يحمل ثلاث شهادات ميلاد.. حبيب العادلى «مهندس التوريث» يطفئ الشمعة التاسعة والسبعين من عمره
الإثنين، 06 مارس 2017 11:52 مكتب- عبدالعزيز السعدني
له مزاج خاص يجعله قادرا على التكيف مع مختلف الأجواء يحاول- دائمًا- إخفاء مشاعره وإظهار نفسه بمظهر البارد الذى لا يتأثر بشيء، على الرغم من وجود إعصار بداخله.. نتحدث عن حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق الذى احتفل يوم الأربعاء الماضى بعيد ميلاده التاسع والسبعين.
العاديون من البشر يحملون شهادة ميلاد واحدة، أما الاستثنائيون فتتعدد مرات ميلادهم، العادلى أيا كان رأيك فيه رجل أمن قوى حمل ثلاث شهادات ميلاد إليك تفاصيلها
الشهادة الأولى: وهى تقليدية بامتياز وتقدم البيانات الأساسية التى يقول ملخصها: إن صاحبها هو حبيب إبراهيم حبيب العادلي.. ولد فى الأول من مارس من العام ١٩٣٨ فى القاهرة، حاصل على ليسانس الحقوق ودبلوم المواد الشرطية من كلية الشرطة فى العام ١٩٦١، بجانب دورات تدريبية كالبحث الجنائى والجريمة وفرقة تخصصية فى مجال مباحث أمن الدولة.
بدأ مشواره العملى فى إدارة مكافحة المخدرات، تلاها جهاز مباحث أمن الدولة، حتى تولى منصب نائب رئيس الجهاز، وتدرج فى مناصب عدة حتى عُين فى ١٩٩٥ مساعدًا أول لوزير الداخلية لجهاز الأمن الوطنى، حتى وصل إلى التاريخ الفاصل الذى تقدم بياناته الشهادة الثانية، التى يبدأها العادلى بقوله «شرفت بلقاء السيد الرئيس مبارك الذى كلفنى بتولى منصب وزير الداخلية وأدعو الله التوفيق فيما نبغاه جميعًا لتحقيق الأمن والاستقرار، لبلدنا العزيزة».. بهذه الكلمات استخرج العادلى فى ١٨ نوفمبر ١٩٩٧ شهادة ميلاده الثانية، عندما اختاره «مبارك» خلفا لحسن الألفى، وزير الداخلية الأسبق، عقب «مذبحة الأقصر».
كلمات قالها «العادلي» فى أول ظهور له على التليفزيون المصرى، عقب حلفه اليمين الدستورية أمام الرئيس الأسبق مبارك.. قالها بكل بنبرة هى خليط يجمع بين الثقة والثبات والرهبة. الثقة والثبات جاءتا من نبع قوته القادمة من ماضيه الذى حفل بالعديد من المناصب، كان أحدثها قبل توليه الوزارة منصب مساعد أول لرئيس جهاز الأمن الوطني.
أما الرهبة، فكانت من خوف مقيم بداخل كل مسئول، خاصة والذى سبقه كان قد تلقى توبيخا على الهواء مباشرة من رأس الدولة.
حافظ العادلى على «كرسي» وزارته ١٤ عاما، مستخدما أساليبه المشروعة وغيرها، انتهاكات حقوق الإنسان؛ تعذيب فى أقسام الشرطة، اعتقال تعسفى ممنهج، بحسب تقرير صادر عن منظمات الأمم المتحدة والعفو الدولية وحقوق الإنسان الذى جاء فيه: ” إن آلاف المصريين اعتقلوا باسم الأمن، واحتجز البعض دون تهمة، وصدرت أحكام ضد آخرين فى غاية الظلم».
بالإجمال لم يكن مسئولا مشاركا فحسب، بل كان كادرا رئيسيا استطاع أن يكسب ثقة «مبارك»، حيث أصبح الأقرب لقصر الرئاسة بمعلوماته وبأوامره.
ما زلنا مع شهادة الميلاد الثانية المتخمة بحقائق وأساطير، كان الشعب يرى فى ختام الشهادة الثانية أن تلك هى نهاية العادلى فعندما جاء صباح التاسع والعشرين من يناير ٢٠١١ استغنى مبارك عن رجله القوى وأقاله، معترفا بأخطاء رجاله ومخفيا ذنوب ابنه «جمال» الوريث الشرعي- كما يراه هو وحاشيته- التى كانت من الأسباب الرئيسية لغضب الشعب.
ثم جاء فبراير ٢٠١١ لتشهد أربعة أيام منه ذكريات لن تبرح ذاكرة العادلى ما بقى على قيد الحياة ٥ فبراير يحاول مبارك مجددًا- فى فرصته الأخيرة- تهدئة الشعب، فوضع العادلى تحت الإقامة الجبرية، ٧ فبراير فتح ملفاته، ويعتقله المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى ١٧ فبراير، وتطأ قدماه طرة فى ١٩ فبراير متهمًا فى قضايا فساد وقتل متظاهرين وقطع الاتصالات فى جمعة الغضب وغيرها.
