حديث السبت

الإثنين، 20 فبراير 2017 06:16 م
حديث السبت
محمد حسن الألفي

هو أسبوع المفارقات العجيب والعجيبة معا، عشنا فيه خروج المنتخب الوطنى، من كأس الأمم الافريقية، على نحو صادم مباغت كأزمة قلبية عاصرة، وفى الليلة الحزينة ذاتها، نمناها كمدا، التفت الشعب عبر مواقع التواصل الاجتماعى إلى جريمة بشعة على هامش الفرجة على مباراة مصر والكاميرون، راح ضحيتها الطبيب الشاب محمود بيومى شهاب الدين، بسبب عبثى محض، بسبب فتونة مبتدعة للسرقة فى مصر اسمها الحد الأدنى للقعدة، وفى الانجليزية المينيمم تشارج، وعادة لا يعرف نطقها ولا حروف هجائها القهوجى الذى تمدن وسمى نفسه مدير الكافيه وتصرفاته شوارع. هو طلع فسرق، ونزل فسرق ليس إلا قهوجيا، وبالعكس، فلقد كان المعلم الذى يدير المقهى من وراء النصبة، ابن بلد، يعرف العيبة ويحترم أقدار الناس، بعد اغتيال الشاب بطعنتين، واحدة قرب القلب الغض، والثانية أعلى السرة، هجمت الحكومة هجمة هوجاء عاصفة، فأغلقت ودمرت وشمعت وحطمت مجموعة لابأس بها من المقاهى غير المرخصة.

من أحق بالتغيير أساسا : الحكومة والبرلمان أم الشيخ فالنتين !؟
هى هوجة ولن تستمر، ومع استمرار التكسير والتحطيم انقلب الشعب الى تعاطف مع كراسى و وتجهيزات وواجهات وديكورات واجهزة تليفزيونات القهوجية، ومضى فى التعاطف وانتقاد غشومية المحليات وشرطة المرافق، حتى حل يوم من أغرب الأيام على المصريين، هو الاحتفال بيوم الفالنتين، يوم القديس الرومانى فالنتين الذى انحاز للعشاق وقام بتزويجهم سرا فأعدم فى الرابع عشر من فبراير سنة ٢٠٧م.

على خلفية هذه الثلاثية المصرية الغريبة، الهزيمة فى المباراة، وقتل الطبيب الشاب، وزفة الشيخ فالنتين، خلع عنه المصريون رسمه الكهنوتى ومصروه، كانت عيون الناس تتابع من طرف خفى متغيرين مهمين جدا : تعثر ولادة التعديل الحكومى، وتراجع سعر الدولار، تعديل وإحلال تسعة وزراء اقتضى مقابلة خمسين شخصية، اعتذر منهم ستة عشر، واستغرقت العملية ما يقرب من الاسبوعين وطرحت اسماء للدخول واخرى للخروج، وأخيرا أعلنت القائمة فى البرلمان ووافق عليها مجلس النواب وقوفا وتصفيقا، وهو تقليد جديد، أن تعرض حزمة الأسماء على البرلمان وفق الدستور، وعلى الأخير أن يقبلها كلها أو يرفضها كلها، وليس له أن ينقى، فيقبل هذا أو يستبعد ذاك !

وجاءت التعديلات صادمة بحق، فقد خلت من أسماء تمثل عجزا فى الاداء أو سباتا أو ثباتا كما هو الحال فى وزارة الثقافة، أو تمثل منازعة ومصارعة كما الحال فى الأوقاف، ينازع الأزهر فى أدوار له، وفى الصحة التى شهدت فضائح مالية لمعاونى الوزير، فضلا عن تضارب مواقفه من خضوع لشركات الدواء وخصومة مع الصيادلة الذين انحازوا، ولو بالتهديد بغلق الصيدليات، إلى جانب المرضى، مما اضطره الى الأخذ بوجهة نظر الصيادلة، وفى خضم هذا الصراع قفز سعر علبة الدواء، قفزات مسعورة عضت قلوب وجيوب المواطن الفقير والمتوسط الحال معا.

جاءت الوزارة بأسماء جديدة لم تختبر بعد، ولا نظن أنها بعد التجريب، ستلقى الترحيب، وهنا بالفعل مكمن الفيروس ومربط الفرس معا !

لماذا ؟!
لأن الناس أساسا وأصلا غير مقتنعة بالسيد رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، وتراه ووزراءه سكرتارية للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، يحمل عنهم فشله، وهو رجل وصفته مرارا بالأدب والأخلاق الحميدة، لكنه ضعيف الحضور والأثر، فى قلوب الناس أو فى شوارعهم، فالشوارع فوضى عارمة، فى المرور، وفى البلطجة وفى التحرش، وفى السفالات، وهو مترفع متعال متباعد قرفان منا جميعا، انصب تعامله مع الرئيس والرئاسة والبرلمان وإخوته الوزراء.

وهكذا يمكن القول إن ما جرى من شد مولود بتسعة أطراف من بطن حكومة عاقر فى المواهب والكفاءات إلا قليلا، فى محاولة لتحسين شكل الأداء، ثم ما جرى فى البرلمان من تمرير هذا المولود التساعى الأعضاء، لم يحقق نسبة المشاهدة العالية المرجوة من الجمهور، وأدار الشعب ظهره دورة المقموص غير المكترث، حين وجد التعديل مجرد ترقيع غشاء ! ولأنه تعود على أن يلد الجبل سرابا، ولأنه اعتاد أن يحلم وأن يصحو من الحلم مبلولا بخيباته، فقد توجه بكليته الى معركة أكل عيشه، إلى حلبة المنازعة الدائرة بلا هوادة بين الدولار والجنيه المسكين، فى البداية، لم يصدق الناس أن الجنيه يشد حيله، وينهض، ومع يوم والثانى، كان الجنيه يهجم والدولار يتراجع خطوة، وكل خطوة بجنيه، تلاها جنيه وتلاها ثالث ورابع ! الأمر اذن حقيقى، الدولار الواحد يخر جنيهات ويخسر جنيهات.

تلك فى ظنى أحلى وأجدى المتابعات، أن ترى مع صعود كل جنيه، ولكنك لن ترى، جزءا من هدومك يعود ليسترك، ورفا فى ثلاجتك يفرح بطبق بيض، والموبايل ينزل من فوق العرش، وزجاجة زيت تتذلل لتشتريها، وصحيح أن الدولار يخسر وأن الجنيه يتقدم ويكسب الأرض، لكن الناس أيضا لم تر لهذا الانتصار أثرا فى أقواتها وبيوتها، فالتاجر لا يزال يسرق ويعربد، والحكومة ورئيسها ورئيس البلاد يعلنون عن ضرورة وجهود ضبط الأسواق. حسنا واصلوا اللحن الممل الممجوج، فإن التجار من اللصوص باتوا يحبون الرقص عليه.

واقع الحال أن البرلمان والحكومة لا يرضى عنهما الشعب، فلا أثر للمجلس فى حياة الناس، وأثر الحكومة فى الشارع سلبى.

ولما تسأل الشعب من الأحق بالتغيير: حكومة إسماعيل أم برلمان عبدالعال العجيب ؟ تتدفق الاجابات : كلاهما كلاهما! 


نعم كلاهما، لكن يبقى أننا أيضا سبب وجودهما بل نحن من جئنا بهما لأننا أسأنا الاختيار، ومن ثم وجب أيضا أن نتغير نحن أيضا لأن الله لن يغيرنا ما لم نغير من أنفسنا، فتحل بركة السماء علينا، وتموت الفتنة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق