«شق الثعبان».. مستعمرة صينية على أرض مصرية
الثلاثاء، 14 مارس 2017 02:32 م
طالب أصحاب ورش الرخام بمنطقة «شق الثعبان» على طريق الأوتوستراد بالقاهرة، بتقنين أوضاع ممتلكاتهم، وحماية مايزيد عن 100 ألف عامل، و1600 مصنع، من سيطرة البدو على المنطقة، وكثرة العمالة والعمالة الصينية، في الوقت الذي تطالبهم فيه محافظة القاهرة بسداد مبالغ جديدة دون تحديد جهة السداد، وهو ما يهدد مستقبل العاملين في هذه المهنة المهددة بالاندثار.. «صوت الأمة» أجرت جولة بالمنطقة، والتقت أصحاب الورش والعاملين لمناقشة أوضاع المنطقة.
ومن هنا على اليمين واليسار، كل شىء مصنوع من الرخام والجرانيت، في أشكال هندسية رائعة، وما أن ترفع رأسك بامتداد نظرك تجد الأوناش العملاقة تحمل صخور الرخام وماكينات التقطيع الشكل والقوة.
يعمل في المنطقة الصناعية نحو 100 ألف عامل في 1600مصنعًا، وعلى مساحة 4000 فدان، وتعد المنطقة مصدرًا للدخل القومي بحجم استثمارات بلغ مئات الملايين من الدولارات، -بحسب تقديرات- فضلًا عن كونها من الصناعات كثيفة التشغيل.
فى البداية، أكد الحاج أحمد صاحب مصنع رخام في المنطقة، أن «شق الثعبان» تضم عمالا ومستثمرين مصريين وصينيين، وأن العمالة الصينية تؤثر بشكل كبير علي العمالة المصرية وذلك بنسبة 80% لأنهم محتكرين المعدات وتشغيلها لأن العمالة المصرية لا يعلمون تشغيل المعدات الصيني جيدا.
وأضاف أن «شق الثعبان» تعانى عدم توافر المرافق والخدمات كالمياه والكهرباء وعدم وجود قسم شرطة، أو مستشفى لعلاج مصابي العمل، على جانب فرض إتاوات من العرب، وعمالة الأطفال في تقطيع الرخام؛ حيث يمثل ذلك خطورة على حياتهم؛ حيث أكدوا أن هناك تواطؤًا من مسئولين بالحكومة سمحوا لأفراد وبلطجية بوضع اليد على مساحات واسعة من المنطقة ومن ثم بيعها للمواطنين والعمال الراغبين في الاستثمار بالمنطقة، لتأتي بعد ذلك الدولة تطالب بإخلاء المنطقة وتهدد بطرد العمال وأصحاب المصانع والورش بيد أن هناك دعوات منهم لتقنين أوضاعهم وشراء الأرض مرة أخرى من الدولة.
ومن أجل الحصول على يومية بمبلغ من 60 إلى 80 جنيهًا، يدفع العمال الثمن باهظًا من حياتهم؛ حيث ينتشر التراب والكتل الرخامية والجيرية، إلى جانب مخاطر الإصابة في العمل تجعل العمال وكأنهم يقومون بالتضحية بأرواحهم للحصول على هذه اليومية.
وأكد خضرى صاحب مصنع رخام فى المنطقة أن العمال هم «الطرف الأضعف»، لأنهم بلا حقوق أو نقابة تحميهم أو تأمين صحى لهم، مضيفا: «عند إصابة العامل بعاهة مستديمة يتحمل صاحب الورشة جميع التكلفة لعلاجه، ويحوله من عامل لمسئول نوبتجية لأنه لا يتحمل عبئا كبيرا من العمل، رافضا قطع عمله بشكل نهائي.
وأشار إلى وجود أنواع متعددة من الرخام فى المنطقة، حيث يهتم أصحاب الورش والمصانع بأنواع الأحجار باعتبارها مهنة تجارية من الدرجة الأولى، موضحا أن كل نوع منها يأتى من محافظة مختلفة، كما توجد محاجر جرانيت ومحاجر للهشمة وأخرى للرخام، وتابع: «يتم نشر الأحجار حتى تصبح على شكل ألواح سميكة (طاولات)»، لافتا إلى أن كل «بلوك» له نوع ولون وشكل واستخدامات معينة، كما تتفاوت الأسعار بين المصرى والمستورد حسب النوع والقيمة.
ويرى مصطفي الحلواني، عامل فى محاجر «شق الثعبان» منذ 13 سنة، أن الأزمة الحقيقية فى المنطقة هى عدم شراء أصحاب الورش والمصانع ممتلكاتهم من محافظة القاهرة، حيث يتعاملون مباشرة مع العرب، باعتبارهم المتحكمين فى الحركة داخل المنطقة، مؤكدا أن عملية البيع والشراء تتم بـ«الكلمة» وليس بالتعاقد، ما يعنى أن بعض التجار خارج السيطرة.
