمطبوعات الفكر المستورد بمعرض الكتاب.

ويقدم «المتعصبون» الزاعمين ميراث السلف الصالح، حسب الأزهر: تشدد فكرى ينتهى باستباحة البسطاء، يستهلونه بتسطيح للفكر الدينى وإسقاط البناء العلمى والفكرى وأسماء القامات وتسلسل العلمى وانتظامه من شيخ إلى تلميذ فى فترة طويلة من الزمن للتعلم الجيد.

ويتهم الأزهر «المتعصبين»، بإسقاط وتجاهل المنهج الوسطى القائم على الرؤية المتعمقة وتأويل النص والاجتهاد وعلوم أصول الفقه المفسرة للنص، ويتهمهم "الأزهر" بالتنطع –المغالاة- فى الدين، وإدعاء الحكمة، والتجهم فى وجوه الناس وإعاء الإيمان، واحتواء العلم، وجهل وضلال مخالفيهم، والحكم على الناس جزافاً، وتقديم رؤاهم فى تجهم وتجاهل دور علوم الآلة وهى اللغة العربية، وإسقاط الذوق الدينى والعلمى، وتجاهل مراعاة تغير الحالة والزمن.

ويتهم «الأزهر» مناوئيه من «المتعصبين»، باستبدال منهج الدعوة «الأزهري» الصحيح والمتسامح والجاذب، بتحجرهم الطارد، الذى يخصم من الرصيد العددى للمسلمين بالتبديع والتفسيق وتشويش الأفكار والمعتقدات وزعزعة نفوس البسطاء، ويتهمهم الأزهر بالتجرأ على النص الشرعى وشروحه على مبدأ أن أئمة المسلمين رجال يناظرون المحدثين ممن يعتقدون فيهم ويعلون من شأنهم دون داعٍ من صناع مذهبهم"، ثم تقديس شيوخهم على أنهم أئمة كبار، ثم الإطاحة بكبار الأئمة واعتبار واضعى مذهبهم مقدسين، وينتهى الأمر بإقصاء من يخالفهم، وتبديعهم وتفسيقهم، والتجهم فى التعامل معهم ونبذهم وقد يتطور الأمر إلى قمة التشدد بإنزال المخالف منزلة أقل من المؤمن بمذهبهم وتكفيره ثم إهدار دمه حسب ملامح التشدد ورؤى مدارس التعصب المتطورة إلى درجة التكفير، وهى المدارس الأكثر تشدداً وندرة التواجد، وتبدو ملامح المتشدد معجباً بنفسه، لا يرى إلا نفسه ومعجب برأيه، يستعلى على آراء الآخرين.

ويواصل المتشددون في تحدى الميراث الثقافى والدينى الوسطى، وتعمد الإطاحة بأفكار المجتمع، وتغافلاً لإقدام الدولة "الأزهر-الحكومة-البرلمان" على تشريعات تقنين الفتوى والدعوة الملزمة لمتجاهلى التخصص، تعلن دائماً صفحات رسمية عبر فيس بوك تروج للفكر المتشدد، عن إطلاق «مجالس سماع» والترويج لدورات ومجالس تقتحم علوم يجهلونها ويتناولونها بالحفظ الظاهرة وبالتلقين دون فهم فى مساجد تسأل عنها وزارة الأوقاف المصرية، وتقديم أفكارهم عبر معاهد تحرم الدولة التعامل معها.

ويروج المتشددون حتى الآن وذلك امعاناً فى ترسيخ الفكر المتعصب والمتشدد وتقنينا لوضع اليد على منافذ الأزهر والحكومة ممثلة فى وزارة الأوقاف، ووزارة الثقافة ممثلة فى الهيئة العامة للكتاب ومعرض القاهرة الدولى للكتاب، ووزارة التضامن الاجتماعى، ووزارة العدل ممثلة فى دار الإفتاء المصرية، ومجلس النواب بتشريعات منع الفتوى والتدريس المخالف للأزهر، يتم تحديد ميعاد لدورات تمنح إجازات علمية دينية وثقافية بمساجد الأوقاف، وطرح مطبوعات تعبر عن فكرهم فى المعرض الدولى للكتاب تباع علناً ولا سيما المعرض المقبل بالقاهرة، واستخدام هواتف خاصة تستقبل اتصالات الحجز فى خدمة عامة ليست من اختصاصهم والترويج لأفكار وأعمال مخالفة عبر الانترنت، ومعسكرا مبيت بالمساجد.

والفرق واضح بين فتويي المتشدد والوسطى، فالوسطى يحرص على رفع الحرج عن السائل وإيجاد مخرج للسائل لا يخالف الشرع، قائم على مبدأ حسن الظن بالله، وأنا تكون المصلحة فثم شرع الله، من باب أن الأصل فى الأشياء أن تكون حلال ولا تحرم إلا بنص يوجد علة مؤكدةً، وأمام المتشدد فأبوابه مغلقة دائماً وأسواره عالية تجهدك فى الطريق إلى الله حسب رؤية قاصرة بالتدليس وإلصاق تشددهم برواية مكذوبة يدعون فيها على بن عباس وآخرين.

ويتم تفنيد إدعاءات الفكر المتشدد من خلال علوم الشرع (النص+الفكر+القراءة المتخصصة) مستخدمة علم الفقه –أصول الفتوى- على مبدأ التيسير بدليل، بناء على قاعدة أنه لم يقل أحد أن الفقه هو التشدد، والترجمة المعاصرة لعلوم الدين من باب «الفقه الوسيع-فقه التعايش»، القائم على مبدأ وأحل لكم الطيبات وحرم عليكم الخبائث، من منطلق أن كل شيئ وأي شيئ حلال مالم يرد نص بتحريمه، وقراءة النص تكون من أهل التخصص الذين أفنوا حياتهم تحت أقدام العلماء، ليعرفوا التنزيل، وصنعة التأويل، فطريق الله يبدأ بالإيمان وحسن الظن به وأداء الأصول والاجتهاد مع حسن المعتقد، ولم ياشدد الدين أحداً إلا غلبه، والإسلام يبحث عمن يدخل فيه ويدين به بينما يحرص متشددون على استخدام الصك الطارد أكثر من توسيع مدخله.

وببساطة يرتفع صوت المتعصب لوجود دافع يطلق للسانه العنان لكونه يهوى الشهرة وربما حب الظهور هو الدافع الوحيد للتواجد فى الساحة الدعوية، والمكاسب الدنيوية دفعت، واختلاف ذوقه وصنعته الضعيفة والتهيج الذى يمارسه ولا يعبأ بمظهره السلبى الضار بالدعوة يجذب إليه بعض المشوشين، بينما يتريث الداعية الوسطى فى أداء مهمته التى هدفه الأخروى، وكون مؤسسة الأزهر غير هادفة للربح ما يجعلها تعمل فى صمت غير مستهدف للربح والأضواء بينما يبحث الآخرون عن ضجيج يجلب الشهرة والمال.

والتعصب ليس فقط هو الذي يتبني فكر الجماعات اليمينية، بل هناك تعصب تنويري في صفوف الليبراليين، والشيوعيين، وغيرهم من المؤدلجين في غير التيار اليميني، وهوتعصب نخبوى أو تنويرى مزعوم يعادي الدين كله، ويستخدم مصطلحات مثل التجديد للإطاحة بالكل، في نهج تكتيكي يبدأ بالجزء أملا في هدم الكل، وهو لا يوافق هوي جماهيري، وقد استمد فكره بنفس طريقة المتشددين لأنه تعلم بدون أستاذ، ومعجب بنفسه، متعصب لرأيه وكأنه عين الصواب، يحكم على الكون ولا يقبل رأي أحد، ولا يحترم أهل التخصص ويعطي لنفسه الحق في كل شيئ ولا حق لأحد في أي صيئ لوصايته على عقول من يراهم جهلاء لا يحسنون التفكير.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق