كواليس «غزوة عمر خيرت» للسعودية لإنقاذ المملكة من الراديكالية الوهابية
الإثنين، 06 مارس 2017 11:26 مكتب- مصطفى عيسى
سجّل التاريخ فى دفاتره العلنية أن مصر وكانت أيامها ملكية قد أرسلت كعادتها كسوة الكعبة المشرفة إلى مكة المكرمة، لم يكن الأمر أمر هدية من الشقيقة الكبرى للدولة الناشئة، بل كان فرحا مصريا خالصا وممارسة لدور مصرى قديم وفعال، فإذا لم يكن المصريون هم الذين سيكسون الكعبة فمن ذا الذى سيفعلها؟
لأن المصريين عشاق حياة ولديهم ولع خاص بالبهجة والأفراح، فقد كانت الكسوة تخرج فى موكب كبير يقوده وجهاء مصر وعلى رأسهم وزير الأوقاف ومندوب من الديوان الملكى ومحافظ العاصمة، إضافة إلى الموسيقى العسكرية التى تظل تعزف ألحانها الممجدة لنبى الإسلام وآل بيته حتى يستقر الموكب على ضفاف جدة، ومنها ينطلق إلى حيث الكعبة فى قلب مكة، فجأة حدث ما قطع السياق التاريخى الممتد، فقد قابل بعض المسلحين المنتمين للمملكة العربية السعودية التى كانت أيامها خضراء العود، وبالكاد تحبو موكب الكسوة بطلقات الرصاص، كان عهد تحريم الموسيقى قد بدأ، استشاط المصريون غضبًا فردوا على الرصاص بالرصاص، وكادت تقع كارثة لولا تدخل الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود الذى استطاع بحنكته احتواء الموقف، ثم لما هدأت الخواطر أرسل الملك المؤسس رسالة إلى السلطان العثمانى بشروط الحياة الجديدة، جاء فى الرسالة نصًا: «إنى دخلت مكة، وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم بعد أن هدمت ما هنالك من أشباه الوثنية وألغيت الضرائب فعليك أن تمنع والى دمشق ووالى القاهرة من المجيء إلى هذا البلد المقدس بالمحمل والطبول والزمور فإن ذلك ليس من الدين فى شيء !!».
أيامها كان قنصل مصر فى المملكة الأديب الكبير يحيى حقى الذى أثنى كثيرا على حكمة الملك المؤسس الذى استطاع الوصول إلى حل يرضى الفرقاء ليقفز فوق أزمة كادت تعصف بالعلاقة بين البلدين.
هذا الشوط الطويل البعيد الذى قطعته المملكة من «التحريم» إلى «الترفيه» يستحق وقفة نتناوله بالتحليل.
فبداية لم يكن أشد المتفائلين، من متابعى حالة الانفتاح التى يقودها ولى ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، والتى أنشأ من أجلها خصيصا ما يطلق عليه «هيئة الترفيه»، يتوقع أن تصل الأمور إلى حد السماح بإحياء حفلات موسيقية كتلك التى يحييها الموسيقار الكبير عمر خيرت، فى جدة.
وكان وقع المفاجأة على المراقبين كبيرا، عندما أعلنت هيئة الترفيه بالمملكة، عن تنظيمها حفلا للموسيقار الكبير، وفرقته، مع تحديد قيمة باهظة للتذاكر، للحد من الأعداد الرهيبة المتوقع إقبالها، فضلا عن عدم السماح للشباب بالمشاركة، وقصرها على الأسر.
يذكر أن أسعار التذاكر وصلت إلى ما يقارب ٢٢٠٠ ريال سعودى للدرجة الأولى والدرجة الثانية بلغت قيمتها ١٧٠٠ ريال والثالثة ١٠٠٠ ريال سعودي.
الحفل الذى استولى على اهتمام أبناء المملكة جرى قبل وصول سطورنا للقارئ بساعات.
وكان عريس الحفل الموسيقار عمر خيرت قد تحدث لجريدة سعودية فقال:
«تلقيت اتصالا من المملكة العربية السعودية للتنسيق معى حول إقامة حفل بمدينة جدة، فوافقت على الفور وأعتبر اختيارى وساما على صدرى تكريما لفنى الراقى، الذى جعل دولة محافظة مثل المملكة العربية السعودية تقيم لى حفلا كبيرا».
وعودة إلى كواليس الحفل الذى يبدو كأنه غزوة من موسيقى عمر خيرت لقلعة « المحافظة « العربية» فقد انفجر عدد هائل من الأسئلة، حول دوافع ما تقدم عليه هيئة الترفيه السعودية، خاصة أن قراراتها الانفتاحية أطلقت موجة عارمة من السخط الشعبى، يكفى للتأكد من وجودها إلقاء نظرة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعى، وبخاصة «تويتر»، الذى يحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب السعودي.
أما أهم الأسئلة التى يطرحها التحول الذى يقوده ولى ولى العهد السعودى فتتلخص فى: هل تسعى المملكة إلى تغيير صورتها الراديكالية الوهابية المعتادة فى عيون الغرب؟ ولماذا الآن؟ وما المقابل الذى ستحصل عليه عائلة آل سعود مما يفعله محمد بن سلمان؟
ويرى البعض أن ما تتجه إليه المملكة حاليا، من انفتاح على العالم الخارجى، والسماح بممارسة عدد من الأنشطة، التى كانت تعتبر محرمة هناك، حتى تولى الملك سلمان مقاليد الحكم؛ ليس سوى محاولة من آل سعود لنفض يديها من تاريخ كبير ارتبط فيه اسم هذه العائلة بالراديكالية، والأصولية الوهابية؛ وهو ما يعد أمرا مهما لإقناع العالم بأن الرياض جادة فى حربها على الإرهاب.
وبنظرة سريعة على الأوضاع يمكن ملاحظة الحرص السعودى على تقديم المملكة، كدولة عصرية، لا تدعم الإرهاب، وهو ما يمكنها من الإفلات من فخ القانون الأمريكى، الذى صدر فى عهد أوباما لمحاسبة السعودية على هجمات ١١ سبتمبر، والمعروف باسم «جاستا»، بالإضافة إلى أن محمد بن سلمان، يرى أن هذا الطريق هو الكفيل بإقناع الدول الكبرى، بأن تترك للرياض حرية الحركة اقتصاديا، وعسكريا.
وتؤكد الأحداث أن العاهل السعودى، يتمتع بقدر كبير من الفهم لطبيعة شعبه؛ وهو يعلم أن حالة السخط التى يبديها الكثيرون على «تويتر»، لن تراوح مكانها، ولن تكون مهددة لآل سعود، وبالتالى فهو يمضى فى طريقه، دون أن يضع فى اعتباره أى غضب شعبي.
ويجب ملاحظة أن ما تتجه إليه المملكة ليس عيبا، أو سُبة فى جبينها؛ لأنها لم تسمح بمحرمات دينية، لكنه فى الوقت ذاته يمثل تطورا كبيرا فى الفكر السعودى، يهدف إلى الإفلات من الاتهامات بالأصولية، وعدم الجدية فى محاربة الإرهاب.
القيادة السعودية أدركت حقيقة مهمة، وهى أن هذا النوع من الانفتاح، والتغير هو الذى سيصدم جميع الأوساط المهتمة بالشأن السعودى حول العالم، وهى الصدمة المطلوبة حاليا؛ لجذب انتباه الجميع.
وجاء اختيار موسيقار عالمى بحجم الفنان عمر خيرت؛ لإحياء الحفل الموسيقى فى جدة، ليحقق جميع أهداف آل سعود، فهو فنان محافظ، ويمتلك سمعة طيبة فى كل الأوساط، كما أن له شهرة عالمية، وجمهورا فى كل مكان، سيتابع أخباره بالتأكيد، وستصله رسالة أن السعودية تتغير، وهو المطلوب فى هذه المرحلة، كما أن عائلة آل سعود صارت بحاجة إلى الدعم الدولى، ليس على الصعيد الاقتصادي؛ من أجل تنفيذ رؤيتها للتحول فقط، وإنما على الصعيد السياسى، للخروج بأقل خسائر ممكنة، سواء فى سوريا، أو اليمن.
الرياض لم تحقق النجاح المطلوب فى مغامرتها التى تخوضها فى اليمن، فهى لم تستطع تحقيق نصر حاسم على الحوثيين، كما أنها لم تتمكن من تحجيم الدور الإيرانى فى المنطقة، أو حتى فى الملف السوري؛ الأمر الذى أدركت معه المملكة أنها بحاجة إلى دعم سياسى، لن تجده إلا بين يدى كبار العالم، مثل: الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وهى دول تضع براءة السمعة من الإرهاب على رأس شروطها للتعاون.
بقى أن نشير إلى أن الأوساط المحلية داخل المملكة، لا تبدو كما يتصور البعض ساخطة بشكل شامل على ما يفعله ابن سلمان، وإنما هى منقسمة بين فريقين، يرى كل منهما الأمور بنظرة مختلفة، وإن اتفقا على أن بلادهم تتعرض لمؤامرة إرهابية، دولية؛ تستدعى تحركات استثنائية، ؛ من أجل إنقاذ مستقبل المملكة، المرتبط كليا بمستقبل عائلة آل سعود.
وكان السفير المصرى بالرياض، ناصر حمدى، أعلن موافقة هيئة الترفيه السعودية، على إقامة حفل موسيقى كبير، يحييه الموسيقار عمر خيرت، بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية، فى جدة، مشيرا إلى أن الحفل يأتى تحت شعار: «ليلة استثنائية مع الأسطورة عمر خيرت».
ومنذ الإعلان عن الحفل، انهالت الانتقادات، على هيئة الترفيه، ما بين مؤيد لإقامة الحفل كان ينادى بتخفيض أسعار التذاكر وبالسماح للشباب بالحضور، وبين معارض يرى الحفل خروجا عن تقاليد المجتمع السعودى المحافظ.
من جانبهم شن نشطاء التواصل الاجتماعى، وتحديدا «تويتر»، حملة ضد تحركات هيئة الترفيه، عبر سلسلة من الهاشتاجات التى يتهم بعضها الهيئة بإفساد المجتمع، وينتقدها البعض الآخر لحرمانه من الحضور؛ بسبب ارتفاع أسعار تذاكر الحفل، الأمر الذى يؤكد حالة التناقض التى أشرنا إليها سابقا.
ومن بين هذه الهاشتاجات، ذلك الذى يحمل عنوان: «هيئة الترفيه تفسد المجتمع»، وآخر بعنوان: «تذكرة حفل جدة بمرتب شهر».
وأيضا هاشتاج: «كارثة_جديدة_للترفية_بالرياض»، فيه كتب الأمير السعودى، الدكتور خالد آل سعود: «اللهم إنى أبرأ إليك من هذا الفعل».
فى المقابل انتقد آخرون ارتفاع أسعار التذاكر، وهو ما اعتبره رواد «تويتر» مبالغة غير مرغوبة ودشن المستخدمون هاشتاج: «#قاطعوا_الترفيه_الطبقي»، والذى أشار من خلاله أحد المتابعين إلى أن سعر تذكرة حفل عمر خيرات، يعادل راتب شهر للمواطن السعودى، وتساءل ما العائد من هذه الحفلة على المجتمعات المحافظة مثل المملكة، شىء ينذر بالكارثة!».
ودوّن حساب يحمل اسم ليبرا تعليقا يقول: «إذا الترفيه ما يشمل جميع فئات المجتمع فبلاش منه! #قاطعوا_الترفيه_الطبقى لأنه تجارة مو خدمة للشعب!».
وقال حساب آخر يحمل اسم خلود: «لم نطالب بالترفيه إلا من أجل أن يشمل جميع طبقات المجتمع فهو حق للكل، وليس فئة دون أخرى، وشغل الطمع وابتزاز الجيوب مرفوض».