التوقعات
الجمعة، 03 مارس 2017 02:02 م
في زمن تكاثرت فيه الضغوط والصراعات وتعاظمت المحن وأصبحت الشكوى من السمات الأساسية للشعب المصري، وبعدما كانت كلمة «الشكوى لغير الله مذلة» يقينًا للمصريين أصبحت نفس الكلمة مقدمة وفاتحة لسيل منهمر من التعبيرات غير المتناهية المعبرة عن صعوبات الحياة وضيق الحال واستحالة التغيير للأحسن والأفضل، وعدم وجود اختيارات أخرى للتعامل الأجود مع نفس المواقف، وكلما بحثت مع الشاكي بالعقل والمنطق، وبالورقة والقلم، وباليقين في الله الكريم، وبأن الله يغيِر الأحوال بأمر «كن» فتكون عندئذ امكانيات تغيير ما يشكو منه للأفضل. قال «يا سيدي مافيش فايدة»، أو «هي يعني جت على ديه؟»، أو قبلما تتكلم قال «شوف بأه أنا جربت كل الحلول ومافيش حاجه نفعت معايا فمتحاولش معايا». أو قال «أهي ماشيه وهو العمر فيه أد إيه عشان لسه هجرَب تاني».
ولما كانت الصدمات أحد المكونات الأساسية للألم النفسي للإنسان. وكانت التوقعات المبالغ فيها أو غير المنطقية أحدى أسباب الصدمات النفسية. كان علينا مناقشة أمر التوقعات لأنها تشكل جزء أساسي من الفكر والتخيل عند الإنسان.
إن لكل منا نصيبه من التوقعات في كل مراحل حياته ومواقفها، والتوقع هو انتظار شيء معين لم يأتي بعد، فمن الناس من يتوقع الأحسن ومنهم من يتوقع الأسوأ، ومنهم من يتوقع شيء مبني على ما يفعله، ومنهم من يتوقع شيء بدون عمل ومنهم من يتوقع شيء بحكم حدوث شبيهه في الماضي في ظل ظروف مشابهة وتسمى الفراسة، ومنهم من توقعاته تقع في نفسه وعليها، ومنهم من يتوقع من الآخرين.
وكلما قلَت توقعاتنا لا سيما في الناس كنا أقرب لراحة البال وكنا أقدر على الاستمتاع بحاضرنا وعملنا لآن كثرة التوقع تأخذنا من الحاضر إلى المستقبل، وكلما كان التوقع مبني على العقل والفكر المدروس السليم، كان نافعًا لنا لأنه يفادينا الدخول في أمور نظنها مسبقًا غير نافعة.
فالتوقعات مبنية على التخيل المنطقي وليس العشوائي أي لا بد لنا من أجل أن تكون توقعاتنا سليمة، وفي محلها أن نعمل العقل في قياس أمور قد جرت من قبل ومحاولة الرؤية بمنظار التطبيق التشابهي ومن ثم نكون أقرب للتوقع السليم.
وقد كان توقع الشخص من نفسه أقرب إلى الصحة من توقع الشخص من الآخرين، وإن كان ولا بد فيجب ألَا نقع في فخ تكرار نفس الخطأ لأن كثير منا مثلًا يتوقعون من آخرين التغيير في الأفعال أو ردود الأفعال بمجرد الكلام أو الوعود. وتكون نفس النتائج الصادمة. ويكون التوقع الخاطئ سبب سوء حال الفرد.
ويأخذ التوقع الخاطئ صاحبه إلى منطقة أساليب الدفاع النفسية غير الناضجة، فيستخدمها أدوات ومحركات يخوض بها تجربته الحياتية فيسيء عندئذ لنفسه وللآخرين.
وكان أفضل نموذج للتوقع من يتوقع من نفسه شئ ما أكبر بدرجة منطقية عن ما حققه من قبل، ويسعى فورًا على تحقيقه فهو بذلك يكون قد حافظ على صحة كيانه العضوي باستدامة الحركة من ناحية، وعلى كيانه المعنوي بضمان النجاح بحسن التوقع، ومن ثم تحقيق ما توقع من ناحية أخرى.
وننصح بألا نتوقع تغيير الآخرين إلا عن طريق إعطاء المثل بأن نتغير أنفسنا بالعمل على التوقعات المنطقية، وألا نبني توقعاتنا على الخيال فقط، وأخيرًا نقول أنظر لامكاناتك وما تملك وادرس امكانية استخدامها لتنفع نفسك وغيرك، ثم حدد توقعاتك بناء على ذلك لتنجو من فخ التوقعات الوهمية.