شهود عيان من أسرى نكسة 67 يكشفون أسرارا جديدة في شهاداتهم (تقرير)

الإثنين، 27 فبراير 2017 04:56 م
شهود عيان من أسرى نكسة 67 يكشفون أسرارا جديدة في شهاداتهم (تقرير)
نكسة 67 - أرشيفية
هالة محمد عمر

فجر الحكم النهائى لمحكمة القضاء الإدارى، بإلزام الحكومة المصرية بمقاضاة إسرائيل دوليًّا وإلزامها بدفع تعويضات للأسرى المصريين لديها إبان حربى ٥٦ و٦٧، الأمل من جديد فى القصاص للشهداء والمصابين الذين تعرضوا لأساليب وحشية فى التعذيب والقتل.

«شهادات الأسرى»
الأسير أمين عبدالرحمن من المجموعة ١٨ قتال المدربة تدريبا عاليا، ظلوا باليمن ثلاث سنوات، ثم استدعوهم إلى سيناء يوم ٥ يونيو عام ١٩٦٧.

قال آمين فى شهادته: «كان دورنا هو إرشاد الجنود التائهة فى سيناء وتفجير كل السيارات حتى لا تستفيد منها القوات الإسرائيلية!! وذلك بطلقة فى تانك البنزين.. وبالطبع فهم الإسرائيليون ماذا يحدث.. لهذا تتبعوا أثرنا من الحرائق التى كنا نشعلها، ثم توجهوا إلينا بالطائرات، فسقط قائد المجموعة العقيد ثروت عازر خير أولا، ثم محمد ممدوح عبدالحميد، وضابط المدفعية إبراهيم أحمد البلطة وهو من دمياط».

أضاف أمين أنه ومجموعته كانوا يشتغلون خلف الخطوط شهرا كاملا ليلا.. وفى النهار يخبئون أنفسهم سواء بالدفن فى الرمل أو بالاختباء تحت أى سيارة.

كما أنهم تنكروا كأنهم عرب من سيناء بالتعاون مع السيناويين الذين تركوا لهم الجمال والحمير والماعز.. مضيفا: «بعد أربعة أشهر اكتشفت القوات الإسرائيلية أننا لسنا «عرب»، وأمسكوا بالكثيرين وكانوا يضعون من يمسكونه أمام دبابة وتأتى دبابة أخرى لتصطدم به أو يشدونه بين دبابتين فيشطرونه نصفين».

وقال: «رغم ذلك لم يتم أسرى فى هذا الوضع وتمكنت من الاختباء حتى جاء يوم كان مغمى على فى بئر مياه.. ووجدنى ضابط إنجليزى.. فسلمنى للقوات الإسرائيلية، ولكنه أخبر عنى للصليب الأحمر، تساءل الإسرائيليون من الذى أتى بى إلى هذا المكان؟ ووضعونى فى سيارة، وظل طلاب المدارس يقذفوننى بالبيض والطماطم حتى وصلت معسكر «عتليت».

وأوضح: «عشت بالحبس ١٢ شهرا فى عذاب مستمر، حيث وضعونى فى غرفة وكل يوم تأتى فتاة يهودية تشد البنطلون وتضربنى بالكرباج!!.

وأضاف: «كانوا يضعوننى فى شىء مثل السبَت، ثم يشدون السلك.. فتنزل رجلى فى زيت مغلى.. ورجلى حتى الآن مقلية!! وكانوا يقلعون الأظافر.. وتم تصويرى وأنا عار فى فيلمهم الشهير «روح شاكيد» وهو نوع من التشهير والإذلال.. وفى النهاية قرروا إعدامى.. فركبونى سيارة الترحيلات بملابسى الداخلية.. وختموا على يدى بنجمة داود «داود أدوم أتويل» أى نجمة داود الحمراء.. وهم يأخذون الأسرى كقطع غيار، حيث يعدمونهم ويحصلون على كلاهم، وبالفعل قاموا بعمل تحاليل لى.. وكانوا ينوون ذلك أيضا»!!

