المنتجون أم المستهلكون
الجمعة، 24 فبراير 2017 11:49 ص
رحلة الحياة منذ الطفولة إلى النهاية هي رحلة زمنية مؤقتة، يسعى فيها الإنسان لتحقيق السعادة، وتحقيق الذات، ويتمنى الكثير من الناس أن يتوفر لهم المال، وتتوفر لهم الموارد والمواد لكي يشبعوا رغباتهم شهواتهم، ويتموا احتياجاتهم يظنون وهمًا أن الاستهلاك وإشباع الرغبات فقط هو الطريق إلى السعادة والهناء.
ولما كان العقل هو مفتاح القوة عند البشر وكان مرادف العقل اللغوي «الربط»، وكان إعمال كل جزء من الأجزاء المكونة للإنسان لكي يستقيم كيانه ويسعد ضرورة لازمة، وكما يقال «العضو الذي لا يستخدم يضمر»، وبما أن موضوعنا عن الإنتاج والاستهلاك كان علينا محاولة ربط إعمال العقل بأحدهما.
فالإنتاج يحتاج إلى رؤية أولية سابقة للحركة، والفعل يعمل فيها الشخص خياله في رسم صورة ما لما يريد أن ينتجه أو يحققه، وكلما كانت الصورة الذهنية لما يريد الشخص تحقيقه أوضح كان الشخص أقرب إلى تحقيق هذا الشئ.
والتخيل والإبداع من أرقى وظائف التفكير، ولكل فكرة نتيجة وتفتح كل فكرة للإنسان بابًا، ليسعى من خلاله صاحبها من أجل تحقيقها، فيصل بذلك للنتيجة التي هي نتاج الفكرة.
ولكل فكرة تصدر من عقل الإنسان قوة، وكلما كانت الفكرة أقوى وأوضح كان صاحبها أقرب لإنتاجها، ومن الأفكار ما هو نافع وما هو ضار ولكل منا القدرة على اختيار أفكاره وقد تتحكم قوة العادة في الأفكار التي تحتل وعي الإنسان، فكلما تدرب الإنسان على تبني أفكار إنتاجية، وانتبه حتى وجد الطريق إلى تحقيقها ثم سعى فيه إلى تحقيق النتيجة كانت النتائج المتراكمة سببًا لإحساس الشخص بالثقة والقوة.
وتتعدد الأفكار الإنتاجية، وتختلف حسب مزاج الإنسان ونيته وثقافته وعلمه، فمن الناس من يتصور نفسه قوي العقل فيقرأ، ويدرس ويبحث، ومنهم من يتصور نفسه قوي البنية، فيلتزم بالرياضة وضبط النوم والغذاء، ومنهم من يعمل على إثراء علاقاته الاجتماعية، فيكون أقرب للناس، وأنفع لهم ومنهم من يبني المصانع، وينشئ المزارع ويبني البيوت، ويدافع عن الحق إلخ، وعادة ما يفكر المنتج في الآخرين، وفي الخير وفي النفع والارتقاء، وإيجاد طرق أفضل مما يستخدمها لتحقيق ذات الأشياء بطرق أيسر، هؤلاء الناس هم أقرب للسعادة.
أما من يحيون ليشبعوا رغباتهم يرضوا غرورهم من المستهلكين يؤذون أنفسهم باستثارة مركز اللذة في المخ مرارًا وتكرارًا بدون إعمال العقل أي بدون تدريب أنفسهم على الحياة في حالة اتزان ما بين الإنتاج أولًا ثم الاستمتاع بقدر مناسب لحجم ما أنتج فيصل بهم الحال إلى فقدان «حال» الإحساس بالمتعة عندئذ تكون المتعة لحظية وقت الاشتباك المباشر مع الشئ الممتع ويذهب بعدها الإحساس الحلو حيث يسعى الشخص لإيجاد شئ آخر أو إعادة استخدام نفس الشئ ليضيع وقت الإنسان بلا قيمة مضافة ولا سعادة حقيقية.
ونضرب بذلك مثلًا من يدمنون المخدرات أو الجنس أو الأطفال مدمني الألعاب الإلكترونية أو مدمني الطعام أو التسوق أو مدمني الاحتياج لآخرين يمدحونهم ويثنون عليهم إلى آخره.
ولا يظن أحد أن المادة والإشباع أصل السعادة، فإنه يُصاب الغني باليأس والحزن والاكتئاب كما يُصاب الفقير ويسعد كلاهما بالعمل والإنتاج والحركة ونفع الآخرين وحب الناس وحب الخير.
فمن أراد أن يسعد لابد أن ينتج أكثر مما يستهلك.