دور المسنين «حائط مبكى» في عيد الأم لمكافحات شتتها بيوت العقوق لتجمعهن دور البر
الثلاثاء، 21 مارس 2017 01:00 م كتب - أيمن صابر
عندما يقابل الإحسان بالإساءة.. عندما يقابل المعروف بالنكران.. عندما يتحول الأصل إلى هامش يعاني من التجاهل.. عندما تتحول الأم في حياتها إلى ماضى يعاني من التجاهل والعوز والقطيعة فأنت أمام عقوق للأم التي جعلها الله رحمًا ورحمة للإنسانية لتعمير الكون ومصدر للحنان، ومع القطيعة والعقوق وخاصة في يوم الأم الذي جُعل لمن ليس له أم، أو أم ليس لها أولاد تتحول دور المسنين إلى «حائط مبكى» لأمهات أودى بهن العقوق إلى خارج البيت الذي بنينه بسواعدهن بعد كفاح مرير في خريف العمر على طريقة آخر خدمة الغز علقة، لفضليات ساقتهن الظروف الصعبة وعقوق الأبناء إلى الإقامة في دار المسنين بعد رحلة كفاح مع أبنائهن، وهو ما تحكيه القصص التالية:
عندما دخلنا دار المسنين بسوهاج، لنتعرف على حكايات وقصص الأمهات اللآتي يقمن بالدار لنقدم لهم التهنئة في يوم عيدهن، لم نكن نعرف قصص ومآس إنسانية تصل إلى هذه الحالة من عقوق الأولاد لأمهاتهن، وأن يصل الجحود ونكران الجميل الى هذا الحد.
في البداية تقول السيدة رجاء عبدالعال محمود، 59 سنة، وتعمل مدير العلاقات العامة وخدمة المواطنين بالتأمينات والمعاشات بسوهاج، أن حياتها تحولت لجحيم بعد وفاة زوجها على فؤاد، الذي كان يعمل وكيل مدرسة سوهاج الثانوية الميكانيكية، ومستشار تحكيم دولى بجامعة عين شمس، منذ عامين، والتي عاشت معه قصة كفاح لتربية 4 أبناء، ولدين وبنتين، حصلت منهم الكبرى عبير 42 سنة على ليسانس دراسات إسلامية من جامعة الأزهر، وشقيقها محمد على بكالوريوس هندسة، ويعمل حاليا نائب رئيس مجلس قروى عرابة أبو دهب، وأبنها الثاني عبدالله، الذي ساعدته بـ50 ألف جنيه ليفتتح مشروع خاص «بلايستشن»، أما إبنتها الصغرى شيماء فهي لا زالت تدرس بالمرحلة الثانوية.
وحكت الأم المكافحة، عن رحلة العطاء التي شملت قيامها مع زوجها ببناء عمارة لهم مكونة من 6 أدوار، ومنحت كل واحد منهم شقة، قائلة: لم أحرمهم من شيئ، وقمت بمساعدتهم في جميع نفقات الزواج، وسافروا معي للعمرة، ومع ذلك لم أجن سوى الجحود ونكران الجميل، فإبنتي الكبرى التي قمت بتربية نجلها الأول فوجئت بها تقتحم شقتي وتضربني بعصى المكنسة، ومعها إبنها الذي دفعني فأوقعني على الأرض أمام ولدي الآخران، اللذان أكتفيا بالمشاهدة ودافع عني الجيران واصطحبوني للمستشفى العام في حالة إنهيار تام، وقمت بتحرير محضر بالواقعة، وأصدرت المحكمة حكمًا بحبسهم لمدة 3 شهور، ولك أن تتخيل عقب سفري للعلاج بالقاهرة من آثار الضرب الذي تعرضت له فوجئت بالجيران يتصلوا بي تليفونيا وقالوا لي «عيالك كسروا باب الشقة وخلوها على البلاط»، وألقوا بأثاث بيتي في الشارع.
وعن سؤال الأم المكافحة، عن سبب حدوث ذلك، أكدت أن التدليل الزائد وحنيتها في تربيتهم هو من أوصلها لذلك، وعجل بإلقائها في الشارع من عمارة بنتها لا تجد الآن مكانًا فيها، والطمع في ميراثها، بالإضافة إلى قيامها ببيع سيارة يملكها زوجها لتسديد ديونها التي استدانتها من زملائها ومعارفها أثناء مرضه ببكتريا في الدم استمرت رحلة علاجه 3 شهور، قائلة: استلفت من طوب الأرض لكي أعالجه، وتتذكر حديث زوجها لها عندما حذرها قبل وفاته وهو على فراش الموت وقال لها: «أنا خايف عليكي من الأولاد هتتبهدلي من بعدي»، لتستكمل: انقلبت حياتي إلى جحيم بعده.. وأصبحوا متوحشين.. بهدلوني.. ضربوني.. سمعت منهم أفظع الألفاظ رغم أنني لم أقصر في تربيتهم، وتعليمهم، وحصولهم على مؤهلات عليا، وتتساءل: لماذا يفعلوا بي كل ذلك؟ وما كل هذه القسوة؟ فأنا تركت لهم العمارة كلها!، وحصلوا على ميراثهم من والدهم، ولم أحصل منهم على شيئ، هل هذا جزائي بعد تعبي معهم طوال 42 سنة؟.
وتضيف قاطعوني بسبب وشاية زوج إبنتي الكبرى لهم، ولن أتنازل عن حكم حبسهم حتى ملابسي الفاخرة التي كنت أشتريها بآلاف الجنيهات من ش 26 يوليو بالقاهرة فوجئت بهم يقومون ببيعها في أسواق «الكانتو»، و منذ وصولي الدار.. لم يزرني أحد منهم سوى إبنتي الصغرى شيماء.
زوجة أب تربي وتزوج 3 أولاد من مصوغاتها الخاصة لتنتهي العلاقة بالضرب والطرد
أما السيدة روحية عبد المجيد محمود، 65 سنة، أرملة، من قرية الديابات مركز أخميم، فروت قصتها الحزينة وقالت: «تزوجت زوجي الأول، وأنجبت ولد وبنت، ولكن لم تكتب لهما الاستمرار على قيد الحياة وتوفيا، وانقطعت عن الإنجاب، وبعد مرور عدة سنوات توفي زوجي وتزوجت من آخر لديه 3 أولاد أكبرهم بالصف الأول الإعدادي، والثاني في الصف الأول الإبتدائي والأصغر تركه زوجي وعمره سنة، وقمت بتربيتهم بما يرضي الله وأكرمني الله بتزويجهم بعد أن قمت ببيع ذهبي الذي أملكه لتوفير متطلبات زيجاتهم، وأنجب كل منهم وعاشوا حياة مستقرة لكنهم تغيروا من ناحيتي بعد كل ما عملته معهم عقب وفاة والدهم، الذي كان قد اشترى منزل لهم مكون من 5 أدوار في البلد، ومحلين بمنطقة «القيسارية» التجارية.
وتستكمل زوجة الأب التي تعدت الأم في الحنان والرعاية لأبناء زوجها: نجل زوجي الأكبر أراد بيع محل منهما بـ150 ألف جنيه، فطلب مني التنازل عن المحل، قائلا : «أمضي على عقد بيع المحل، وأعطيكي اللى عاوزاه»، ونفذت بالفعل طلبه.. وعقب ذلك بيومين قال «عايزه كام»، قلت له»، ما تفرق بيننا اللي تجيبه قدر لي عشرة قروش هات خمسة وأسيب خمسة، وفوجئت به يضربنى بكل قوة حتى تورم وجهي وذهبت لقسم أول سوهاج، وعملت له بلاغ وطلبوا مني تقرير طبى من المستشفى بإصابتي، وحكمت عليه المحكمة بشهر حبس، وأستانف الجكم ليقضي عشرة أيام فقط بعدما تسبب في ضياع عيني وبصري، وقمت بإجراء عملية جراحية فيها.
ولم ينتهي المشوار بذلك بل قام أحد الذين عانيت في حياتي من أجله بضرب نفسه، وأبلغ القسم أن شقيقي قام بضربه ليجكم على شقيقي الذي يعمل بوزارة المالية بالحبس لمدة 3 شهور عقابا لي على شكواهم، وبسبب الحكم على شقيقي الذي لم يدخل قسم شرطة في حياته طردني أولاده من منزل أبي، وأتشردت وذهبت للإقامة مع شقيقي الثاني بقرية الأحايوة شرق، لكن زوجته لم تحتملني وأخي التاجر الميسور الذي توفي لم تحتملني زوجته أيضا، وألقت عفشي في الشارع برغم أننى أعاني من أمراض عديدة مثل السرطان، ولا أدري لماذا يكرهني أشقائي، وتساءلت: مرة أخرى هل أنا مجرمة؟، والله لم أفعل شيئا يكرهونني بسببه، ولم أجد الراحة سوي هنا في دار المسنين.
أما الحاج نوفل، فلم تحتمل زوجة أبنه خدمته، وتركه أبناؤه وحيدًا فدله البعض على الإقامة في الدار، لكن يصر نجل شقيقه عضو مجلس الشعب عن أحدى دوائر مركز قريب من سوهاج، على تركه الدار ومنح مسئولي الدار مهلة لإبعاده عن الإقامة بها، لأنه يشعر بالخزي من ذلك، والرجل يصر على البقاء لعدة أسباب منها: الألفة التي تجمع النزلاء، ويشعروا بأنهم أسرة واحدة، فتجمع دور البر ما فرقته بيوت العقوق.