وأشار إلى أنه: «فى العادى فإن الإسير يعطونه حقنة بنج عندما يخرج لسيارة الترحيلات للإعدام حتى لا يهرب، ولكن البنت اليهودية التى كانت تضربنى بالكرباج.. لم تعطنى تلك الحقنة حتى أتمكن من الهروب وحدث ذلك بالفعل ولولاها لكان مصيرى الإعدام».

وأضاف: «وجدت نفسى ميت ميت.. فقررت الدفاع عن نفسى ضد كل من بالسيارة، خنقت السائق على حافة الجبل قبل تل أبيب.. فانقلبت السيارة عشر مرات.. فى المرة الرابعة.. قفزت والسائق.. فأخذت سلاحه وقتلته.. وأخذت ملابسه وارتديتها، وفى القلبة العاشرة للسيارة انفجرت وتفحمت جثث ست عساكر ودكتور.. تحاملت على نفسى وتوجهت لأقرب محطة أتوبيس، وأفادنى العبرى الذى تعلمته من البقال جاك مزراحى.. فركبت الأتوبيس المتوجه إلى بئر سبع.. وهناك دفنت نفسى فى صندوق للقمامة.. حتى جاء جامعو القمامة وهم مصريون من العريش.. كلمتهم وقلت لهم: إنى مصرى مثلكم وهارب من السجون الإسرائيلية.. وإنى أعرف الشيخ فرحان شيخ قبيلتهم.. عندما كنت أشتغل خلف خطوط العدو فى جبل سحابة.. صدقونى ووضعونى فى وسط القمامة حتى يتمكنوا من التعدية بى.. حتى وصلنا العريش وخرج شيخ القبيلة واستقبلنى بحفاوة وذبح خروفا من أجل سلامتى وألبسنى جلده.. عشت عشرة أيام فى زريبة غنم.. ثم هربتنى ابنة شيخ القبيلة».

أما إبراهيم السيد سليم، الذى تجاوز عمره الآن سبعين عاما، فقال فى شهادته على تجربة الأسر: «شاركت فى حرب ٦٧ وقضيت ٦ أشهر فى الأسر.. وكنا حوالى ٥٥٠٠ أسير أتوا بنا من سيناء».

وعن كيفية أسره قال: «كنت مجندًا فى يونيو ٦٧ باللواء العاشر مشاة، وليلة ٥ يونيو نزلت مأمورية للعريش لاستلام مواتير وصلتها فى الصباح.. وقامت الحرب وقتذاك، وكانت الإذاعة تؤكد أننا أسقطنا طائرات إسرائيلية، وأننا على مشارف تل أبيب فاطمأننت وتحركت من مكانى عائدا إلى اللواء.. حيث وصلت لمفارق مناطق الحسنة والقصيمة.. ولكنى فوجئت بأن الطائرات فوق رؤوسنا وتضربنا وأصيبت العربة التى كنت بها واستشهد السائق وأصيب راكب وكنا أربعة، ونزلنا نحن الثلاثة وزحفنا أنا والمصاب والسليم حتى أحد المفارق ثم بدأ الليل يأتى، وظللنا هكذا، لأن الإسرائيليين عملوا كمين فوق جبل، فقررنا حفر حفرة للاختباء بها.. لكننا فوجئنا ظهرا بوصول مدرعة إسرائيلية لمكاننا وأسرونا وأخذونا للكتيبة التابعة لهم بمطارالعريش، وهناك مات الآلاف عند مطار العريش، ومن يبحث الآن فسيجد جثث الأسرى المصريين ضباطا وجنودا، مدفونين بملابسهم العسكرية حتى الآن».

وأضاف: «فى يوم ٧ يونيو.. أخذونا فى عربات نقل إلى بئرسبع.. وكان عدد الأسرى فى العربة التى كنت أستقلها ٥٤ أسيرا بينهم ضباط وجنود.. وعند المفارق بدأ الإسرائيليون يتسلون علينا بعمل سباق بين الحارسين اللذين كانا معنا من ناحية، وبين السيارة التى خلفنا من ناحية أخرى على من يقتل أكثر من الأسرى، وكان خلفى صفان استشهدوا جميعا.. وكتب لى ربى الحياة صدفة حيث ضربوا الطلقة الموجهة لى لأسير آخر وجدوه مازال على قيد الحياة بعد أن سمعوا صوت أناته.. وكنا نضع أيدينا خلف رؤوسنا.. فعندما أطلقوا على طلقة أخرى على رأسى كما يفعلون، أصابتنى فى كف يدى حيث اخترقته وخرجت منه فقتلت جندى آخر، لكن بعد أن كسرت الطلقة مفاصل يدى، وعندما وصلنا بئر سبع كان معظم من بالعربة «شهداء» ماعدا اثنين غيرى.. ورفض المستشفى قبولنا.. أما من بقى من الأسرى من دون إصابات.. فأخذوه لميدان عام كبير، ليكون «فرجة» للناس، ثم ركبنا القطار المعروف بـ«قطار الموت» وهو قطار بضائع فى الأصل.. وكانت وجهتنا من بئر سبع إلى «عتليت».. سار القطار ١٣ ساعة متواصلة.. استشهد خلالها نصف عدد الأسرى مرة واحدة وكانوا بالآلاف وكثير منهم مات مختنقا من الزحام، والباقى استشهد على أيدى الإسرائيليين».

وتابع: «وصلنا عتليت.. وكان نزيفى لا يتوقف.. فحملونى إلى غرفة التحقيق للتحقيق معى ثلاثة أيام شبه متواصلة.. إلى أن أعلن الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر التنحى عن رئاسة الجمهورية، وفى يوم ١٧ نوفمبر ١٩٦٧ عدت لمصر عن طريق الصليب الأحمر».

الأسير محمد دياب، مهندس زراعى والآن هو على المعاش من إحدى شركات قطاع الأعمال.. يقول: «كنت قد انتهيت من مدة الخدمة العسكرية فى ١٩٦٢، وأصبحت فى الاحتياطى.. وفى عام ١٩٦٧ استدعونى مرة أخرى إلى الجبهة فى الشيخ زويد برفح.. ثم فوجئنا بقيام الحرب فجأة.. وحدث انسحاب عشوائى.. وكانمعى سلاح بسيط وقتذاك ولم أكن أفهم ما الذى يحدث بالضبط.. فقد وجدنا الطائرات فوق رؤوسنا والدبابات قادمة نحونا.. والكل يضربنا.. انسحبنا مشيًا على الأقدام فى سيناء لمدة ١٥ يوما متجهين للعريش.. وعند منطقة شرق القنطرة تم أسرى.. ولم يكن معى أى سلاح.. وقد أذاع الراديو خطاب الرئيس عبدالناصروقتذاك يقول فيه إن كل القوات المصرية موجودة فى غرب القناة». وتابع: «أخذنا الإسرائيليون إلى منطقة تسمى المثلث بجوار القنطرة شرق، حيث الصحراء، وأحاطوا آلاف الأسرى بالأسلاك الشائكة، كأنه سجن، ولكن من دون جدران أو سقف، وذلك فى أشد شهور السنة حرارة وهو يونيو ٦٧٧.. حيث درجة الحرارة بلغت ٤٠ درجة مئوية، كما قاموا بتكتيفنا وتفتشينا باحثين عن الضباط بيننا، وكلما وجدوا أحدهم، أخذوه ولا نراه مرة أخرى».

يستكمل محمد دياب شهادته قائلا: «أحضر الإسرائيليون لنا صفائح جبنة بيضاء من مخازن التعيينات المصرية.. وبعد أن أكلنا الجبن طلبنا ماء بالطبع.. فالجو حار والجبن حادق.. لكن دون جدوى.. ومهما علا صوتنا مطالبين بالمياه لا يأتون بها، وتحجج الإسرائيليون بأن عبدالناصر أغلق خطوط المياه المغذية لسيناء، خط الإسماعيلية العريش».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة