العلاقة بين الرجلين إما تبعية مطلقة.. أو عداوة مطلقة

حرب الشاهبندر ووزراء التموين.. يدفع ثمنها الغلابة

الإثنين، 13 مارس 2017 03:29 م
حرب الشاهبندر ووزراء التموين.. يدفع ثمنها الغلابة
خبز - ارشيفية
كتب - عبد الفتاح على

الوكيل أصبح «حوت» من الوزن الثقيل وليس له علاقة بالناس الغلابة لكنه شريك خفى للسلطة لتحقيق أهداف مشتركة ليصبح شاهبندر السلطة
 
نفوذ رئيس الغرف التجارية لا يقف عند سقف محدد فأطاح بوزير التموين الأسبق أبوشادى
 
الخسارة لا توجد فى مبدئه فهو يملك المقدرة على خلق الملايين بالشطارة
 والحظ
 
التاريخ مثلما قص علينا قصة الشاهبندر، وهو رجل مغربى يدعى شهاب الدين أحمد بن محمد الرويعى، كان من أشهر التجار أوائل القرن السابع عشر فى مصر، هو أيضا يحكى لنا حكايات التوتر والغرام المتبادلين بين أهم منصبين يحكمان استقرار البيوت المصرية.
لكن قبل حكايات التوتر والغرام، هناك رجل أعاد الثقة لمنصب الشاهبندر، وجعله أقرب للناس منه للسلطة والمال، وهو الحاج محمود العربى، الذى بدأ حياته برأسمال قدره 25 قرشا، حتى أصبحت ثروته مليار ونصف المليار جنيه، أنفق مثلها تقريبا على أعمال الخير.
وضع «العربى» أسساً فى أذهان الناس حول منصب الشاهبندر الشعبى، مثل أنه لا يتعامل مع أى إسرائيلى سواء كان تاجرا أو رجل أعمال، أو حتى سفيرا تعترف الدولة به.
 
وقبل أن تلوك الألسنة مصطلح المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال الذى ظهر قبل عشرين عاما تقريبا، صك العربى مصطلحا قبل خمسين عاما، يقول «احموا مالكم بمالكم» فى دعوة لكل رجل أعمال وتاجر، وثرى، بأن يستثمر أمواله فى الأعمال كثيفة العمالة، وأن ينفق بقدر ما يستطيع فى الخير وجبر خواطر الغلابة، فسترهم فقط مفتاح الأمان وبوابة الاستقرار.
 
لهذا ظلت أجيال كثيرة تنظر إلى الشاهبندر على أنه أقرب لحاتم الطائى، الغنى الكريم، أو التاجر الجدع الذى يحب الناس لا المال.
لكن فى نهاية عهد العربى رئيسا لاتحاد الغرف التجارية، بدأ الوريث (جمال مبارك) يبحث عن شاهبندر (مودرن) على مقاس الفكر الجديد، فقرر الضغط على العربى كى يتنحى، فترك له العربى الجمل بما حمل، وأفسح الطريق للرجل المطلوب، أحمد الوكيل، رئيس غرفة الإسكندرية، الذى قدم نفسه للوريث، بأنه رجل المرحلة.
 
ومنذ تولى الوكيل للمنصب، بدأت أعماله وعلاقاته وتصرفاته، تهدم الصورة الذهنية التى بناها الناس فى عقولهم حول الشاهبندر الشعبى، فنسجت الشائعات، التى هى أقرب للدخان الصاعد دون أن يرى أحد النار التى خلقته.
 
وأصبح رئيس اتحاد الغرف التجارية، «حوت» من الوزن الثقيل، لا علاقة له بالناس ولا بالغلابة، لكنه شريك خفى للسلطة لتحقيق أهداف مشتركة، ليصبح شاهبندر السلطة.
 
فمن رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة الأسبق فى حكومة «نظيف»، إلى على مصيلحى فى حكومة شريف إسماعيل، مرورا بخالد حنفى فى حكومتى «محلب» وإسماعيل!، نسج الوكيل مملكته ومعاركه، وبات الآمر الناهى فى «مطبخ» العباد والبلاد.
يملك أحمد الوكيل عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، شركة «ويكالست» إحدى أكبر الشركات المستوردة للسكر الخام، ولديه شركة أخرى من أكبر مستوردى الأرز وثالثة للمواد الجافة.
 
يسعى «الوكيل» لتكون علاقته بالوزير المسئول عن الغرف التجارية عند مستوى التبعية، فيجبر الوزير على تعيين نصف أعضاء اتحاد الغرف من رجاله (القانون يمنح الوزير حق تعيين نصف أعضاء الغرف والاتحاد العام) ليكون مسيطرا على منصب الشاهبندر، الذى بدوره يوزع الصفقات على التجار كل حسب طاعته، فتصبح السوق تحت أقدامه.
 
ومن أوراق الدعاوى والبلاغات التى تمتلئ بها المحاكم وأروقة النيابة ستعرف حقيقة العلاقة بين الوكيل وكبار المسئولين، فتارة تجد اسم الوكيل قبل اسم وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، وتارة تجده بعد محافظ الإسكندرية عادل لبيب، وتارة يكون هناك بلاغان يحملان نفس الاتهامات، الوكيل فى بلاغ، وخالد حنفى فى بلاغ آخر.
 
حاول محمد أبو شادى وزير التموين الأسبق، أن يقف فى وجه الوكيل، فاشتعلت الحرب بينهما، ولم تفلح التسعيرة الاسترشادية التى أقرها الوزير فى الصمود أمام غضب رجال الوكيل، فكانت والمناديل الورقية سواء، خاصة بعد أن قرر الوكيل أن يكون للتاجر الحق المنفرد فى تحديد هامش ربحه.
 
العلاقة المتوترة بين الوكيل وأبو شادى، جعلت إبراهيم محلب يطلب استبعاده من حكومته الأولى، طالبا الرضا كل الرضا من أحمد الوكيل، فما كان من الوكيل إلا أن قدم أوراق اعتماد مستشاره فى الغرف التجارية ليكون وزيرا للتموين، فاستجاب محلب لأحلام الوكيل، فكان خالد حنفى.
 
وخلال الفترة التى كان فيها حنفى وزيرا لم يكن يقوم بجولة ميدانية أو اجتماع فى الوزارة، إلا وكان الوكيل شريكا أساسيا فى الحضور.
ما إن جاء «حنفى» وزيرا حتى انطلقت ماكينة الشائعات المحفوفة بالنميمة، خاصة بعد أن صدر قرار بتبعية المجمعات الاستهلاكية لوزارة التموين، إلحاقا بتبعية الشركة القابضة للصناعات الغذائية (وفى قلبها شركة السكر الحكومية) بوزارة التموين.
 
بعد هذا القرار فوجئ المواطن بالسكر المستورد (الرخيص) جنبا إلى جنب السكر الحكومى (الغالي) على بطاقات التموين، وتربح المستوردون (ومنهم الوكيل) الملايين وخسرت مصانع السكر الحكومية الملايين أيضا.
 
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فشاهبندر السلطة، يريد المزيد، فصدر قرار آخر من خالد حنفى، بالسماح بتصدير الأرز فحقق القرار أرباحا مزدوجة بالملايين لتجار الأرز (الوكيل أحدهم)، فتربحوا من تصدير الأرز المصرى الجيد، وتربحوا مرة ثانية من استيراد الأرز الهندى الرديء.
 
ومن ضمن الشائعات التى هزت هيبة الحكومة، تلك التى ترددت حول قيام الوكيل باستضافة خالد حنفى طوال فترة وزارته فى فندق سميراميس، ورغم نفى الوكيل وحنفى لهذا الأمر، إلا أن النفى لم يمنع انتشار الغضب فى الأوساط السياسية.
 
شاهبندر السلطة لا يخسر أبدا، سواء فتح باب الاستيراد أو أغلق التصدير، فهو يملك من المقدرة على خلق الملايين بشطارته وحظه العالى، وهو الأمر الذى ردده الكثيرون عقب شائعة «جمارك الدواجن» التى ألغيت رسومها الجمركية، فجأة.
 
نفوذ أحمد الوكيل لا يقف عند سقف محدد، فبعد أن أطاح بوزير التموين الأسبق محمد أبو شادى، نجح أيضا فى الإطاحة بوزير التموين السابق محمد على الشيخ، أو كما يطلق عليه «مصيلحى الثانى»، وجاء بدلا منه على مصيلحى أو «مصيلحى الأول» الذى كان وزيرا للتموين فى عهد أحمد نظيف رئيس وزراء مبارك.
 
أمام «مصيلحى الأول» طريقان، طريق أبو شادى، بما يعنى خوض حروب ضارية مع أحمد الوكيل، فيكون مصيره معلق على كيس سكر مختفٍ، أو زجاجة زيت يحصل عليها المواطن بعد طابور طويل جدا.
 
أو الطريق الثانى، طريق حنفى، أن يكون تحت جناح الوكيل، لكن دون أخطاء ساذجة كالتى سقط فيها حنفى، فيضمن بقاءه فى الحكومات القادمة، لأن الوكيل سيجعل السلع متوفرة، وبأسعار معقولة.. بالنسبة له طبعا.
فهل يفعلها «مصيلحى الأول» ويشق لنفسه طريقا ثالثا؟

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق