ما فعله «اللاهون» بالذين «يصنعون مجدا»
الخميس، 30 مارس 2017 11:12 ص
نعم، ما زلت متأثرًا بعنوان المجموعة القصصية، التي صدرت للكاتب بلال فضل منذ 9 سنوات، «ما فعله العيان بالميت»، والتي كنا نتسلى بها عما يتراكم فوق رؤوسنا من هموم وكوابيس الثانوية العامة، رغم اختلافي الكامل مع صاحب المجموعة في رأيه وموقفه السياسي بعد ثورة 30 يونيو، إلا أن عنوان المجموعة الذي اقتبست منه عنوان مقالي هذا، والذي كان قد اقتبسه الكاتب نفسه من عبارة خادشة للحياء، كانت دارجة على ألسنة معظم الشباب وقتها، ظهر أمامي خلال الأسبوع الماضي، مع كل منشور أو تدوينة، تناولت بالجد والسخرية العبارة التي انتشرت كالنار في الهشيم، ولا يعرف أحد أصلًا لها، ومن قائلها ولا هدفه منها «بينما أنت تلهو.. أحدهم يصنع مجدًا».
قُلبت العبارة على كل وجوهها، ليس بها شيء من التنمية البشرية، لا تساعد على التحفيز ولا الترغيب، هي فقط تحريض فج على الحقد والبغض والغيرة المذمومة، والنظر إلى ما بيد الغير، والانشغال به عما بجعبتك من قدرات وطموحات، هي تكرار لواحدة من أسوأ العادات التي كان يستخدمها بعض الأهالي مع صغارهم، لحثهم على الاستذكار لأطول فترة ممكنة، وتحقيق أفضل ما في الدراسة، لا ينسى منا أحد كيف كان يدخل الأب والأم غرفة كلٍّ منا، منفردين أو مجتمعين، يتغامزان ويتضاحكان بغرض إثارة الغيظ، قبل أن يطلقاها رصاصة في الوجه «شايف ابن عمك جايب درجات إيه.. شايف ابن الجيران جايب أكتر منك إزاي».
كنا صغارًا، وغير مدركين للهدف، نتقابل في المدرسة، في أوقات الراحة واللعب، كل منا يكتم ما بداخله، ينظر إلى الآخر ويتمنى أن يحل محل صديقه، فلا يُعاير بتفوقه عليه، دون أن يدري أن نفس الجملة قيلت للآخر في نفس التوقيت، ولكن بتفاصيل مختلفة وأحيانًا بنفس التفاصيل، كبرنا فأدركنا وهْم ما كان يرنون إليه الآباء بعباراتهم تلك، ما أكثر المرات التي أوهمناهم بأننا «نصنع مجدا»، بينما كنا في حقيقة الأمر «نلهو»، يرونا محلقين في الكتب، ولا يرون ما تحتها من روايات وقصص، ومقالات فنية ورياضية شغلتنا عن حفظ «معاني المفردات».
نالت الجملة ما تستحقه من تهكم وسخرية، تسابق النشطاء بـ«اللهو» في سحقها بتعليقاتهم الساخرة، وكأنهم يثأرون لما ترك في نفوسهم من شقيقتها الصغيرة «شوف فلان ابن فلان عمل إيه»، أكثر من صديق يعمل بمجال التنمية البشرية، أكد لي أنهم يتعمدون البعد في محاضراتهم، عن فكرة عقد المقارنات، نظرًا لوقعها النفسي المنفر، عند الغالبية البشرية العظمى.
من قال إن كل اللهو مضر، وما محددات اللهو الذي يعطل عن صنع المجد، ومَن أَجزم بأن ما أراه مجدًا بالضرورة أن تراه مثلي، وما تراه أنت مجدًا يلزم أن أسير أنا خلف صنعه؟ لا أدعو بطبيعة الحال إلى التكاسل والتواكل، وانتظار المجد يأتينا ونحن نلهو، ولكن من ينكر أن مجهولًا هانئًا متزناً، متسقًا مع نفسه، راضيًا عما يفعله، ليس صانعاً لمجد، لست أحد خبراء التنمية البشرية، ولا من رواد ندواتهم – ليس داع لفخر ولكنه واقع فرضه ضيق في الوقت - لأسترسل في كتابة ما يجب أن يكون، وما يسير المرء خلفه، لتحقيق ما يرضيه من مجد، وتطعيمه بما يسعده من لهو، ولكني مؤمن بأن المجد الشخضي، ليس نموذج للإجابة نسير خلفه، هي فقط معادلة لن تخرج صحيحة، إلا بوضع القدرات والطموحات والأحلام والظروف جنباً إلى جنب، والتي لن تجدها ثابتة بكل أركانها في شخصين بأي حال من الأحوال.