ولإنعاش الذاكرة ولأن الشيء بالشيء يذكر، تعالوا نسمع لهذا الحوار «إحنا ما عملناش غير الصح.. شوف يا رشدى تقلق بس لما عسكرى السجن يبطل يديلك التحية.. غير كدة شكليات».. جملة قد تعد الأشهر من فيلم «الجزيرة ٢»، كانت موجهة للفنان خالد الصاوى عندما كان محبوسا فى قضايا فساد، وانتهى به المطاف خارج أسوار السجن.
ثم جاءت المحاولة قبل الأخيرة وفيها نسمع: «يا ريس الشارع بدأ يهيج، والأحداث بتتصاعد.. الوزير عمر سليمان كان فى مؤتمر بشرم الشيخ.. التقى الرئيس مبارك وقال له (يا ريس عندنا معلومات بأن فيه عيال هتتسلل عشان يعملوا تخريب.. الريس قال له أوك؛ اقعدوا مع رئيس الحكومة أحمد نظيف وناقشوا الموضوع ده وشوفوا هتتعاملوا بإيه».
ذلكم كان جزءا من حديث العادلى خلال مرافعته فى «محاكمة القرن»، ولكنه كان مرتديا «بدلة السجن» واقفا بكل ثقة مرتديا نضارته، يراه الجميع بـ«بدلة السجن»، ويرى نفسه «وزير سابق» وليس متهما.
رغم انكساره- الذى يراه الجميع دونه- يقف بكل ثقة ويكمل مرافعته «قلت للوزراء فى اجتماع القرية الذكية يوم ٢٠ يناير، لو الأمور استمرت على كدة والشارع مش هنهديه.. أعتقد إن مش ها أكون عندى القدرة للمواجهة.. وقلت كلمة أخرى ساعتها الجيش ها ينزل».
«سلبياته (لت وعجن) ونشر نميمة وكلام فاضى وتصوير غير عمليات الإرهاب والتفجير.. عشان كدة أنا شايف الموبايل كارثة وكل ما هو جديد فى التكنولوجيا كارثة».. هذه كانت إجابة «العادلي» على أحد أسئلة الإعلامى مفيد فوزى فى آخر لقاء بـ«الزى الملكي»، قبل الثورة بأيام، ولكنه اندهش فى اتهامه بقطع الاتصالات فى جمعة الغضب.
وفى نص مرافعته بـ«محاكمة القرن» يستطرد: «لما جالى نظيف فى طرة، بقول له أنا مالى ومال قطع الاتصالات، ومتهم ليه فيها؟.. رد عليا وقال لى القانون بينص على كدة، قلتله أنا أول مرة أعرف ده وأنا مندهش لحد دلوقت من ده».
وعن التجسس، اعترف العادلى فى «محاكمة القرن»، أن هناك حالات من تسجيل المكالمات لعدد من «الناس المهمين»، قائلا: «إحنا كنا بنتابع الحاجات اللى تهم الأمن العام ولما بنلاقى فيه كلام جنسى أو غيره، كنت بقول لرجالتى هاتوها أو هاتوه وقوله له عيب».
والآن جاء وقت تسجيل شهادة الميلاد الثالثة وفيها
استطاع اللواء حبيب إبراهيم حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، أن يخرج سالما من قضية التربح وغسيل الأموال، بعد إعادة محاكمته فى حكم الـ١٢ سنة سجنا، وبراءته بعد حكم بالمؤبد فى قضية قتل متظاهرى يناير.
وبعد انتهاء مدة حبسه فى قضية «سخرة المجندين» التى كانت مدتها ٣ سنوات، عاد «العادلي» مرة أخرى ليقتنص براءته بعد حكم بالسجن ٥ سنوات فى قضية «اللوحات المعدنية»، ليكون مجموع الأحكام التى صدرت ضده فى وقت من الأوقات ٤٥ سنة، إلا أنها انتهت جميعها بحصوله على حريته من محكمة جنايات الجيزة فى تهمة الكسب غير المشروع بما قيمته ١٨١ مليون جنيه، كما قضت بإلغاء قرارات التحفظ على أمواله وأموال زوجته إلهام شرشر، وبناته ونجله القاصر.
وبعد كل تلك البراءات ليس لنا سوى تقديم مشهد تخيلى لعيد ميلاد العادلى التاسع والسبعين وفيه يظهر العادلى فى أحد النوادى الرياضية، على طاولتين متلاصقتين نظرًا لكثرة الحضور، مرتديًا نظارة الشمس ويستقبل التهانى «كل سنة وأنت طيب يا معالى الوزير.. عقبال مليون سنة»، ليطل أحد الأشخاص الأكثر تطفلا ويسأله: «ندمان على أى حاجة عملتها يا معالى الوزير؟».. يعدل طريقة جلوسه فى «كرسيه»، ويخلع نظارته ويقول: «أنا خدمت البلد ولولايا كانت الفوضى خربت كل حاجة.. إحنا فى حالة حرب ومسئوليتنا حراسة البلد من الأعداء».