فيما قال طارق الطنطاوي، فنى بإحدى الورش، إن الأدوات التى يستخدمها تشمل المواد الكاوية ومياه النار، حيث يذيب الأطراف من قطعة الرخام ويحولها لأشكال، مشددا على أن العامل يتعرض لإصابات جسيمة ولا يتحمل علاجها إلا صاحب الورشة التى يعمل بها، نتيجة عدم وجود تأمينات على العمال أو نقابة يتبعوها، وأضاف أن الشركات الكبرى لصناعة الرخام والجرانيت تؤمن على العمال الموجودين بها.
فى سياق متصل لفت محمود إلى أنه لا يمكن لأى مكان آخر غير «شق الثعبان» العمل فى الرخام، لوجود الأيدى العاملة المدربة بها، لأن مهنة الحجَّار تعتمد على الهواية والعمل والتمكن من الصنعة، واصفا الأيدى العاملة بالمنطقة بأنهم «شباب من دهب.. ومعظمهم خريجون.. ومحدش يقدر يعمل اللى بيعملوه»، وأشار إلى أن يومية العامل تتراوح بين 80 جنيها و250 جنيها، وتقدر حسب قدرة كل منهم على العمل اليومى ودوره داخل المصنع.
وتابع: «على محافظة القاهرة أن توفر للعاملين بالرخام والجرانيت نقابة ورقابة على الأسعار، بالإضافة إلى الخدمات التي تفتقر لها المنطقة بالكامل، وهي الصرف والأسفلت والأمن والكهرباء» مشددا على حاجتهم الماسة للأمن والحماية من استغلال العرب للمنطقة
وأشار محمود إلى أن الشرطة موجودة على الطريق الرئيسى بالأوتوستراد، فى حين أن الأمن منعدم تماما بالمنطقة، قائلا: «اتصلوا دلوقتى بالشرطة وقولوا فيه ناس بتعتدى علينا بشق الثعبان.. ولو حد جه ابقى كداب».
وقال السيد صاحب مصنع: يجب تقنين أوضاع المستثمرين الصينيين فى منطقة شق الثعبان، ما يسهم فى تحقيق المنافسة العادلة بين المصريين والصينيين العاملين فى مجال صناعة الرخام والجرانيت، كما طالب بتوفير بنية أساسية للمناطق المحجرية الجديدة، وإقامة الطرق، وتسهيل الحصول على التراخيص لزيادة الإنتاج والتصدير، مؤكدين أن مصر تحتل المركز السادس عالميا فى إنتاج الرخام.
ومن جانبه، أضاف المهندس رامى حداد، رئيس إحدى الشركات ، إن هناك زيادة فى الطلب على الرخام المصري في العديد من الأسواق، خاصة بعد تحرير سعر الصرف، واتجاه عدد من الدول لتغطية واجهات المبانى بالرخام.
وأشار إلى استغلال عدد من المستثمرين الصينيين توقف عدد من مصانع شق الثعبان واستئجارها ليتفادوا تطبيق قرار فرض رسم الصادر على بلوكات الرخام والبالغ 400 جنيه للطن، مضيفا أنهم يقومون بعمليات تصنيع كامل لبلوكات الرخام بعد إدخال آلات ومعدات حديثة وبيع منتجات نهائية حديثة فى السوقين المحلية والخارجية بأسعار منخفضة، نتيجة عدم الالتزام بنفس أعباء المستثمر المصري من تأمينات وضرائب وغيرهما من الالتزامات، وأشار إلى تحايلهم على القانون والاستعانة بالعمالة الصينية دون المصرية.
أوضح محمد فؤاد، أحد المسثتمرين، أن هناك طلباً متزايداً على الرخام فى السوقين المحلية والعالمية مع زيادة حركة المعمار وافتتاح المشروعات الجديدة.
من جانبه، قال معتز عابدين، إن منطقة شق الثعبان أكبر منطقة صناعية للرخام فى الشرق الأوسط، لافتا إلى استحواذ الصين على جانب كبير منها، وبالتالي تصدير الجانب الأكبر من الرخام المصري للسوق الأمريكية، داعيا إلى ضرورة تقنين أوضاعهم ووقف تصدير بلوكات الرخام.
وفى السياق نفسه، قال أحمد طارق صاحب ورشة، إن تحرير سعر الصرف ساهم فى زيادة الصادرات، ما دفع بعض الدول العربية إلى المطالبة بدفع قيمة الصفقات بالجنيه بدلا من الدولار.
وتبقي منطقة «شق الثعبان» في انتظار الخلاص من قبل الحكومة، ليجد 100 عامل الأمان اللازم، لدفع عجلة الاستثمار في طريقها الصحيح.