فى ذكرى وفاته الخامسة.. ننشر مقالا نادرا للبابا شنودة عن الحب والجنس والشهوة
الإثنين، 20 مارس 2017 12:08 مكتب : عنتر عبداللطيف - ماريان ناجى
بابا استثنائى فى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، فهو رجل الدين، كاتب القصة القصيرة، الصحفى، والسياسى صاحب الموقف الشهير الرافض لزيارة الأقباط للقدس طالما أن الأراضى العربية ما زالت تحت الاحتلال الصهيونى، وهو شاعر له ديوان بعنوان «انطلاق الروح»، عاشق مصر الذى قال حبا فيها: «جعلتك يا مصر فى مهجتى.. وأهواك يا مصر عمق الهوى.. إذا غبت عنك ولو فترة.. أذوب حنينا أقاسى النوى.. إذا ما عطشت إلى الحب يوما.. بحبك يا مصر قلبى ارتوى.. نوى الكل رفعك فوق الرؤوس.. وحقا لكل امرئ ما نوى».. إنه المتنيح البابا شنودة الثالث الذى رحل عن دنيانا منذ 5 سنوات.
للبابا شنودة صولات وجولات وسباحة فى الفكر والأدب والسياسة وتأملات فى كافة مناحى الحياة.
يقول البابا عن المحبة الحقيقية للذات إنها: «تأتى بتدريب هذه الذات على محبة اللـه ودوام سكناه فيها خضوعها لعمل روحه.. والذى يحب ذاته هو الذى يسير بها الطريق الضيق من أجل الرب ويحمّلها الصليب كل يوم».
فمحبة النفس ليست خطية - وفق البابا شنودة - ولكن المُهم أن تتجه محبتك لنفسك اتجاها روحيا، تحب لنفسك النقاوة والقداسة وتحب لنفسك أن تكون هيكلا مقدسا للروح القدس، وتكون بلا لوم أمام اللـه.
تربطنا بالله علاقة الحب، لا علاقة الخوف. إن الخوف يربى عبيدا، أما الحب فيربى الأبناء، - حسب البابا شنودة- وقد نبدأ علاقتنا مع الله بالمخافة ولكنها يجب أن تسمو وتتطور حتى تصل إلى درجة الحب، وعندئذ يزول الخوف.
وعن حب المسيح يقول البابا شنودة: «المحبة هى الفضيلة الأولى بل هى جماع الفضائل كلها. وعندما سُئل السيد المسيح عن الوصية العظمى فى الناموس، قال إنها المحبة» تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك.. وتحب قريبك كنفسك» « وبهذا يتعلق الناموس كله والأنبياء وقد جاء السيد المسيح إلى العالم لكى ينشر المحبة، المحبة الباذلة المعطية، محبة الله للناس، ومحبة الناس لله، ومحبة الناس بعضهم لبعض. وهكذا قال لرسله القديسين: «بهذا يعلم الجميع أنكم تلاميذى، إن كان فيكم حب بعضكم نحو بعض». وبهذا علمنا أن نحب الله، ونحب الخير. ونطيع الله من أجل محبتنا له، ومحبتنا لوصاياه».
فى العدد 4421 من جريدة الأهرام الصادرة بتاريخ 23 ديسمبر 2007 كتب البابا شنودة مقالا رائعا، كشف مدى تنوره وتفتحه وثقافته وعدم تحرجه من الحديث عما يراه البعض أمورا شائكة، وأجاب قداسته عن أسئلة تتعلق بالحب والجنس فى مقال نادر له حصلنا عليه بعنوان: «الحب ما هو؟ وأنواعه». يقول فيه: «سألنى البعض: هل يمكن أن تحدثنا أو تكتب لنا عن الحب؟ أم أنك كرجل دين تتحرج من الخوض فى مثل هذه الموضوعات؟ فقلت: كلا ليس هناك من حرج، فليست الحساسية فى الموضوع الذى يتكلم فيه رجل الدين، إنما المهم فى الأسلوب الذى يتكلم به، وطريقة معالجة الموضوع بحيث تحتفظ بوقارها. والحب على أنواع: أهمها المحبة التى تربط بين الإنسان وخالقه. فالله تبارك اسمه بسبب محبته لنا يتولانا بالرعاية والعناية، ويغدق علينا من كرمه وعطائه، ونحن نحب الله من أعماق قلوبنا، وتظهر محبتنا له فى إيماننا به، وفى طاعتنا لوصاياه، وبأن نحيا حياة الفضيلة والبر التى ترضيه، وكما نحب الخير نحب الغير: نحب الناس جميعا، لا بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق نخلص لهم ونعمل على إسعادهم بقدر طاقتنا، وفى مقدمة هؤلاء: الأهل والأقارب والأصدقاء، وكل من يسمح الله بأن يوجدوا فى طريقنا لكى نعمل معهم خيرا، ومن الحب السامى أيضا حب الوطن، وهو غريزة فى الإنسان بحيث يحب بلده وشعبه بالمعنى الواسع، كما يحب قريته أو الحى الذى وُلد فيه أو الذى فيه ذكريات. انتقل من هذا كله إلى النوع الذى يظن البعض أن الحديث عنه لا يخلو من الحرج، وهو الحب الذى بين فتى وفتاة، أو بين رجل وامرأة، والشباب قد يسأل عن هذا الموضوع فى شئ من الحياء كأنه يعبر خطا أحمر».
ويضيف البابا: «وهنا وأتذكر سؤالا قدمته لى صحفية مشهورة منذ نحو 35 عاما، حيث قالت لى ما الفرق بين الحب والشهوة؟. وكانت إجابتى الحب يريد دائما أن يعطي، والشهوة تريد دائما أن تأخذ. الشهوة تريد أن تشبع ذاتها، ومن النادر أن تشبع. فهى تريد باستمرار، وقد يكون الطرف الآخر ضحيتها. وليس هذا هو الحب بمعناه الحقيقي، فالذى يحب فتاة لا يضيع سمعتها بكثرة لقاءاته معها، ولا يشغل فكرها بحيث تفشل فى دراستها أو فى عملها، والأهم من هذا كله أنه لا يضيع عفتها، ويلقيها إلى مستقبل مظلم! فإن كان يحبها لكى يتزوجها فليحفظها نقية وسليمة إلى حين يتم الزواج، كذلك فلنفرق بين الحب العاطفى والحب الجنسي، فالحب العاطفى لا خطر منه، ويمكن للشباب من الجنسين أن يحبوا بعضهم بعضا إن كان حبا طاهرا فى نطاق الحياة الجامعية أو الزمالة فى العمل، طالما يكون ذلك مجرد مشاعر بريئة لا علاقة له بالجسد وغرائزه، أما الحب الجنسي فله خطورته وانحرافاته وقد سمح به الله فى محيط الزواج وبه يتم إنجاب البنين واستمرارية الجنس البشري وفى غير الزواج لا يُسمح به، قرأت مرة لأحد الكتاب أنه عرض لموضوع الحب فقال إن الحب هو أكثر العواطف أنانية ولعله يقصد أن رجلا يحب امرأة، فيهمه أنها لا تحب أحدا غيره، كذلك فإن امرأة تحب رجلا، فلا تقبل أبدا أن يحب امرأة غيرها ومن هذين المثالين واضح أن هذا الحب يرتبط بالغيرة، ومثل هذه الغيرة تحمل فى داخلها أمرين هما عدم الثقة بالنفس ومعها الشك فى الطرف الآخر أن تكون له علاقة آثمة مع طرف ثالث، ولكن المرأة الواثقة بأنوثتها وبقوة جاذبيتها وبشدة تأثيرها على الرجل لا تجد سببا يجعلها تغار من امرأة أخرى، بل لا تحسب أن هناك امرأة أخرى تنافسها، وكذلك الرجل الواثق من محبة امرأته له والذى لا يشك أبدا فى إخلاصها له».
يتابع البابا شنودة فى مقاله: «موضوع آخر فى الحب وهو مدى العلاقة بين الشابات والشبان الزملاء فى الجامعة، وأنا دائما أقول إن الطالبة التى تتحدث مع كل زملائها بروح جامعية وفى أدب وحشمة لا يشك فيها أحد، لأنه من غير المعقول ومن غير الممكن أن تكون فى علاقة خاطئة مع الكل.. وبنفس الوضع الطالب الذى يتحدث مع كل الفتيات والزميلات بالروح الجامعية المعروفة.
إنما تبدأ الشكوك تحوم فى حالات التخصص، أى عندما تخصص فتاة فى الحديث مع شاب معين بالذات من زملائها، وتذاكر معه وتتبادل معه كراسات المحاضرات وتلتقى به دون غيره. هنا تبدأ الألسنة والشائعات وتصبح سمعتها وسمعته داخل علامة استفهام».
يضيف البابا شنودة: «وهنا قد يسأل البعض ألا يكون الحب بين زميل وزميلة فى الجامعة مقدمة لزواجهما؟. وفى الإجابة على هذا السؤال نقول إنه يندر زواج اثنين فى نفس العمر، فغالبا ما يكون الزوج أكبر سنوات من الزوجة. ثم إن الطالب سوف لا يتزوج إلا بعد التخرج، وبعد أن يقضى فترة الخدمة العسكرية ثم ينتهى منها ليجد وظيفة أو عملا يدر عليه رزقا «إنه كان ذلك ممكنا» بحيث يمكنه أن يجد مسكنا خاصا ويكون له مال يتقدم به للزواج.. وكل ذلك يستغرق سنوات. فهل ستبقى زميلته منتظرة له طول هذه المدة ؟ وهل سيبقى الحب بينهما قائما كما هو؟! على الرغم من انقطاع الزمالة الدراسية التى كانت تسمح بالتلاقى كل يوم تقريبا، وعلى الرغم من اختلاف ظروف الحياة لذلك فموضوع الزواج بين زميل وزميلة فى الجامعة يحتاج إلى روية ومزيد من العمق فى التفكير، وفى مجال الحب هناك نصيحة أقولها لكل فتاة: ضعى ضوابط لمشاعرك وعواطفك. ولا تفرطى أبدا فى نفسك. فغالبا ما لا يقبل أى شاب أن يتزوج من فتاة فرطت فى نفسها معه، وقد تحوطه الشكوك بأنه إن تزوجها قد تفرط فى نفسها مع غيره، مادمت هى سهلة بهذا الوضع. كونى حافظة لنفسك كل الحفظ.. ولتعرفى أن المحجوب مرغوب. ومن الناحية الأخرى يقول المثل إذا كثر العرض قل الطلب. وينهى البابا شنودة نصائحه قائلا: «أخيرا أقول للشباب: لتكن قلوبكم وأذهانكم عامرة بما يشغلها من مشاعر روحية وأفكار عميقة خاصة بمستقبلكم، ولا تتركوا فرصة لأى فكر جنسى أن يدخل ويعشش داخلكم، وأقول للفتاة: احتفظى دائما بحيائك فإن الحياء زينة المرأة».